تتمتع وزارة الدفاع الأميركية في ظل الرئيس دونالد ترمب بحرية أكبر في إدارة حروبها بالطريقة التي تراها مناسبة، دون الحاجة للحصول دائماً على موافقة البيت الأبيض في القضايا المهمة.
وفيما يقدر كثيرون في الجيش هذه الإدارة الذاتية المتزايدة، يحذر معارضوها من أنها تزيد من نسبة الضحايا المدنيين وتعرض حياة الجنود الأميركيين إلى الخطر، كما تؤدي إلى انعدام الرقابة على النزاعات التي تنخرط فيها الولايات المتحدة.
ولم يبدُ هذا التحول جلياً في أي مكان بقدر ما ظهر في الحرب على تنظيم داعش في شمال سوريا، حيث كانت تخضع حتى التعديلات الصغيرة في مخططات الولايات المتحدة إلى تدقيق مفصل من البيت الأبيض خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
ومنذ تنصيب ترمب من أكثر من شهرين، أدخلت قوات مشاة البحرية سلاح المدفعية إلى سوريا ومئات من قوات «الصاعقة» (رينجرز) البرية، مما رفع العدد الإجمالي للقوات الأميركية هناك إلى نحو ألف.
ويدرس قادة الجيش إمكانية نشر مئات آخرين، فيما أعلن «البنتاغون» هذا الأسبوع أنه قدم دعماً مدفعياً، وتم تنفيذ عملية إنزال بري خلف خطوط العدو في محاولة للسيطرة على سد استراتيجي.
ويشكل هذا الهامش الأكبر الذي منحه ترمب لـ«البنتاغون» تغييراً كبيراً لمجلس الأمن القومي الذي ينسق بين السياسات الخارجية والعسكرية، ويطبق أجندة الرئيس للأمن القومي. وخلال عهد أوباما، كان المجلس يراقب كل جانب من الحروب الأميركية في العراق وسوريا وأفغانستان، ولم يمنح وزير الدفاع آشتون كارتر مساحة للتحرك بمفرده.
أما ترمب، فهو على العكس، يستعين بوزير دفاعه جيمس ماتيس لاتخاذ القرارات العسكرية.
وقال المتحدث باسم البنتاغون كريس شيروود إن «جيمس ماتيس أعطي حرية العمل لتنفيذ العمليات العسكرية بالطريقة التي يراها الأنسب». وتحارب الولايات المتحدة تنظيم داعش في العراق وسوريا، وحركة طالبان في أفغانستان عبر قوات محلية تدعمها واشنطن وحلفاؤها جواً. ورغم أن الاستراتيجية العامة لم تتغير، فإن لقادة الجيش الآن حرية أكبر في تحريك الجنود والآليات.
كانت زيادة عدد القوات مسألة حساسة بالنسبة لأوباما الذي بنى حملاته الانتخابية على الوعود بوقف حروب الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وعدم إرسال قوات أميركية إلى الأرض في أي نزاع. ولطالما انتقد السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، تدخل مجلس الأمن القومي. وأشار النائب المخضرم إلى أنه يفضل حصول قادة الجيش على مزيد من الحرية في التحرك، قائلاً إنه «لا يتوجب علينا أن نستشير أشخاصاً في الثلاثينات من عمرهم لنرد على هجوم في أفغانستان».
وأما زميله في اللجنة، ماك ثورنبيري، فتحدث عن زيارة قام بها إلى أفغانستان خلال عهد أوباما حيث سمع اتصالاً من أحد موظفي مجلس الأمن القومي يسأل عن كمية الوقود في الطائرات الموجودة على مدرج الإقلاع. وأشار إلى أن «مستوى التدخل في أدق التفاصيل كان لا يصدق، وبالطبع، بينما يقوم مجلس الأمن القومي بمعالجة الأمر، يكون هدفك غيّر تحركاته».
ولم يسلم ترمب كذلك من الانتقادات لنهجه في عدم التدخل، إذ يتساءل مراقبون إن كان البنتاغون يفتح الطريق أمام تزايد عدد الضحايا المدنيين أم لا. إلا أن المسؤولين العسكريين ينفون ذلك بشدة، ويؤكدون أن سلامة المدنيين أولوية قصوى عند إقرار أي عملية.
وأفادت منظمة «ايروارز» التي تضم تجمعاً للصحافيين والباحثين وتتخذ من لندن مقراً لها، بأنها لم تعد قادرة على متابعة الغارات الروسية إثر انشغالها بإحصاء القتلى المدنيين الذين يعتقد أن قصف طائرات الولايات المتحدة وقوات التحالف تسبب بهم.
وأكد مدير «ايروارز»، كريس وودز، أن «قرار تعليق تقديراتنا بشأن الغارات الروسية بشكل مؤقت كان غاية في الصعوبة». وأضاف أن «موسكو لا تزال تقتل مئات المدنيين في سوريا كل شهر بحسب التقارير. إلا أنه ومع ارتفاع الحصيلة المزعومة لضحايا التحالف بهذا الشكل الحاد، ومع موارد (ايروارز) المحدودة للغاية، نعتقد أن تركيزنا الرئيسي يجب أن يكون حالياً على التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة».
وكان «البنتاغون» أقر بأن ما لا يقل عن 220 مدنياً قتلوا عن غير قصد منذ بدء العمليات ضد تنظيم داعش في أواخر صيف 2014. وبحسب تقديرات «ايروارز»، فإن العدد يفوق ذلك بعشرة أضعاف.
وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن قصفاً للتحالف يوم الثلاثاء أوقع 33 قتيلاً من المدنيين النازحين قرب بلدة المنصورة الواقعة غرب الرقة، معقل تنظيم داعش في سوريا.
من ناحيته، أكد مسؤول أميركي في وزارة الدفاع أن أي قتلى إضافيين هم ضحايا المعارك في المناطق المأهولة المكتظة بالسكان، مثل الموصل في العراق والمناطق المحيطة بمدينة الرقة. وقال: «أدرك أنه لم يحدث تغيير في درجة التسامح مع وقوع ضحايا مدنيين».
أما الجنرال توماس فالدهوسر، المسؤول عن القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا، فعبر الجمعة عن أمله بأن يخفف البيت الأبيض من القيود على العمليات في الصومال، حيث تستهدف الولايات المتحدة مقاتلي حركة الشباب.
وقال إن إجراء من هذا النوع «سيسمح لنا بملاحقة الأهداف بشكل أسرع»، مؤكداً أن السلطات الجديدة لن تمنح على حساب المدنيين. وأشار إلى أن «القاعدة الأساسية في هذا النوع من التعاقدات هي عدم خلق أعداء جدد غير أولئك الموجودين»، مضيفاً: «لن نحول الصومال إلى منطقة لإطلاق النار بلا قيود».
«البنتاغون» يحظى بحرية أكبر للتحرك في عهد ترمب
مخاوف من تزايد أعداد الضحايا المدنيين
«البنتاغون» يحظى بحرية أكبر للتحرك في عهد ترمب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة