في مواجهة جديدة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والصحافيين الأميركيين، غرد ترمب في صفحته في «تويتر» يوم الجمعة الماضي: «بعد 50 يوماً في البيت الأبيض، إنجازات كبيرة نحو إعادة أميركا عظيمة كما كانت. لا تنتظروا 100 يوم».
يقصد هنا شيئين:
أولاً: إلغاء عادة تاريخية في الإعلام الأميركي بالحكم على أي رئيس جديد بعد مرور 100 يوم له في البيت الأبيض. هذه الأيام، صباحاً ومساءً، يكرر تلفزيون «سي إن إن» على شاشته عبارة «100 يوم». ويكتب كثير من الصحافيين أخباراً وتعليقات تحسب أيام ترمب في البيت الأبيض، انتظاراً لمرور «100 يوم».
ثانياً: يقصد ترمب أنه هو الذي يسيطر، ليس فقط على تقييم سياسته، ولكن، أيضاً، على صنعها. فعلاً، في اليوم نفسه، صنع أخباراً في «تويتر»؛ قال عن كوريا الشمالية إنها «تلعب بالنار». وقال عن الصين إنها «تفعل قليلاً» لمواجهة كوريا الشمالية. وقال عن الإرهابيين إنهم «يدخلون الولايات المتحدة بتأشيرات دخول دينية».
لهذا، ليس غريباً غضب الصحافيين (ليس خوفهم) من أن ترمب لا يعاديهم فقط، بل قد يريد القضاء عليهم، بعد أن صار يصنع الأخبار ويعلق عليها.
لهذا، قالت صحيفة «بوليتيكو» (في واشنطن) أول من أمس في عنوان نقد لترمب: «تغريدات ترمب تسبب عسر هضم لزعماء العالم». وأشارت إلى تغريداته، في اليوم السابق، عن كوريا الشمالية. وإلى خوف عالمي من أنه سيأمر بضرب كوريا الشمالية لوقف برنامجها النووي، وبرنامج الصواريخ حاملة الأسلحة النووية.
لكن، يوجد وجهان لانتقادات «بوليتيكو»: انتقاد ترمب لأنه يصنع الأخبار. وانتقاده لأنه يهمل وسائل الإعلام التقليدية.
وتحدث تلفزيون «سي إن إن» أول من أمس عن هذا الموضوع. وقال إن ترمب، في الحقيقة «لا يهتم أبداً». ونقل تغريدة كتبها ترمب تؤكد ذلك: «أقدر على أن ألتف حول الإعلام عندما لا يقول الإعلام الحقيقة. وأنا أحب هذا».
من يلتف حول من؟ ومن يغطي من؟
في الشهر الماضي، ظهر ذلك في مؤتمر صحافي عاصف في البيت الأبيض (وصفه كثير من الصحافيين بأنه «أغرب مؤتمر صحافي لرئيس أميركي»). استمر ساعة وعشرين دقيقة، وحضره عشرات الصحافيين. ولم يتردد ترمب في أن يكرر رأيه بأن الإعلام الأميركي «ليس نزيهاً». وأضاف: «لا يقول الحقيقة عدد كبير من الصحافيين في هذا البلد... أصبح مستوى انعدام النزاهة لديهم خارج السيطرة».
وخص بالنقد كلاً من:
> تلفزيون «سي إن إن». قال: «هناك كثير من الغضب والحقد على (سي إن إن) حتى أنا لم أعد أشاهدها».
> صحيفة «نيويورك تايمز»، منذ أيام الحملة الانتخابية. ثم عندما نشرت سجلات تليفونية عن أعضاء في حملة ترمب أجروا اتصالات متكررة مع مسؤولين كبار في الاستخبارات الروسية.
لكن، يخفف ترمب نقده لصحيفة «واشنطن بوست» (ربما لأنها تنتقده أقل من نقد «نيويورك تايمز» له). لكنه غرد أخيراً: «يسرب ناس في الاستخبارات معلومات لنيويورك تايمز وواشنطن بوست الفاشلتين. يقدم هؤلاء معلومات سرية بشكل غير قانوني، وكأنهم يوزعون عليهم قطع الحلوى».
في الأسبوع الماضي، تحدثت وكالة الصحافة الفرنسية عن هذا الموضوع. وقالت: «يستشف من تغريدات ترمب أن الرئيس يفترض ألا تثار شكوك حول مصداقية فريقه. يرى ترمب العيب فيمن سرب تلك المعلومات، لا في إذا كانت هذه المعلومات صحيحة، أو غير صحيحة». وأضافت: «أيضاً، يعتبر ترمب الصحافيين الباحثين عن الحقيقة مثيري شغب ومشكلات، ولا يخدمون المصلحة الوطنية للبلاد».
غطى الصحافيون ترمب، أو غطى ترمب الصحافيين، حسب وكالة الصحافة الفرنسية: «تسير الإدارة الأميركية الحالية وهي تتعثر. مرة، بتصريحات رئاسية مثيرة تناقض السياسة الأميركية المعهودة. ومرة، بقرارات رفضها القضاء الأميركي نفسه (موضوع منع دخول رعايا 6 دول إسلامية)».
وأضافت: «صار ترمب، وكل ما يصدر عنه، مثار سخرية في وسائل التواصل الاجتماعي. وفي تعليقات محللين وخبراء سياسة يحذرون من أن الرئيس الأميركي الخامس والأربعين لن يعمر طويلاً في البيت الأبيض. وذلك بسبب اللغط والجدل الذي تثيره تغريداته ومواقفه».
يوم الأربعاء، سأل صحافي أميركي ترمب عن هذا الموضوع. عن «من يغطي من؟»، وعن لجوئه للإنترنت أكثر من الصحافيين. أجاب: «لولا تويتر لما كنت هنا». وأضاف: «أتعرض إلى تغطية إعلامية غير نزيهة. ثم إن هناك مواضيع لا تغطيها الصحافة بالشكل الصحيح. لهذا، وجدت في تويتر وسيلة ممتازة بالنسبة لي لأنني قادر على تمرير رسالتي».
وقال: «حتى الآن، يوجد نحو 100 مليون شخص يتابعونني في تويتر، وأيضاً في فيسبوك وإنستغرام. صارت عندي وسيلة إعلام خاصة بي».
وأوضح: «لم يتعرض أحد في التاريخ لتغطية إعلامية غير نزيهة كما أتعرض أنا».
في الجانب الآخر، قالت صحيفة «واشنطن بوست»: «لم يتعرض الصحافيون الأميركيون في التاريخ إلى هجوم من رئيس الولايات المتحدة مثل الذي يتعرضون له من ترمب».
هكذا، يريد رئيس الولايات المتحدة أن يلف حول الصحافيين (مثلما لم يحدث في الماضي). ويريد الصحافيون أن يلفوا حول رئيس الولايات المتحدة (مثلما كانوا يفعلون في الماضي). وها هو رئيس الولايات المتحدة يهدد باستعمال «وسيلة إعلامية خاصة بي». وكأنه يريد الاستغناء عن الصحافيين.