ما سر احتفاظ نتنياهو بالسلطة؟

8 سنوات متصلة من الحكم... رغم الانتقادات والشكوك

ما سر احتفاظ نتنياهو بالسلطة؟
TT

ما سر احتفاظ نتنياهو بالسلطة؟

ما سر احتفاظ نتنياهو بالسلطة؟

أمر عجيب يحصل للإسرائيليين. في كل استطلاعات الرأي التي أجريت من عدة معاهد أبحث أكاديمية، طيلة حكم بنيامين نتنياهو (منذ سنة 2009)، يقول غالبية الجمهور إنه ليس راضيا عنه. ولكن عندما يسألون أي رئيس حكومة يفضلون، نجده يحظى بأعلى الأصوات. ثم عندما يسألون لأي حزب سيصوّتون فيما لو أجريت الانتخابات اليوم، تظهر النتائج أن تكتل أحزاب اليمين الحاكم اليوم سيعزّز قوته. وفي أحد الاستطلاعات نشر «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية» استطلاعاً بمناسبة مرور سنتين على الانتخابات الأخيرة وصدر في مطلع الشهر - 7 مارس (آذار) 2017 - وفيه قال 53 في المائة من المستطلعة آراؤهم إن نتنياهو لا يمارس مهمات رئيس الحكومة بشكل جيد (33 في المائة قالوا إنه يمارسه بشكل جيد)، وهي أعلى نسبة سقوط حتى بين وزرائه الآخرين. فوزير الدفاع في حكومته يحظى بتقدير من 44 في المائة ووزير المالية موشيه كحلون 46 في المائة ووزير الصحة 47 في المائة.
غالبية الجمهور الإسرائيلي غاضبة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وهي لا تصدق رواياته في التحقيقات الجارية ضده في شبهات الرشوة والفساد. بل حسب استطلاع أجراه معهد أبحاث جامعة تل أبيب في شهر فبراير (شباط) الماضي، قال 52 في المائة من الجمهور إنه سيكون على نتنياهو أن يستقيل من الحكومة إذا وجهت له لائحة اتهام، مع أن القانون لا يلزم باستقالة أو إقالة رئيس الحكومة قبل أن يدان في المحكمة. والمعروف أن نتنياهو يمارس خلال سنوات حكمه التسع - بلا انقطاع - المساس بالإعلام والجهاز القضائي وصلاحيات المحكمة العليا ويسن قوانين تنطوي على تراجع واضح في المفاهيم والقيم الديمقراطية. ومع ذلك، بين استطلاع آخر هو الذي أجرته «القناة العاشرة» للتلفزيون، هذه المرة، وبثته ليلة الخميس 16 مارس (آذار) أن نتنياهو سيكون صاحب أفضل الاحتمالات لتشكيل حكومة جديدة فيما لو جرت الانتخابات اليوم.
ما الذي يجعل الإسرائيليين متناقضين إلى هذا الحد؟ وما هو سرّ قوة نتنياهو؟
كيف يصمد هذا الرجل وهو الذي ينظر إليه كأكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية تردداً وجبناً، وأنه جبان لا يحسم في الأمور، كما أنه أكثر رؤساء الحكومات مجافاة للحقيقة وعنده من الصلف ما يجعله يزيف التاريخ، وأنه أيضاً أكثر رؤساء الحكومات رضوخاً للضغوط، وبالأخص من طرف معسكره اليميني؟

فنان في إدارة حرب البقاء
الجواب الأكبر على هذه التساؤلات هو أن نتنياهو يضع لنفسه هدف أن يبقى رئيس حكومة لأطول فترة ممكنة، فالرجل مغرم بالمنصب، ومستعد لعمل أي شيء يضمن له التمسك بالكرسي. بل كل ما يفعله يندرج تحت هذا البند: البقاء في الكرسي.
لا يهمه أن يقول الشيء ونقيضه، لا يرمش له جفن وهو يقول أمورا لا تمت للحقائق بصلة. لا يتردد في تغيير رأيه ومواقفه وقراراته في سبيل إرضاء أولئك الذين يعتبرون جمهور مصوتيه المحتملين.
في الانتخابات الأخيرة، أشارت كل استطلاعات الرأي إلى أنه سيخسر المعركة، إذ منحته الاستطلاعات 24 مقعدا فقط، في حين حصل منافسوه في المعسكر الصهيوني بقيادة يتسحاق هيرتسوغ وتسيبي ليفني 26 مقعدا. ولكن في الأيام الأخيرة وتحديداً، بل قبل ست ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع، خرج بحملة يحذّر فيها اليهود من تدفّق الناخبين العرب إلى الصناديق «بواسطة حافلات بتمويل عربي وأجنبي». وهكذا أحدث انقلابا في الرأي العام، وزاد رصيده بستة مقاعد حاصلاً على 30 مقعدا بضربة واحدة.
حصل نتنياهو على هذه الزيادة بالأساس من منافسيه في اليمين. فحزب المستوطنين (البيت اليهودي)، الذي كان ممثلا في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بـ12 مقعدا، هبط رصيده إلى 8 مقاعد، وحزب «يسرائيل بيتينو» بقيادة أفيغدور ليبرمان، الذي كان ممثلا بعشرة مقاعد هبط رصيده إلى 6 مقاعد، وهكذا استطاع زعيم الليكود تشكيل الحكومة الجديدة. وبالطريقة نفسها ينجح في الحفاظ على هذه النسبة من التأييد، إذ أنه يواصل دغدغة غرائز اليمين العنصري بالتحريض على المواطنين العرب (فلسطينيي 48)، وبسن قوانين خاصة لقمعهم وتقليم نفوذهم وبممارسة عمليات هدم لبيوتهم ومهاجمة قياداتهم.
أيضاً، النظام الانتخابي النسبة لملء مقاعد البرلمان يساعد نتنياهو على ذلك. فهو يفوز فقط بربع مقاعد الكنيست (30 من 120)، لكن القانون الإسرائيلي ينص على أن مرشح الكتلة الأكبر يعطى حق محاولة تشكيل الحكومة.
في الماضي كان حزب السلطة يحصل في الانتخابات على 40 و50 بل على 65 مقعدا. وبالتالي، نتنياهو هو رئيس الحكومة الذي حصل على أقل عدد من المقاعد في التاريخ الإسرائيلي. لكن ما يحصل عليه يكفيه لتشكيل الحكومة، لأن قوى اليمين من أحزاب أخرى (البيت اليهودي و«يسرائيل بيتينو») وقوى المتدينين المتزمتين (تحديداً «شاس» لليهود الشرقيين و«يهدوت هتوراة» لليهود الاشكناز) تقف إلى جانبه. قادتها وجمهورها لا يحبونه. نفتالي بنيت وأييلت شكيد وأفيغدور ليبرمان كلهم قد عملوا تحت قيادته وتركوه غاضبين ومحبطين. لكنهم يعرفون أنه الوحيد القادر على تشكيل حكومة يمينية بمشاركتهم. فشكلوا معه حلفاً من اللحظة الأولى، رغم أنه نجح بالأحابيل الانتخابية في خطف عشرات الألوف من ناخبيهم.

إسرائيل تجنح إلى اليمين
الحقيقة أن أحزاب اليمين في إسرائيل ازدادت قوة، بل ضاعفت قوتها بنسب عالية. في بدايات إسرائيل سيطر حزب العمل، الذي يمثل الجناح الاشتراكي الليبرالي في الحركة الصهيونية. وظل حزب العمل في الحكم بشكل متواصل حتى عام 1977، وكان يتحالف مع اليسار الصهيوني وكذلك مع الليبراليين وأحزاب الوسط الأخرى. إلا أن سياسة هذا الحزب، وإن كانت يسارية وسطية ليبرالية من الناحية الاقتصادية الاجتماعية، فإنها من الناحية السياسية - العسكرية قادت الحروب ونفّذت عمليات التشريد للفلسطينيين، في زمن نكبة 1948 وحرب 1956 ونكسة 1967، وهي التي ضمت القدس وهضبة الجولان السورية لإسرائيل، وهي التي وضعت أسس الاستيطان اليهودي في المنطق المحتلة، والتي غرست النبتات الأولى للسياسة العنصرية والغطرسة السياسية والعربدة العسكرية.
ولقد كانت هذه الأسس رافعة لقوى اليمين حتى انتصر بقيادة مناحيم بيغن عام 1977، واتضح أن الجمهور فضّل اليمين الأصلي على من يدير سياسة يمين ويحمل اسم اليسار أو الوسط.
في الانتخابات الأولى فاز حزب اليمين (وكان اسمه «حيروت» - الذي هو «الليكود» اليوم - ) بـ16 مقعدا فقط. وفي الانتخابات الثانية فاز بـ20 مقعدا. وفي الثالثة تراجع إلى 15، ثم حصل على 17 مقعدا في ثلاث انتخابات متتالية.
فقط عام 1973، بعد الفشل الإسرائيلي في حرب أكتوبر (تشرين الأول) من تلك السنة، حظي «الليكود» (وكان اسمه يومذاك «جاحل») بـ39 مقعدا وأخذ يهدد حكم «اليسار» (الذي تراجع نصيبه يومها من 56 إلى 51 مقعدا). وأخيراً، تحقق له الانتصار عام 1977، عندما حصل «الليكود» برئاسة بيغن على 43 مقعدا فيما تراجعت حصة العمل بقيادة شمعون بيريس إلى 39 مقعدا وخسر الحكم.
بعدها، فشل «الليكود» في الحكم واضطر في الانتخابات التي أجريت عام 1984 إلى تشكيل حكومة مشتركة مع حزب العمل. ثم خسر الحكم تماماً عام 1992 لصالح حزب العمل بقيادة «الجنرال» إسحق رابين. لكنه عاد إلى الحكم برئاسة نتنياهو عام 1996، ومع أن «الليكود» خسر أمام العمل تحت قيادة جنرال آخر هو إيهود باراك عام 1999، فإنه عاد إلى الحكم برئاسة جنرال ثالث هو أرئيل شارون. غير أن هذا الأخير اضطر إلى ترك الحكم، إذ دخل في غيبوبة لم يفق منها أبدا، فتولى الحكم إيهود أولمرت. ثم عاد نتنياهو واستمر إلى اليوم.
ومن نتائج الانتخابات وتوزيع المقاعد على أحزاب اليمين، يبدو بوضوح أن إسرائيل تذهب بمثابرة وإصرار نحو اليمين. وحسب آخر انتخابات، حظي «الليكود» بثلاثين مقعدا، والبيت اليهودي بثمانية، و«يسرائيل بيتينو» بستة، وحزبا المتدينين بـ13 مقعدا (7 للشرقيين و6 للاشكناز). كذلك حصل حزب «كولانو» برئاسة وزير المالية، موشيه كحلون، المنشق عن «الليكود» على 10 مقاعد. وهكذا غدا للائتلاف اليميني 67 نائباً من أصل 120 نائبا.
ولكن من ناحية سياسية، يرى البعض أن اليمين في إسرائيل يذهب نحو اليسار. ذلك أحزاب اليمين كانت ترفض أي تسوية مع الفلسطينيين. وكانت تضع شعارا يطالب بـ«أرض إسرائيل» الكاملة من البحر إلى النهر، وأكثر من ذلك - «للأردن ضفتان، هذه لنا وتلك أيضا». لكنهم تنازلوا عن شرقي الأردن، وراحوا يطالبون باعتباره (أي الأردن) الدولة الفلسطينية.
وما زال الكثير من أوساط اليمين يقدمون هذا الطرح إلى اليوم. إلا أن مناحيم بيغن وقّع على اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، وانسحب حتى آخر شبر من الأراضي المصرية المحتلة، وهدم بنفسه المستوطنات التي أقيمت في سيناء. ولقد تحوّل الأمر إلى سابقة، إذ أن سوريا طالبت إسرائيل بانسحاب مماثل (كامل وشامل) من هضبة الجولان. وحصل الأردن على اتفاق مماثل عام 1994.
وعندما وصل نتنياهو إلى الحكم لأول مرة عام 1996، أعلن موافقته على اتفاقيات أوسلو، ووقع على اتفاقيتين في إطار تطبيقها، فانسحب من الخليل ومن 13 في المائة من الضفة الغربية. وعندما تولى شارون الحكم أعلن موافقته على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. وبسبب المعارضة داخل حزبه أحدث انشقاقا في «الليكود» وأسس حزبا جديدا مع شمعون بيريس (المنشق عن حزب العمل) وانسحب من قطاع غزة، وهدم بنفسه المستوطنات هناك، كما هدم 4 مستوطنات في شمالي الضفة الغربية.
وعندما وصل إلى الحكم يميني آخر تربّى في «الليكود»، هو إيهود أولمرت، عرض على الرئيس الفلسطيني حدودا للدولة الفلسطينية مساحتها تساوي 22 في المائة من مساحة الضفة الغربية مع ممرٍّ آمن لقطاع غزة وموافقة على تحويل القدس الشرقية إلى عاصمة فلسطين.
وحتى نتنياهو أعلن قبوله حل الدولتين عام 2009، وهذا أولا لاسترضاء دول العالم، لكنه أيضا لاسترضاء شريحة واسعة من المواطنين في إسرائيل. إذ حسب آخر استطلاع أجراه معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب ونشر في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، قال 59 في المائة من الإسرائيليين إنهم يؤيدون هذا الحل. واللافت أن 41 في المائة من أنصار الليكود في إسرائيل يؤيدون هم أيضا هذا الحل.

حرب الجنرالات
هنا يُطرح السؤال: لماذا إذن لا يتجاوب نتنياهو مع رغبة الغالبية وينفذ وعده في تطبيق حل الدولتين؟
هنا نعود إلى المربع الأول: نتنياهو يضع في المقام الأول الحفاظ على كرسيه. وهو يعرف أن هذا الكرسي يستند إلى اليمين المتطرف. فقد حصل على نسبة 60 في المائة من أصوات اليمين التقليدي، وعلى 37 ألف صوت (ما يعادل 18 في المائة) من أصوات المستوطنين. وهو يراهن عمليا على عدد من الأصوات يكفيه لثلاثين مقعدا.
ثم إنه يجري حساباته على الحقيقة بأنه لا يوجد مَن يهدّد مكانته من المعارضة. ذلك أن كل استطلاعات الرأي تشير إلى أن الجمهور لا يرى بديلا عنه بين المرشحين المنافسين في المعارضة. ففي استطلاع القناة الأول للتلفزيون الإسرائيلي أجري في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، قال 27 في المائة إنهم يفضلون نتنياهو وقال 16 في المائة أنهم يفضلون يائير لبيد، زعيم حزب الوسط «يوجد مستقبل» و7 في المائة فضلوا نفتالي بينيت وعدد مماثل فضلوا وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، الذي ترك «الليكود» و5 في المائة فضلوا أفيغدور ليبرمان، و5 في المائة فضلوا يتسحاق هيرتسوغ. بينما قال 31 في المائة إنهم لا يرون أيا من هؤلاء المرشحين صالحا لمنصب رئيس حكومة.
وهناك محاولات كثيرة من شخصيات قيادية أخرى لخوض المعركة، بالأساس من صفوف الجنرالات الذين تسرحوا من الجيش، أمثال رؤساء أركان الجيش السابقين غابي اشكنازي ودان حالوتس وبيني غانتس، وحتى إيهود باراك، لملء الفراغ. لكن نتنياهو وقوى اليمين الأخرى تتابع نشاط هؤلاء وتحاربهم وتنشر القصص لتشويه سمعتهم. واستطلاعات الرأي تشير إلى أن هذا التشويه يترك أثره على الجمهور، وبالتالي لا يحظى أي منهم لما يكفي من الشعبية.
أيضاً، ثمة قوى تسعى لتوحيد صفوف هذه الشخصيات في إطار واحد أو تعزيز صفوف الأحزاب القائمة بضم تلك الشخصيات، لكن معارضي نتنياهو مبتلون بالنرجسية التي تمنع توحيد قواهم ضده. كل واحد منهم يرى نفسه قائدا أول، وليس مستعدا لاحتلال المرتبة الثانية أو الثالثة. ونتنياهو يستمتع بهذه الخلافات لأنها تؤدي إلى إبقائه المرشح الأقوى، رغم إخفاقاته الكثيرة.

المعركة الأخيرة
اليوم، يشعر نتنياهو بأن ما يقدر على كسر ظهره يأتي من جهتين: الشرطة والإعلام. فالصحافة الإسرائيلية تحاربه بشراسة، كما كانت تحارب كل رؤساء الحكومات وأكثر قليلا. وهي التي كشفت فضائح الفساد، التي دفعت الشرطة إلى التحقيق فيها.
من جانبه، حاول نتنياهو مجابهة هاتين القوتين بأسلوب لا يقل شراسة. فمن جهة جلب مفتشا عاما للشرطة ممن يثق بهم، هو روني الشيخ، وقد جاء به من جهاز المخابرات وفرضه على الشرطة. وعيّن سكرتير حكومته أبيحاي مندلبليت مستشارا قضائيا للحكومة وشاي نتسان مدعيا عاما. وهو يسعى إلى إدخال رجال اليمين قضاة في المحكمة العليا، وفي الوقت نفسه تولى بنفسه وزارة الإعلام ويسعى لإلغاء سلطة البث وإعادة بنائها من جديد وإحداث تغييرات في القنوات والإذاعات التجارية لزيادة تأثير ونفوذ الحكومة عليها.
وتدور حول الموضوع حرب وطيس. وفي بعض الحالات يحقق أرباحا، فيرهب صحافيين ويماطل في التحقيقات في الشرطة. إلا أن التحقيق المهني في الشرطة جار على قدم وساق وهناك قناعة لدى ضباط التحقيق بأن هناك أساسا متينا لتقديم لائحة اتهام ضده. كما أن الصحافة بشكل عام لم تستسلم. وتواصل انتقاد نتنياهو على سياسته في كل المجالات، بدءا بانعدام الأمن في زمنه إلى العزلة الدولية وعرقلة مسيرة المفاوضات وحتى الوضع الاقتصادي والفساد.
بيد أن القوة السياسية الأساس التي عليها واجب إدارة هذه الحرب، تبدو ساكنة تغط في نوم عميق. فمع أن هناك 53 نائبا في المعارضة، فإن صوتهم لا يسمع.
نتنياهو يعمل تقريبا بلا معارضة. وإسرائيل لا تشهد منذ إقامتها معارضة كسولة هزيلة عاجزة كما هي المعارضة اليوم.
رئيس المعارضة، هيرتسوغ، أمضى أكثر من سنة في مفاوضات مع نتنياهو كي يدخل حكومته تحت لافتة «تشكيل حكومة وحدة وطنية قوية قادرة على صنع السلام». وتدخلت الولايات المتحدة ومصر والأردن لترتيب دخول هيرتسوغ إلى الحكومة. لكن نتنياهو تراجع.
إنه يعرف أن مصلحة إسرائيل تقتضي التوجه إلى عملية سلام تجعله قائداً تاريخياً لإسرائيل، يقف في مصاف «مؤسس الدولة» ديفيد بن غوريون و«صانع السلام» مع مصر مناحيم بيغن و«صانع اتفاقات أوسلو والسلام مع الأردن» إسحق رابين. إلا أنه حتى الآن، لا يجد في نفسه الشجاعة في مواجهة رفاقه في «الليكود» ومعسكر اليمين، ولا في دفع ثمن السلام. وهو يشعر أن استمرار الوضع الحالي لا يضره، بل يبقيه رئيس حكومة، لا بل صاحب أطول فترة رئاسة بين جميع رؤساء حكومات إسرائيل.
وراهناً، تبني المعارضة حساباتها على أن يضطر نتنياهو للتزحزح عن موقفه هذا بدعم من الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب. فاليمين الإسرائيلي احتفل بانتخاب ترمب. وهو يأمل أن يتوقف الضغط الأميركي في موضوع الاستيطان وفي موضوع المفاوضات. بينما المعارضة الإسرائيلية تأمل أن يبادر ترمب لدفع عملية سلام تجبر نتنياهو على التحرك والتجاوب. أما المقربون من نتنياهو فيرون أن هذا هو الوقت المناسب لأن يعمل نتنياهو على تفجير أزمة ائتلافية وتقديم موعد الانتخابات كي يكسب مزيدا من الوقت في كرسي الرئاسة من دون أن يدفع أي ثمن.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.