مؤشران بريطانيان إيجابيان... رغم «بريكست»

تراجع البطالة إلى مستويات تاريخية... ونمو القروض الاستهلاكية

مؤشران بريطانيان إيجابيان... رغم «بريكست»
TT

مؤشران بريطانيان إيجابيان... رغم «بريكست»

مؤشران بريطانيان إيجابيان... رغم «بريكست»

توقف مراقبون أمام مجموعة من المؤشرات البريطانية بعد نحو 8 أشهر على استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) لمعرفة سر ثقة البريطانيين في المستقبل رغم مخاوف بعض السياسيين والاقتصاديين من تداعيات ذلك الخروج، ولكن مؤشرين أساسيين أظهرا مناعة لافتة، هما: العمل والاستهلاك.
فمعدل البطالة تراجع إلى 4.7 في المائة، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من 40 عاما، في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، أما استهلاك الأسر فمستمر على وتيرته القوية، مدعوماً بالإقدام على الاقتراض النامي بنسبة 11 في المائة خلال سنة.
وقالت دراسة لمؤسسة «كابيتال إيكونوميكس»: «إن البريطانيين يعملون وينفقون كأن شيئا لم يكن حتى الآن، لكن الأمر قد يتغير هذه السنة وفي السنوات اللاحقة».
واستناداً إلى أرقام بنك إنجلترا، ارتفع الاقتراض 11 في المائة على أساس سنوي، أي بأعلى نسبة منذ 2005. ويقف الاقتراض وراء ثلثي الاستهلاك، وبالطبع يدعم الاستهلاك كل القطاعات الاقتصادية، ولكن الأمر أكثر وضوحا في قطاع السيارات، التي سجلت مبيعاتها رقماً هو الأعلى منذ 10 سنوات.
وتشير أرقام بنك إنجلترا إلى بلوغ إجمالي اقتراض الأسر على أنواعه، شاملاً بطاقات الائتمان، نحو 200 مليار جنيه إسترليني (215 مليار دولار)، وبذلك يكون المستوى قد عاد إلى قمة كان بلغها عشية أزمة 2008.
ويبدو بنك إنجلترا غير قلق من هذا النمو؛ لأن نسبة القروض غير المنتظمة قليلة نسبياً، إضافة إلى سبب آخر للاطمئنان هو أن القروض العقارية نمت في سنة بمعدل منخفض، 4 في المائة فقط، أي أقل من المعدلات التي سادت عشية الأزمة قبل 9 سنوات.
وهناك مؤشر اطمئنان آخر قائم على أن نسبة قروض الأسر إلى مداخيلها تبلغ الآن 120 في المائة مقابل 140 في المائة في بداية أزمة 2008.
وتتميز سوق الائتمان البريطاني بسهولة إجراءاتها قياساً بما هو سائد في دول الاتحاد الأوروبي. فالنموذج البريطاني في هذا المجال أقرب إلى الولايات المتحدة الأميركية، مع انتشار عروض مبتكرة بوسائل عدة. فإلى جانب الاقتراض المصرفي التقليدي، هناك عروض بطاقات الائتمان السامحة بالسحب على المكشوف، كما تنتشر مؤسسات متخصصة في القروض الصغيرة (بضع مئات أو آلاف قليلة من الجنيهات) وقصيرة المدى (نحو شهر تقريبا)، ويجري منحها على مواقع الاقتراض الإلكترونية بخطوات بسيطة.
إلى ذلك، هناك تنافس بين البنوك لشراء مديونيات وإعادة هيكلتها بتسهيلات إضافية. وأحصت مؤسسة «فاينانشيال كونتكت أوثوريتي» (مؤسسة رقابية) نحو 800 ألف قرض صغير قصير المدى شهرياً، ونحو 600 ألف عملية إعادة هيكلة قروض غالبيتها متعلق بالبطاقات المصرفية.
ويؤكد مصرفيون «أن بين دوافع الاقتراض الإضافي، التضخم الذي ارتفع بفعل هبوط قيمة الإسترليني بعد استفتاء الـ(بريكست)؛ إذ بقي الاستهلاك على وتيرته القوية رغم ارتفاع أسعار السلع المستوردة، واستمر البريطاني في ممارسة حياته كما المعتاد غير مصاب بأي هلع على عكس التوقعات. وساد انطباع بأن الـ(بريكست) مسألة طويلة، وقد تأخذ سنوات قبل البدء بأخذ الاحتياطات اللازمة إذا استدعى الأمر ذلك».
ويشير بنك إنجلترا إلى «أنه سيراقب سلوك الاستهلاك أكثر هذه السنة ليقف على مدى استمرار التفاؤل الذي يظهره البريطاني رغم ارتفاع التضخم»؛ لأن هناك 8 ملايين مقترض بمبالغ قد تفوق طاقتهم على الانتظام في السداد على المدى الطويل، ومن هؤلاء 2.5 مليون مقترض بوضع تجدر مراقبته بشكل حثيث، بحسب جمعية «ستيب تشينج» المعنية بحماية المتعثرين.
أما على صعيد سوق العمل، فقد أكدت بيانات معهد الإحصاء الوطني، أن الأشهر الثلاثة المنتهية في يناير الماضي سجلت ارتفاعاً في الوظائف الجديدة بنحو 92 ألفاً، ليصل عدد العاملين إلى 31.85 مليون عامل وموظف. أما العاطلون عن العمل فتراجع عددهم نحو 31 ألفاً إلى 1.58 مليون.
وبذلك، يكون مستوى البطالة عند أدنى مستوى منذ 1975، وهناك أسباب عدة لذلك، أبرزها عقود مرنة جداً مثل عقود «الصفر ساعة» التي لا تضمن مسبقاً أجراً محدداً ولا دواماً ثابتاً، بل هي متصلة بحاجة سوق العمل، ولا سيما الحاجات الطارئة أو الأعمال الموسمية.
وتنفرد بريطانيا عن بقية دول الاتحاد الأوروبي بطرق متابعة لصيقة للعاطلين عن العمل. فالقواعد الصارمة المعمول بها أثمرت انخفاضا في معدلات البطالة بشكل كبير. وللمثال، فإن الباحثين عن عمل ملزمون بنحو 31 التزاماً، مثل قضاء 35 ساعة أسبوعياً على الموقع الرسمي «جوب سنتر» للبحث عن الفرص المتاحة في القطاع المحدد الخاص بالباحث. ويمكن أن تُقطع المخصصات المالية أو تتوقف لفترة إذا تخلف أحدهم عن ذلك البحث، أو تأخر عن موعد مقابلة توظيف، أو إذا صُرف العامل بعد تكرار سوء التصرف. كما على العاطل عن العمل إثبات بحثه الدؤوب وإظهار الرسائل التي وجهها إلى الشركات والمؤسسات التي طلب منها وظيفة. أما إذا استمرت البطالة 3 سنوات متواصلة فقد يجد العاطل نفسه ملزماً بالقيام بأعمال للنفع العام، مثل تنظيف المباني الحكومية.



التضخم في السعودية يسجل 2 % خلال نوفمبر الماضي على أساس سنوي

إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

التضخم في السعودية يسجل 2 % خلال نوفمبر الماضي على أساس سنوي

إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)
إحدى أسواق المنتجات الغذائية في السعودية (الشرق الأوسط)

ارتفع معدل التضخم في السعودية إلى 2 في المائة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على أساس سنوي، مسجلاً أعلى مستوى منذ 15 شهراً، وذلك عطفاً على ارتفاع أسعار قسم السكن والمياه والكهرباء، والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 9.1 في المائة وأسعار أقسام السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة، مقابل انخفاض أسعار قسم النقل بنسبة 2.5 في المائة.

وعلى الرغم من ذلك الارتفاع فإن هذا المستوى جعل السعودية البلد الأقل ضمن مجموعة العشرين، في الوقت الذي عدَّه اقتصاديون معتدلاً نسبياً.

ووفق مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك، الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء، الأحد، ارتفع قسم السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 9.1 في المائة، وقد تأثر بارتفاع مجموعة الإيجارات المدفوعة للسكن 10.8 في المائة خلال نوفمبر الماضي، بسبب زيادة في أسعار إيجارات الشقق 12.5 في المائة.

المطاعم والفنادق

وكان لارتفاع هذا القسم أثر كبير في استمرار وتيرة التضخم السنوي لنوفمبر 2024، نظراً للوزن الذي يشكله هذا القسم، الذي يبلغ 25.5 في المائة، وفي السياق ذاته، ارتفعت أسعار قسم السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة خلال نوفمبر السابق، متأثرة بارتفاع أسعار المجوهرات والساعات بأنواعها والتحف الثمينة 23.7 في المائة.

وسجلت أسعار قسم المطاعم والفنادق ارتفاعاً بنسبة 1.5 في المائة، مدفوعةً بارتفاع أسعار الخدمات الفندقية والشقق المفروشة بنسبة 5.9 في المائة، أما قسم التعليم فقد شهد ارتفاعاً بنسبة 1.1 في المائة، متأثراً بزيادة أسعار الرسوم لمرحلتي المتوسط والثانوي 1.8 في المائة.

الأغذية والمشروبات

في حين سجلت أسعار الأغذية والمشروبات ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.3 في المائة، مدفوعةً بارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، 1.9 في المائة. من جهة أخرى، انخفضت أسعار قسم تأثيث وتجهيز المنزل بنسبة 2.9 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار الأثاث والسجاد وأغطية الأرضيات بنسبة 4.4 في المائة.

وتراجعت أسعار قسم الملابس والأحذية بنسبة 2.3 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار الملابس الجاهزة 4.6 في المائة، وكذلك سجلت أسعار قسم النقل تراجعاً بنسبة 2.5 في المائة، متأثرةً بانخفاض أسعار شراء المركبات بنسبة 3.9 في المائة.

تنويع الاقتصاد

وقال كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، الدكتور نايف الغيث، لـ«الشرق الأوسط»، إن ارتفاع معدل التضخم في المملكة إلى 2 في المائة خلال نوفمبر الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، يعكس التغيرات الاقتصادية التي تمر بها المملكة في إطار «رؤية 2030»، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.

وبيَّن الغيث أن العامل الرئيسي وراء هذا الارتفاع كان قطاع السكن والمرافق، حيث شهد زيادة كبيرة بنسبة 9.1 في المائة. وكان لارتفاع أسعار إيجارات المساكن، وخصوصاً الشقق التي ارتفعت بنسبة 12.5 في المائة، الدور الأكبر في هذه الزيادة، موضحاً أن هذا القطاع يشكل 25.5 في المائة من سلة المستهلك، وبالتالي فإن تأثيره على معدل التضخم العام كان ملحوظاً.

ووفق الغيث، أسهم ارتفاع أسعار السلع والخدمات الشخصية المتنوعة بنسبة 2.7 في المائة في زيادة معدل التضخم، وأن هذا الارتفاع يعكس تغيرات في أنماط الاستهلاك وزيادة الطلب على بعض السلع والخدمات في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المملكة.

تحسين البنية التحتية

على الجانب الآخر، يرى كبير الاقتصاديين في بنك الرياض، أن قطاع النقل شهد انخفاضاً بنسبة 2.5 في المائة، ما أسهم في تخفيف الضغط التضخمي إلى حد ما، وأن هذا الانخفاض قد يكون نتيجة لتحسن البنية التحتية للنقل وزيادة كفاءة الخدمات اللوجيستية، وهو ما يتماشى مع أهداف «رؤية 2030» في تطوير قطاع النقل والخدمات اللوجيستية.

وفي سياق «رؤية 2030»، يؤكد الغيث أنه من الممكن النظر إلى هذه التغيرات في معدلات التضخم كجزء من عملية التحول الاقتصادي الشاملة، مضيفاً أن الارتفاع في أسعار السكن، «على سبيل المثال»، قد يكون مؤشراً على زيادة الاستثمارات في القطاع العقاري وتحسن مستويات المعيشة.

وأبان أن الزيادة في أسعار السلع والخدمات الشخصية قد تعكس تنوعاً متزايداً في الاقتصاد وظهور قطاعات جديدة.

ولفت الغيث النظر إلى أن معدل التضخم الحالي البالغ 2 في المائة يعتبر معتدلاً نسبياً، ما يشير إلى نجاح السياسات النقدية والمالية في الحفاظ على استقرار الأسعار.