الحكومة اللبنانية تقر موازنة مالية لأول مرة منذ 12 عاماً

تحتاج إلى ترتيب أوراقها قبل مؤتمر بروكسل للمانحين

رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عند وصوله والوفد المرافق إلى مطار عالية الدولي في العاصمة الأردنية لحضور القمة العربية (رويترز)
رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عند وصوله والوفد المرافق إلى مطار عالية الدولي في العاصمة الأردنية لحضور القمة العربية (رويترز)
TT

الحكومة اللبنانية تقر موازنة مالية لأول مرة منذ 12 عاماً

رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عند وصوله والوفد المرافق إلى مطار عالية الدولي في العاصمة الأردنية لحضور القمة العربية (رويترز)
رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عند وصوله والوفد المرافق إلى مطار عالية الدولي في العاصمة الأردنية لحضور القمة العربية (رويترز)

أقرت الحكومة اللبنانية أمس، أول موازنة عامة منذ 12 عاماً، إثر اتفاق بين الكتل السياسية لحل القضايا العالقة، بدأ يثمر منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وتشكيل الرئيس سعد الحريري حكومته، لينسحب أمس، قبل مغادرة رئيسي الجمهورية والحكومة إلى الأردن للمشاركة في القمة العربية، على إقرار خطة للكهرباء، ووعد الحريري بأن تبدأ نتائجها بالظهور في شهر مايو (أيار) المقبل.
والى جانب التوافق السياسي السائد في البلاد، جاء إقرار الموازنة عشية مشاركة رئيس الحكومة في مؤتمر بروكسل الدولي للمانحين الخاص بقضية النازحين الذي يعقد في العاصمة البلجيكية في الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) المقبل، وبالتزامن مع التحضيرات اللبنانية لبدء استقبال شركات استثمارية بقطاع النفط اللبناني يلي استكمال الإجراءات القانونية اللبنانية للاستثمار التي بدأت بإقرار مرسومي النفط في مجلس النواب مطلع العام الحالي. ويشير ذلك إلى أن لبنان يرتب أموره الداخلية، بهدف تعزيز ثقة المجتمع الدولي به، عشية استحقاقات مشابهة، بحسب ما تقول مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط».
وستُحال الموازنة العامة التي تم إقرارها في الحكومة بإجماع الأعضاء على مجلس النواب لإقرارها رسمياً، وسط توقعات بأن يتم إقرارها في البرلمان بلا عراقيل.
ولم ينفِ وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أن ضغوطا اقتصادية، إلى جانب التوافق السياسي، ساهمت في إقرار الموازنة في الحكومة بعد انقطاعها منذ عام 2005، بالنظر إلى الديون المترتبة على لبنان، وتفاقم ضغوطاته الاقتصادية بفعل الحرب في سوريا التي دفعت بأكثر من مليون لاجئ إليها، وسط أزمة بفعل تدني الاستثمار وضعف البنية التحتية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عشية المشاركة في مؤتمر بروكسل، نحن مضطرون إلى ترتيب أمورنا، ونعرف الاستحقاقات المترتبة والالتزامات وحجم الإنفاق قبل طلب أي مساعدة دولية على خلفية أزمة النازحين»، مشيرا إلى أن ذلك «ينعكس بالثقة لدى المانحين ويريح الحكومة أيضاً، ومن هنا تأتي أهمية إقرار الموازنة في هذا الوقت»، نافيا في الوقت نفسه علمه بأي ضغط دولي لترتيب الأمور القانونية قبل إتاحة المجال أمام الشركات الدولية للاستثمار في قطاع النفط والغاز اللبنانيين.
وأكد المرعبي أن إقرار الحكومة لموازنة عام 2017 «يمثل خطوة ثقة للمجتمع الدولي قبل المشاركة في بروكسل، حيث سيعرض لبنان الأعباء المرتبة على استضافته عدد كبير من النازحين أمام المجتمع الدولي، وسيطلب لبنان مساعدات للبنى التحتية وتمويل مشاريع تنموية تلبي احتياجات النازحين والمجتمع المضيف» الذي يحتاج لبنى تحتية وتنمية مرتبطة بإنشاء مدارس ومستشفيات وشبكات طرقات وغيرها. وإذ أشار إلى أن تلك المشاريع «ستخدم الطرفين، النازحين والمجتمع المضيف»، شدد على أنها «سيكون لها تأثير على التنمية وعلى الاقتصاد اللبناني لجهة خلق فرص عمل جديدة».
ويعرض الوفد اللبناني في مؤتمر بروكسل خطة لمواجهة أعباء النزوح السوري، وطلب الدعم الدولي لها، ليتحمل المجتمع الدولي مع لبنان مسؤولية النهوض بالبنى التحتية والخدمات العامة وبالاقتصاد اللبناني.
وعجزت الحكومة عن إقرار الميزانية لاثني عشر عاما بسبب الخلافات السياسية بين الكتل الرئيسية بعد اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. لكن عون رئيسا في أكتوبر (تشرين الأول) أنهى فراغا في السلطة استمر لعامين ونصف العام، وأدى إلى تشكيل حكومة جديدة في ديسمبر (كانون الأول) برئاسة سعد الحريري.
وكان تقرير لصندوق النقد الدولي حذر في يناير (كانون الثاني) الماضي من أن لبنان بحاجة إلى «تعديل مالي مستدام ومتوازن»، وإلا فإن عبء ديونه العامة، التي تعد من أعلاها في العالم، سيتصاعد.
وقال الحريري، في بيان عقب إقرار الموازنة، إن مناقشات مجلس الوزراء التي جرت مساء الاثنين تضمنت خفضا كبيرا لمستوى العجز المستهدف.
وانسحب التوافق السياسي أمس، على إقرار خطة الكهرباء، بحسب ما أكد وزير الإعلام ملحم الرياشي في تلاوته لمقررات مجلس الوزراء، مشيرا إلى أن وزير الطاقة سيزار أبي خليل «سيعقد مؤتمرا لعرض تفاصيل الخطة الأسبوع المقبل»، لافتا إلى أنه «تمت الموافقة على اقتراح وزير الطاقة، وتم تكليفه باتخاذ الإجراءات اللازمة واستدراج العروض وإجراء المناقصات».
غير أن التوافقات المحلية التي أثمرت حلحلة الأمور الحياتية الداخلية، لم تسفر عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي يطالب فيها اللبنانيون لزيادة رواتب موظفي القطاع العام، كما لم تساهم في التوافق على قانون جديد للانتخابات، حيث «كل طرف يحاول أن يحسن وضعه وحظوظه»، كما قال مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، لافتا إلى أن «تضارب المصالح يؤخر إقراره».
ورغم ذلك، أكد الحريري في دردشة مع الإعلاميين قبل توجهه إلى الأردن للمشاركة في القمة العربية إلى جانب رئيس الجمهورية، أن «التفاهم الداخلي بين اللبنانيين سينعكس قريبا على قانون الانتخاب، وقريبا جدا سننتهي من هذا الموضوع»، ورأى أن «السلسلة ستقر وإن بعد حين». وفيما يتعلّق بموضوع خطة الكهرباء التي أقرتها الحكومة، قال الحريري: «بدءا من أيار (مايو) المقبل سيشعر المواطن بالفارق على صعيد الكهرباء».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.