حثَّت تركيا جارتها قبرص على التخلي بوصف نفسها بالمالك الوحيد للموارد الطبيعية للجزيرة القبرصية. وشَدَّد المتحدث باسم الخارجية التركية حسين مفتي أوغلو في بيان على أن بلاده ستتخذ جميع التدابير في إطار حماية مصالحها ومصالح القبارصة الأتراك في شرق البحر المتوسط. وقال تعليقاً على مشاركة الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس في المناقصة الدولية الثالثة للتنقيب عن الهيدروكربون في بعض المناطق الواقعة ضمن المنطقة الاقتصادية الخاصة التابعة لقبرص في 22 مارس (آذار) الحالي، إن قبرص تصر على عدم تقبل القبارصة الأتراك كشركاء سياسيين متساويين.
ودعا البيان إلى وقف أنشطة قبرص في التنقيب التي من شأنها أن تفشل مساعي إيجاد حل شامل لأزمة الجزيرة المقسمة منذ عام 1974، لافتاً إلى لقاء أناستاسياديس، مع مسؤولي إحدى شركات التنقيب بوصفه توجهاً أحادي الجانب ويعد دليلاً جديداً على تجاهل الحقوق الأساسية للقبارصة الأتراك في الموارد الطبيعية في الجزيرة.
كانت الأمم المتحدة اقترحت في عام 2004 خطة لتوحيد الجزيرة القبرصية، لكنها واجهت رفضاً واستأنف الجانبان (القبارصة اليونانيون والأتراك) المفاوضات، في 15 مايو (أيار) 2015، برعاية المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، إسبن باري إيدي، بعد تسلم رئيس الجمهورية، مصطفى أكينجي، منصبه.
وفي 10 فبراير (شباط) الماضي، قرر البرلمان القبرصي إقامة احتفالات في المدارس بذكرى استفتاء عام 1950، الذي صوت فيه 96 في المائة من القبارصة اليونانيين لصالح الانضمام إلى اليونان، لكن بريطانيا التي كانت تحتل الجزيرة لم تعترف بالاستفتاء.
وكان مقرراً عقد اجتماع بعد ذلك التاريخ بين زعيمي الجانبين في المنطقة الفاصلة بين شطري الجزيرة، إلا أن رئيس جمهورية شمال قبرص التركية مصطفى أكينجي، أعلن أنه لن يشارك في الاجتماع ما لم يتراجع الطرف اليوناني عن قرار الاحتفال بذكرى الاستفتاء، وهو ما لم يحدث.
وتطالب تركيا بنصيب للقبارصة الأتراك في الموارد الطبيعية في منطقة شرق البحر المتوسط وسبق أن أرسلت سفناً حربية إلى قبالة سواحل قبرص، كما أعلنت، الشهر الماضي، أنها تعتزم البدء خلال العام الحالي في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في منطقتي البحر المتوسط والبحر الأسود.
وقال وزير الطاقة التركي برات البيرق إن بلاده ستُقدم على خطوات مهمة خلال العام الحالي فيما يتعلق بعمليات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في منطقتي البحر الأسود والبحر المتوسط بواسطة تقنيات المسح السيزمي ثنائي وثلاثي الأبعاد، عبر استخدام سفينتين مزوّدتين بتلك التقنيات.
وأوضح أن بلاده دخلت مرحلة جديدة ستشهد تغييرات واستثمارات وخطوات مهمة في قطاع الطاقة، لافتاً إلى وجود أكثر من 60 في المائة من إجمالي النفط والغاز الطبيعي العالمي في مناطق قريبة من تركيا.
وكانت تركيا قد تلقَّت دعوات إسرائيلية للتعاون في مشاريع التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين، حيث أعلنت إسرائيل أنها اكتشفت حتى الآن قرابة 900 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في مياهها الإقليمية.
كما اتفَقَت تركيا وإسرائيل على بدء مباحثات لدراسة إمكانية مدّ أنبوب غاز يربط بينهما تحت البحر لإمداد تركيا، ومنها إلى أوروبا بالغاز الطبيعي المستخرج من البحر المتوسط.
وتعد منطقة شرق البحر المتوسط إحدى أهم المناطق كونها تتضمن احتياطات استراتيجية ضخمة من الغاز الطبيعي وصلت، وفقاً لتقديرات المُسُوح الجيولوجية الأميركية، إلى ما يقارب الـ122 تريليون قدم مكعب من الغاز.
ومن أبرز الاكتشافات الجديدة في تلك المنطقة، حقل غزة مارين الذي قامت شركة «بريتش غاز» التابعة لشركة «بريتش بتروليوم» باكتشافه عام 2000 على مسافة 36 كلم من شواطئ قطاع غزة، حيث يُقدر إجمالي المخزون الاحتياطي للحقل ما يقارب التريليون قدم مكعب من الغاز.
كما في يناير (كانون الثاني) 2009، تم اكتشاف حقل تمارا الذي يُعد ثاني أكبر حقل غاز طبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط، إذ بلغ إجمالي المخزون الاحتياطي، وفقاً للمسوح الجيولوجية، ما يقارب الـ10 تريليونات قدم مكعب، ويقع الحقل على مسافة 90 كلم من شواطئ شمال إسرائيل، وعلى مسافة 1650 متراً تحت سطح البحر. وقد تم الترخيص لأربع شركات نفطية للقيام بعمليات البحث والتنقيب فيه.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2009 تم اكتشاف حقل أفروديت على بعد 180 كلم من الشاطئ الجنوبي الغربي لقبرص، وبعمق 1700 متر تحت سطح البحر، ويقدر إجمالي المخزون الاحتياطي للحقل بما يقارب 9 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
ويعد بالنسبة إلى قبرص مصدراً كافياً لتغطية جميع احتياجاتها دون الحاجة إلى الاستيراد الخارجي.
وشهد عام 2012 اكتشافين رئيسيين، الأول حقل تانين الذي يعرف في اللغة العبرية باسم «خزان التمساح»، وهو سابع حقل قامت إسرائيل باكتشافه، وأشارت التقديرات الأولية إلى احتوائه على احتياطي من الغاز يبلغ 1.2 تريليون قدم مكعب، وبالتالي يعد ثالث أكبر حقل من حيث الاحتياطي بعد حقلي ليفياثان وتمار.
أما الثاني فهو حقل ليفياثان الذي يعد أكبر حقل غاز طبيعي تم اكتشافه حتى الوقت الراهن في منطقة حوض شرق البحر المتوسط من حيث المخزون الاحتياطي المتوقع، الذي بلغ 17 تريليون قدم مكعب، حيث يقع الحقل على مسافة 135 كلم من شواطئ شمال إسرائيل بالقرب من مدينة حيفا، وذلك بعمق 1600 متر تحت سطح البحر.
أما مسألة استغلال الموارد الطبيعية، خصوصاً المواد الهيدروكربونية، فتشكّل مساراً للخلاف الدائم لا سيما في منطقة حوض شرق البحر المتوسط بسبب تعدد الأطر القانونية الحاكمة للأطراف الدولية في المنطقة، ومنها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة في 10 ديسمبر 1982، التي دخلت حيز النفاذ في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 1994 بعد أن صادقت عليها 60 دولة. وتضمنت تقسيم البحار إلى أربع مناطق رئيسية، وهي البحر الإقليمي ويُحدد بحد أقصى 12 ميلاً بحريّاً من خط الأساس، وللدولة سيادة كاملة عليه، ثم المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها بمائتي ميل بحري تُقاس أيضاً من خط الأساس، ثم منطقة الجرف القاري، وأخيراً أعالي البحار.
ونَصَّت الاتفاقية بشكل واضح على المبادئ العامة لاستغلال الموارد الطبيعية، سواء الحية أو غير الحية الموجودة في المياه أو في القاع بما في ذلك من موارد هيدروكربونية ونفطية. لكن تظل هذه الاتفاقية إطارية عامة، ولا تُلزم الدول إلا بالاتفاق على الالتزام بها.
وهناك اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية القبرصية، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2004، حيث عيّنت المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بالدولتين وفقاً لقاعدة خط المنتصف، الذي حددته الاتفاقية في البند الثاني من المادة في ثماني نقاط إحداثية جغرافية، لكن الاتفاقية ألزمت في مادتها الثالثة الطرفين عند الدخول في أي مشاورات مع طرف ثالث لتعيين الحدود البحرية، إبلاغَ الطرف الآخر والتشاور معه، وهو ما لم تلتزم به قبرص في اتفاقيتها لتعيين الحدود البحرية مع إسرائيل.
أما الاتفاقية الثالثة فهي اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية القبرصية، حيث وقَّعَت الحكومتان اللبنانية والقبرصية في عام 2007 اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وتم الترسيم وفقاً لنقطتين مؤقتتين هما 1 جنوبا، و6 شمالاً، وألزمت الاتفاقية في مادتها الثالثة أي طرف يدخل في تفاوض مع طرف آخر لترسيم الحدود البحرية في إحداثيات أي نقطة من 1 أو 6، الرجوع إلى الطرف الآخر.
وهناك اتفاقية رابعة تتعلق بترسيم الحدود البحرية القبرصية الإسرائيلية، ووقعتها الحكومتان الإسرائيلية والقبرصية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2010 لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، التي تم تحديدها أيضاً وفقاً لقاعدة خط المنتصف، الذي يقع على مسافة 150 كلم شمال غربي حيفا، والذي تمّ تحديده في البند الثاني من المادة الأولى في اثنتي عشرة نقطة إحداثية جغرافية.
وبحسب خبراء، تُعدّ إسرائيل اللاعب الأبرز والأكثر انخراطاً في صراعات وخلافات مع دول الجوار الجغرافي في حوض المتوسط بشأن الغاز، فقد دخلت في صراعات مع كل من فلسطين ولبنان وتركيا، بشكل غير مباشر، لكثير من الأسباب تتعلق في الأساس بإدراكها لأهمية مصادر الطاقة.
وتمدد الصراع على الغاز الطبيعي والمناطق الاقتصادية الخالصة ليصل إلى تركيا من جانب، وقبرص وإسرائيل من جانب آخر، فقد رفضت تركيا الاتفاقية الإسرائيلية القبرصية مستندة إلى أنه لا يحق لقبرص توقيع أي اتفاقية دولية، أو البدء في أي عمليات تنقيب طالما ظَلَّت أزمة جزيرة قبرص المقسمة قائمة، على اعتبار أن أي موارد سيتم استخراجها يحق للطرفين اليوناني والتركي استغلالها. ومع الإصرار على بدء عمليات التنقيب، بدأ الصراع يأخذ مساراً أكثر تشددا بعد قيام تركيا بتوقيع اتفاق مع جمهورية شمال قبرص التركية، التي تعترف بها تركيا فقط، بدأت تركيا بموجبه التنقيب عن الموارد النفطية بالقرب من السواحل المقابلة لشمال قبرص، وهددت بتصعيد النزاع في المنطقة حول مصادر الطاقة.
وفي عام 2012 اتهمت قبرص تركيا باستخدام أسلوب الترهيب غداة اكتشاف حقول للغاز الطبيعي وقالت إن تركيا أجرت كثيراً من التدريبات العسكرية «الاستفزازية» في شرق البحر المتوسط وإن استعراض القوة كان محاولة لتهديد قبرص وإسرائيل وإثناء الشركات الأجنبية عن التعاون معهما في التنقيب عن الغاز وإنتاجه.
وكانت شركة «نوبل إنرجي» الأميركية التي تعمل مع قبرص وإسرائيل قد أعلنت في ذلك الوقت عن اكتشاف احتياطيات محتملة تتراوح بين خمسة وثمانية تريليونات قدم مكعب من الغاز لقبرص وهي كميات يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي للجزيرة من الغاز لعقود.
تجدد الخلافات بين تركيا وقبرص حول موارد شرق البحر المتوسط
أنقرة لوحت بإجراءات لحماية مصالحها ومصالح القبارصة الأتراك
تجدد الخلافات بين تركيا وقبرص حول موارد شرق البحر المتوسط
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة