«الخوف من الرياضيات»... ظاهرة تنتشر بين التلاميذ وكبار المهنيين

3 مسارات لتعليمها أهمها فهم كيفية استيعاب الأطفال لها

«الخوف من الرياضيات»... ظاهرة تنتشر بين التلاميذ وكبار المهنيين
TT

«الخوف من الرياضيات»... ظاهرة تنتشر بين التلاميذ وكبار المهنيين

«الخوف من الرياضيات»... ظاهرة تنتشر بين التلاميذ وكبار المهنيين

الرياضيات هي المادة المدرسية الأكثر إثارة للخوف أو الهلع لدى التلاميذ والطلبة، وعموماً للقلق لدى الغالبية العظمى من الناس. ويسري هذا على أكثر البالغين، وبضمنهم المهنيون حتى من الأطباء، والمدرسين، بل وحتى عند كثيرين من الطلبة الذين حصلوا على معدلات عالية في الامتحانات المدرسية في الرياضيات، وهم قلة بالطبع، لكن كثيراً منهم ليس لهم ثقة كافية بقدراتهم «الرياضياتية».
* قلق ونفور
ولهذا السبب، أي القلق وعدم ثقة الناس بأنفسهم في هذا المجال، يقتصر تعامل الشخص مع الرياضيات على استخدامات محددة تفيده، أو تفيدها، في مجال معين من حياتهم، كحساب النسبة المئوية أو قياس الأطوال والأوزان بالنسبة للحساب، أو استخدام طرق هندسية أو إحصائية محددة لا يغامرون بالذهاب أبعد منها. ويتفادى غالبية الناس التمعن في الأمر ويرونه إما أمراً لا داعي له، أو أنه يفضح ضعف فهمهم لموضوع يعتبره الجميع مقياساً للذكاء... إلخ.
ومن الدراسات الطريفة عن هذا الأمر في بريطانيا، كتاب صدر في الثمانينات من القرن الماضي للمفتش العام للرياضيات في لندن لوري باكستون Laurie Baxton بعنوان Do you panic about Maths، عرض فيه مقابلاته مع مجموعة من معارفه ذوي المهن العليا في مواقع متقدمة في بريطانيا بينهم مدراء مدارس، ومحامون، ومشاعرهم عندما يواجهون بمسألة رياضية مدرسية، أو حتى في الحياة العملية. ويبدو أن الأمر عام في جميع المجتمعات البشرية، حتى تلك منها المعروفة بسهولة التعامل مع الإعداد كالبلدان الآسيوية. ويمكن لأي منا في البلدان العربية مثلاً التحقق من هذا موقف الإنسان العام تجاه الرياضيات مع مجموعة من الأصدقاء الصريحين في التعبير عن مشاعرهم.
ويبدو أن النظام التعليمي، في أغلب بلدان العالم، قد عالج هذا النفور والقلق العام من الرياضيات كرد فعل طبيعي تجاه أمر ضروري ولا مندوحة منه، لكنه صعب بطبيعته، ولذلك يجب الإصرار عليه، والتغلب على الصعوبات عبر الإعادة والتمرين المستمر في حل المسائل المعتادة كما هو الحال في التمارين الجسدية، مع القبول بعدم ارتياح الطلاب، وتفانيهم والتمعن فيه، ولربما لهذا علاقة بأن عنوان هذه المادة في اللغة العربية (أي الرياضيات، هو نفسه عنوان التمارين الجسدية أي الرياضة). والحقيقة أن البحث في هذه الفروق بين طبيعة المعرفة الرياضية وبقية أشكال المعرفة ضروري ويؤدي، في نظري، إلى القناعة بأن سبب القلق والنفور هو أسلوب التعليم نفسه، بحيث يتم إعادة إنتاج أو بث هذا القلق بين الأجيال الجديدة من المعلمين أنفسهم دون قصد منهم. وبالتالي فإن هنالك باستمرار أشكال من التقريع للمعلمين والتربويين في مختلف البلدان التي لا تجند موارد وجهودا جبارة من الدولة أو المجتمع نفسه في تعليم الرياضيات مثلما هو الحال في بلدان آسيا الشرقية والتي تربط أحياناً بالثقافة الكونفوشيوسية التي تمزج إعطاء التعلّم القيمة الأعلى في الحياة، مع مسؤولية الفرد تجاه العائلة. وتلجأ أغلب البلدان إلى تجارب أو برامج جديدة بين فترة وأخرى، في تجديد المناهج في الرياضيات كما في غيرها، وهي متعددة وأحياناً مكلفة، وغالباً ما تنتهي بالفشل، لأنها لا تتعامل مع الأسباب العميقة لهذه الصعوبات والنفور من هذه المادة المدرسية لدى أغلبية الشباب.
* مسارات تعليم الرياضيات
وعند البحث عن طرق لتقريب التلاميذ، والبالغين، من الرياضيات، فإن الخروج من هذا المأزق التاريخي في التعليم بحاجة للتمعن. وقد حددنا ثلاثة مسارات لذلك:
1. الانتباه لكيفية استيعاب الطفل للمفاهيم الرياضية من أبسطها إلى أعقدها... من معنى العدد، والشكل الهندسي وقياساته، إلى الرموز الجبرية ولغة الرياضيات المكتوبة.
2. الانتباه للجانب العملي للرياضيات. أغلب الناس يستخدمون الرياضيات دون صعوبة في جوانب معينة من حياتهم، فأصحاب الحوانيت والمترددون على الأسواق يتعاملون بحساب النقود وأسعار المواد بالجملة والمفرق بسهولة، ومن يعمل في مجال الأبنية له معرفة واسعة بالمساحات ومقاييس الطول والعرض والارتفاع، وبعض المتدينين لهم معرفة بالاتجاهات وبالتالي ربما بالخرائط، والطباخون والعاملون في مجال الأطعمة غالباً ما لديهم خبرة بالأوزان والنسبة والتناسب.
إلا أن المشكلة هي في تسجيل هذه العمليات الذهنية، والتفاهم حولها مع بقية الناس من جهة، وفِي استخدام المفاهيم الحسابية والهندسية نفسها في مجال يختلف عما هم معتادون عليه، من جهة أخرى.
لو استطاع المعلم البقاء ضمن الجوانب العملية للرياضيات لأمكن لأكثر الطلاب تجاوز صعوباتهم ومخاوفهم. لكن الحال السائدة في المناهج الدراسية هو اللجوء بأسرع ما يمكن نحو الرياضيات النظرية. وتصل القطيعة إلى حد لا يستطيع المعلم نفسه تطبيق الرياضيات على الحياة العملية إلا في حدود ضيقة وروتينية، ولا تستهوي الطلبة أو تشعرهم بجدوى الدرس.
3. الانتباه إلى أن المعلمين أنفسهم لن يستطيعوا القيام بدورهم في المسارين السابقين بسهولة دون أن يمروا أنفسهم بتلك التجارب. وهذا يستدعي مساراً موازياً فيما بينهم، موجهاً من قبل الأكثر انتباهاً وتجربة في المسارين الأوليين، ومن الباحثين فيها، والتجارب العالمية التي تؤطرها بشكل علمي، وليس كمجرد موضات ذات عناوين باهرة إعلامية أو سياسية.

* مستشار في التعليم



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.