هل تحمل وجهة نظر جوزيه مورينيو مدرب مانشستر يونايتد بأن القوة أصبحت مقسمة في مستوى الدوري الإنجليزي الممتاز أي وجاهة؟ أم أنها لا تعدو كونها محاولة مبكرة من جانب مدرب مانشستر يونايتد لإيجاد مبررات له؟
لا يزال أمام مانشستر يونايتد تحدي الانضمام إلى زمرة المراكز الأربعة الأولى بجدول ترتيب أندية الدوري الممتاز، ناهيك بمعاودة حصد البطولات، وحال مرور النادي بموسم ثالث من أصل 4 دونما إنجاز على صعيد دوري أبطال أوروبا، فإن ثمة تساؤلات ستفرض نفسها بالتأكيد حول مدى كفاءة قيادة مورينيو للفريق في ضوء الأموال الضخمة التي أنفقت حتى الآن. وربما لتوقعه مواجهة مثل هذا السيناريو، بادر مورينيو إلى القول إن الفوز بأي بطولة داخل إنجلترا ينطوي على صعوبة، نظراً لقدرة جميع الأندية الكبرى المالية على ضم لاعبين نجوم.
وقال في تصريحات لمجلة «فرانس فوتبول»: «داخل إنجلترا، تتسم الأندية بقوة اقتصادية كبيرة تجعل السوق مفتوحة أمام الجميع، وليس باستطاعة أي نادٍ داخل إنجلترا الهيمنة على الساحة. إن القوة منقسمة بين الأندية، وكل شيء يزداد صعوبة: الشراء والفوز والبناء». اللافت أنه تاريخياً لم تكن الحال على هذه الصورة قط، فمن حيث بطولات الدوري الممتاز على الأقل، جرى التشارك في القوة بين عدد كبير من الأندية على مدار ستينات القرن الماضي ومطلع السبعينات، مع تعاقب 10 أندية مختلفة على صدارة دوري الدرجة الأولى باسمه القديم خلال ما يزيد قليلاً على 12 عاماً. وربما كان ذلك نتاجاً لتأثير السنوات التي جرى خلالها تطبيق سياسة الحد الأقصى للأجور الذي استغرق بعض الوقت كي يختفي. ومع ذلك، فإنه عندما سطع نجم ليفربول وهيمن على الساحة الرياضية في منتصف سبعينات القرن الماضي، لم يكن الأمر في بادئه معتمداً على إنفاق ضخم أو دعم مالي، وإنما قرارات كروية حكيمة نجحت في إرساء حالة من الاستقرار والاستمرارية على مدار سنوات.
وعندما تمكن مانشستر يونايتد نهاية الأمر من التفوق على ليفربول، فإن إنفاقه جاء متواضعاً قياساً بمعايير اليوم - وبفضل رجل الأعمال مايكل نايتون نعرف أن النادي بأكمله قدرت قيمته بـ20 مليون جنيه إسترليني فقط في عام 1989 - إلا أنه بحلول نهاية السنوات التي تولى خلالها سير أليكس فيرغسون تدريب الفريق، تحول مانشستر يونايتد إلى الآلة الهائلة المدرة للمال التي نعهدها اليوم.
ولبعض الوقت، مضى مانشستر يونايتد في تفوقه وهيمنته على الساحة الكروية دون منافس بدرجة كبيرة - وعادة ما كان فيرغسون يشعر بالقلق حيال منافس واحد كبير في الموسم، قد يكون آرسنال أو تشيلسي أو ليفربول أو حتى بلاكبيرن. ومع هذا، فإن هذه الهيمنة التي امتدت إلى 20 عاماً أصبحت أكثر صعوبة بسبب الأموال التي تدفقت على تشيلسي ومانشستر سيتي، وهذه تحديداً الحجة التي طرحها مورينيو.
يرى مورينيو أن ثمة عدداً كبيراً للغاية من الأندية الثرية داخل إنجلترا في الوقت الراهن على نحو ييسر الحياة أمام الجميع، ناهيك بالأندية صاحبة الإدارة الواعية مثل آرسنال وتوتنهام هوتسبير التي إما تعتمد على عائدات من وراء البث التلفزيوني أو تتمتع بخبرة بمجال سوق الانتقالات تمكنها من ضم لاعبين رفيعي المستوى مثل أليكسيس سانشيز وديلي ألي. وتتجلى هذه الفكرة في حقيقة أن أكبر هدافي الدوري الممتاز حالياً، البلجيكي روميلو لوكاكاو، يشارك في صفوف نادٍ يحتل المركز السابع بجدول ترتيب أندية الدوري الممتاز وهو إيفرتون، أي خارج الأندية الستة المتصدرة للبطولة، وكذلك خارج المجموعة المؤهلة للمشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا.
أما ليستر سيتي بطل الموسم السابق فيفصله عن منطقة الهبوط 3 مراكز فقط، لكن تبقى هذه مسألة مختلفة. في الواقع من الصعب تحديد ما إذا كانت تجربتهم تدعم أم تدحض نظرية مورينيو، وإن كانت الحقيقة المؤكدة أن من الصعب للغاية أن تجد على مستوى أوروبا بطولة دوري ممتاز تتسم بهذا القدر الكبير من الفردية مثل الدوري الإنجليزي. في هذا الصدد، قال المدرب الويلزي توني بوليس في أعقاب فوز فريقه ويست بروميتش على آرسنال: «الجميع يعلم أن هذه أصعب بطولة دوري على مستوى العالم». لكن هل يعلم الجميع ذلك حقاً؟ جدير بالذكر أن بوليس لم يسبق له قط العمل بأي نادٍ آخر في الدوري الممتاز من الأساس، لذا كيف له أن يعرف ذلك؟
في المقابل، عمل مورينيو في دول أخرى، وعليه، فإن آراءه تحمل ثقلاً أكبر. ومع أنه قد يرمي لتحقيق ثأر شخصي ضد جوسيب غوارديولا أو كارلو أنشيلوتي من وراء نفيه تميز الكرة الألمانية بالتنافسية، ذلك أنه قال خلال المقابلة: «هل تدرون متى يبدأ بايرن ميونيخ الفوز باللقب كل عام؟ في الصيف السابق، عندما يشترون أفضل لاعب لدى بوروسيا دورتموند!»، فإن أقوى مناصري دورتموند سيجد صعوبة في إثبات خطأ الرأي الذي طرحه مورينيو. المؤكد أن مستوى قوة الفرق ومعايير كرة القدم على قمة بطولتي الدوري الممتاز الألماني والإسباني استثنائية من نوعها، الأمر الذي يفسر بدء فرض أندية من هاتين الدولتين هيمنتها على البطولات الأوروبية، وإن كان الرأي السائد دائماً يميل إلى صالح الدوري الإنجليزي الممتاز باعتباره يحمل قدراً أكبر من الإثارة والتسلية والمتعة.
ومع هذا، يبقى التساؤل: لو أن الدوري الإنجليزي الممتاز الأصعب من حيث اللعب فيه والفوز به، فماذا ترتب على ذلك من إنجازات، بخلاف فشل الأندية الإنجليزية على الصعيد الأوروبي؟! وهل يعد هذا الأمر جديراً بالتفاخر به حقاً في ظل ما نعاينه من أن الكرة واللاعبين الأفضل يظهرون في دول أخرى؟ وفي الوقت الذي كان فيه من الممتع حقاً مشاهدة مباراة مانشستر سيتي وليفربول التي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لكل منهما قبل العطلة الأوروبية، فإنها جاءت مليئة بالأخطاء الدفاعية على نحو جعل من السهل إدراك السبب وراء سرعة انضمام أحدهما إلى الآخر للرحيل المبكر عن البطولات الأوروبية.
ودّع مانشستر سيتي بطولة دوري أبطال أوروبا على يد موناكو، الذي نجح في استغلال الأخطاء الدفاعية للنادي الإنجليزي بصورة كاملة خلال مباراتي الذهاب والإياب واستحق الاستمرار في البطولة عن جدارة. والآن، لا يجري اجتذاب بعض العناصر الشابة المثيرة للاهتمام في صفوف موناكو، المهاجم كيليان مبابي والمدافع بنيامين مندي وتيموي باكايوكو، إلى صفوف المنتخب الفرنسي فحسب، وإنما أيضاً تتقدم أندية إنجليزية مثل آرسنال وتشيلسي ومانشستر سيتي بعروض لضمهم إليها.
ويبدو هذا أمراً مثيراً للاهتمام بالنظر إلى أن أحداً لم يقل من قبل قط إن الدوري الفرنسي الممتاز الأصعب على مستوى العالم أو الأكثر تنافسية أو إثارة. ومع ذلك، فإن موناكو بالصدفة تنطبق عليه جميع هذه الأوصاف. في الواقع، إنه من الممتع رؤية مبارياتهم في الوقت الحاضر، وسيكون من المؤسف رؤية صفوف هذا النادي تتفكك فقط لتعزيز صفوف أندية كبرى بالدوري الإنجليزي الممتاز.
ورغم كل الجهود التي تبذلها الأندية الكبرى في إنجلترا لتعزيز صفوفها - التي يؤكد مورينيو أنها جميعاً تملك القدرة المالية التي تعينها على تحقيق ذلك بسهولة - يبقى السؤال: أين يكمن المكسب النهائي؟ من سيكون التفوق والتميز من نصيبه؟ في الواقع، من المحتمل أن يشهد الموسم المقبل منافسة حامية الوطيس، خصوصاً على المراكز الأربعة الأولى بالبطولة أكثر من أي وقت مضى، لكن في النهاية سيبقى الأمر كالعادة محصوراً بين المجموعة ذاتها من الأندية الكبرى. في الواقع، إن البعد الذي افتقر إليه الدوري الإنجليزي الممتاز على امتداد الجزء الأكبر من القرن الحالي؛ الإبداع والتطوير من الداخل.
ولم تشهد الكرة الإنجليزية مثيلاً لما حققه يورغين كلوب مع بوروسيا دورتموند ودفعه النادي إلى القمة عبر التركيز على الضغط الشديد على الخصم ودقة تمرير الكرات. ولم تشهد كذلك مثيلاً لما حققه موناكو بإبقائه باريس سان جيرمان بعيداً عن صدارة الدوري الفرنسي الممتاز عبر الاعتماد على جيل جديد من اللاعبين. بالطبع لدينا هنا تجربة ليستر سيتي التي أثارت لدينا جميعاً شعوراً بالطمأنينة إزاء أنه لا يزال هناك في كرة القدم ما يمكنه مفاجأتنا، لكن المطلوب زراعة نبتة خاصة بنا تثبت قدرتها على الاستمرار لفترة أطول، مثلما كان الحال مع ليفربول ومانشستر يونايتد من قبل. وتكمن مشكلة الاعتماد على سياسة استيراد المواهب في أن أي شخص بإمكانه اللجوء إليها، مثلما أشار مورينيو.
هل الدوري الإنجليزي هو الأقوى في العالم؟
مسلسل فشل الأندية أوروبياً مستمر... والبطولات غائبة عن المنتخب منذ عقود
هل الدوري الإنجليزي هو الأقوى في العالم؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة