أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم مباحثات مع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في مدينة أنطاليا، جنوب تركيا، على هامش الدورة السادسة لمنتدى «اللسان العذب» التركي البريطاني. وتناولت المباحثات خلال اللقاءين اللذين عُقِدا ليل الخميس - الجمعة العلاقات التركية البريطانية، لا سيما في المجالات التجارية والاقتصادية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطورات في سوريا والعراق.
كما التقى يلدريم الأمير أندرو دوق يورك الذي يشارك في المنتدى ممثلاً للعائلة الملكية البريطانية. وتأسس المنتدى التركي البريطاني بوصفه منصةَ تواصُل بهدف تعزيز العلاقات بين تركيا وبريطانيا في مختلف المجالات.
وجاءت المباحثات تزامناً مع إطلاق لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني برئاسة النائب كريسبين بلانت تقريراً بعنوان «علاقات المملكة المتحدة بتركيا»، الذي شمل محاور رئيسية حول العلاقة السياسية والأمنية والتجارية بين تركيا وبريطانيا، والعلاقة بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، والسياسة التركية في ضوء الانقلاب الفاشل إردوغان، والموقف البريطاني من المحاولة الانقلابية والرد التركي الرسمي عليها، والموقف التركي من حزب العمال الكردستاني، ووضع الديمقراطية في تركيا.
ولفت التقرير إلى أن بريطانيا ندَّدَت بشدة بالمحاولة الانقلابية في الخامس عشر من يوليو (تموز) 2016، معتبراً أنها كانت عدواناً على ديمقراطية تركياً، مشيراً إلى أن وزارة الخارجية البريطانية من خلال موقفها الحاسم الرافض للانقلاب أرادت ضمان أن ترى القيادة التركية، أن المملكة المتحدة صديق حميم وحليف مقرب من الشعب التركي، إلا أن البرلمانيين يلاحظون أن اللغة المعادية كما هو سائد في الأوساط الشعبية في تركيا والشك التاريخي الذي يحوم حول السياسة البريطانية، ما زال يؤثر على الانطباع المتشكل حول بريطانيا داخل تركيا. واعتبر التقرير أن تركيا بلد يعاني من انقسام عميق، وأن التفاعل السياسي بين التوجهات والتفسيرات المتنافسة اجتماعياً وثقافياً ودينياً داخل البلاد ما زال محدوداً.
ولفت التقرير إلى أنه من المقرر أن يتوجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع في السادس عشر من أبريل (نيسان)، ليصوتوا في استفتاء على تعديل الدستور التركي بما يوسع بشكل كبير صلاحيات وسلطات الرئيس، وأن الخيار سيكون من حق الشعب التركي وحده، وأن حكومة المملكة المتحدة، ينبغي ألا تنحاز إلى هذا الجانب أو ذاك.
واستدرك التقرير بالإعراب عن القلق من إجراء الاستفتاء في وقت تراجعت فيه حريات التعبير والتجمع في تركيا الأمر الذي قد ينال من صدقية الاستفتاء في ظل تعرض بعض وسائل الإعلام ونواب المعارضة في البرلمان والمنظمات المدنية الناقدة للحكومة للإغلاق أو الإسكات، لافتاً إلى أن أحكام الطوارئ المعمول بها الآن في تركيا وسَّعَت بشكل كبير سلطات الجهاز التنفيذي، بينما صاحب ذلك بشكل متزامن تقييد لبعض الحقوق والحريات، وأن حالة الانقسام العميق التي يشهدها المجتمع التركي، قد تتفاقم وتزداد سوءاً، بسبب حملة الاستفتاء أياً كانت نتائجه فيما بعد.
ورأى التقرير في أكثر من موضع أن لحظة الاختيار في تركيا الآن حاسمة ومفصلية بالنسبة لمستقبلها، من حيث ما إذا كانت البلاد ستصبح قمعية أو ستتعافى من أزمتها.
وأوصى بأن تساعد بريطانيا تركيا في تطوير كفاءة واستقلال مؤسسات الدولة.
وأشار التقرير إلى أن إبرام اتفاقية تجارة حرة بالكامل مع تركيا، قد لا يكون ممكناً بسبب علاقة تركيا الحالية مع الاتحاد الأوروبي، ومع الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، ولذلك أوصى التقرير بأن تعمد وزارة الخارجية البريطانية إلى توضيح الترتيبات التجارية التي بإمكانها حالياً التفاوُض عليها مع تركيا يعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأكد البرلمانيون البريطانيون أن تنظيم داعش عدوّ مشترك لبريطانيا وتركيا، وأن تركيا عانت كثيراً من إرهاب هؤلاء المتطرفين، مذكرين بأن تركيا شريك عسكري مهم في الحرب ضد «داعش»، ويعزز من دورها أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأوصى في هذا الصدد بأن تستمر المملكة المتحدة في التعاون مع تركيا بشكل تام في الحرب ضد داعش وضمان ألا تنشغل تركيا عن هذا الهدف العسكري المهم في ضوء تهديدات حزب العمال الكردستاني.
كما أوصى التقرير بدعم تركيا في جهودها لمواجهة تحدي اللاجئين، وحض الحكومة البريطانية على الضغط على الاتحاد الأوروبي، حتى يقوم سريعاً بدفع الأموال المستحقة لتركيا التي وعدت بها، ولم تتسلَّمها بعد. ورغم أن التقرير يشير إلى أن كلا الطرفين (تركيا والاتحاد الأوروبي) مقصر في عدم الوفاء بما اتفقا عليه تجاه مشكلة اللاجئين، إلا أن تأخر الاتحاد الأوروبي عن دفع ما عليه من التزامات مادية لتخفيف معاناة اللاجئين، هو الذي يعزز الخطاب المعادي للاتحاد الأوروبي داخل أوساط الحكومة التركية.
ويذكِّر التقرير بأن المملكة المتحدة سعت إلى تمييز نفسها صديقاً في أعين الحكومة التركية، مشيراً إلى أن الطرفين سعيا إلى تقوية العلاقة الاستراتيجية بينهما. ومع ذلك، فينبغي على الحكومة البريطانية بينما تحرص على ذلك، ألا تتجاهل أو تتسامح مع ما يتردد من مزاعم حول انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وتراجع عن الديمقراطية في تركيا، وألا تتردد المملكة المتحدة في انتقاد ما ينبغي انتقاده من أوضاع في تركيا، سراً وعلناً.
وتناول التقريرُ الأزمةَ بين حزب العدالة والتنمية وجماعة فتح الله غولن (حركة الخدمة)، وانتقد زعماء الحزب لتعمدهم تجاهل ما كان قائماً من تحالف بينهم وبين جماعة غولن وأعرب عن قلق البرلمانيين البريطانيين إزاء عمليات التصفية والتطهير التي تشنها حكومة العدالة والتنمية على جماعة غولن، معتبرين أن ما وُجِّه إلى جماعة غولن من اتهامات بالضلوع في الانقلاب لم يَقُم عليه حتى الآن دليل حاسم ومقنع، بل إن معظم ما يتردَّد أقرب إلى الحكايات والشائعات منه إلى الأدلة القضائية البينة. ولكن في الوقت نفسه، يرى البرلمانيون البريطانيون أن جماعة غولن أخفقت أيضاً في إقناعهم بأنهم أبرياء من محاولات التدخل والسيطرة والتمدد في أوصال الدولة التركية، ويعزز من الشكوك حولهم انعدام الشفافية في تركيبتهم ونشاطاتهم، الأمر الذي يستحيل معه الجزم بأن كل ما يقومون به من نشاطات حسبما يزعمون، إنما هو في المجال الخيري، واستبعد التقرير أن يكون أنصار غولن وحدهم العنصر الوحيد أو الأساسي في محاولة الانقلاب، إذ إن خصوم ومنافسي حزب العدالة والتنمية في تركيا يوجدون في مفاصل الدولة بكثرة، ومنهم العناصر الكمالية.
ولفت التقرير إلى أن تراجع أوضاع حقوق الإنسان في تركيا سبق المحاولة الانقلابية، إلا أن الانقلاب والإرهاب أصبحا ذريعة لمزيد من الإجراءات، وهو ما ينال من أصول الثقافة الديمقراطية في البلاد.
منتدى «اللسان العذب» منصة تواصل لتعزيز العلاقات بين أنقرة ولندن
تقرير برلماني بريطاني يندد بالمحاولة الانقلابية ويثلج قلب القيادة التركية
منتدى «اللسان العذب» منصة تواصل لتعزيز العلاقات بين أنقرة ولندن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة