يلعب النظام الغذائي الصحي دورًا محوريًا في إبقاء الإنسان بعيدًا عن التعرض للالتهابات. والالتهابات عملية تنبئ بوجود أمراض أخرى أكثر خطورة.
ورغم ذلك، فإننا جميعًا نستفيد من الالتهابات، وهي العملية التي يرصد من خلالها جهاز المناعة لدينا وجود جزيئات أو ميكروبات غريبة، ويعمل على التصدي لها. ومع أننا قد لا نستمتع عند الشعور بحدوث سيلان الأنف أو التهاب الحلق في أيام الشتاء القارس، وهي علامات على أن جهاز المناعة لدينا يعمل؛ إلا إن الالتهابات تساعدنا في نهاية الأمر على التخلص من الفيروس الغاشم.
على الجانب الآخر، فإنه حال استمرار الالتهابات لفترة طويلة بمستوى ضئيل في أعقاب التخلص من الجسم الغريب المتطفل، فإنها ربما تتحول إلى عدو في حد ذاتها.
وقد ربطت الدراسات الطبية بين كثير من الأمراض الخطيرة؛ ومنها السرطان وأمراض القلب والسكري والتهاب المفاصل والاكتئاب وألزهايمر، وبين الالتهابات المزمنة.
غذاء صحي
وهنا تظهر أهمية نظامنا الغذائي الذي يلعب دورًا مهمًا في مكافحة الالتهابات المزمنة، نظرًا لأن البكتيريا الهضمية لدينا تطلق مواد كيميائية قد تحفز أو تثبط الالتهابات. وتتنوع أنماط البكتيريا الموجودة في الأمعاء والمواد الكيميائية الصادرة عنها تبعًا للطعام الذي نتناوله. وتشجع بعض أنواع الطعام على تنامي أنماط البكتيريا التي تحفز الالتهابات، في الوقت الذي تعزز فيه أنواع أخرى نمو البكتيريا التي تثبط الالتهابات.
وعليه، فإن واحدة من أكثر الأدوات فاعلية لمحاربة الالتهابات لا تأتي من الصيدلية، وإنما من مائدة الطعام. في هذا الصدد، شرح الدكتور «فرنك هو»، بروفسور التغذية وعلم الأوبئة بقسم التغذية في مدرسة هارفارد للصحة العامة: «أظهر كثير من الدراسات التجريبية أن مكونات الطعام أو المشروبات التي نتناولها، قد تكون لها تأثيرات مضادة للالتهابات».
وعليه، فإنه حال اختيارك الأنماط المناسبة من الطعام، ربما تتمكن من تقليص مخاطر التعرض للأمراض. أما إذا مضيت في اختيار أنماط خاطئة باستمرار، فإن ذلك قد يثير التهابات مزمنة، مما يمهد بدوره الطريق أمام الإصابة بمجموعة من الأمراض التنكسية.
أطعمة معززة للالتهابات
من غير المثير للدهشة أن نجد أن الأطعمة التي تسهم في حدوث التهابات هي ذاتها التي تعد بوجه عام مضرة بالصحة، بما في ذلك المشروبات الحلوة والغازية والنشويات المنقاة، إلى جانب اللحوم الحمراء والأخرى المعالجة صناعيا.
في هذا الصدد، أوضح الدكتور «فرنك هو» أن «بعض الأطعمة ارتبط بتنامي مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة، مثل السكري من النمط الثاني وأمراض القلب، وفي الوقت ذاته فإنها مرتبطة بفرط الالتهابات. وهذا الأمر غير مثير للدهشة بالنظر إلى أن الالتهابات تشكل آلية مهمة في تطور بعض الأمراض». ومن المحتمل كذلك أن تسهم هذه الأطعمة غير الصحية في اكتساب مزيد من الوزن، الأمر الذي يعد في حد ذاته عاملا يزيد مخاطر الالتهابات. ومع ذلك، خلص كثير من الدراسات، حتى بعد أن أخذ الباحثون البدانة في الاعتبار، إلى أن الصلة بين أنماط الطعام والالتهابات ظلت قائمة، مما يوحي بأن زيادة الوزن ليست العامل المحرك الوحيد. علاوة على ذلك، ثمة أدلة متزايدة توحي بأن مكونات أو عناصر بعينها داخل الأطعمة المعالجة، مثل المواد المستحلبة التي تضاف إلى المثلجات، ربما لها تأثيرات مستقلة على الالتهابات (من الأمثلة على المستحلبات صلصة الخل والمايونيز).
أطعمة مكافحة للالتهابات
لحسن الحظ، من المحتمل أنك تستمتع بالفعل بكثير من الأطعمة والمشروبات التي ثبت أنها تقلص مخاطر الالتهابات، ومعها الأمراض المزمنة. وتتضمن هذه الأطعمة ما يلي:
* الفواكه والخضراوات: تحتوي معظم الفواكه والخضراوات ذات الألوان البراقة على مستويات كبيرة من مضادات أكسدة وبوليفينولات طبيعية، وهي مركبات حمائية توجد في النباتات.
* المكسرات والبذور: ربطت دراسات بين المكسرات والبذور وتراجع معدلات الالتهابات وتراجع مخاطرة الإصابة بأمراض قلبية وعائية والسكري.
* المشروبات: من المعتقد أن البوليفينولات في القهوة والفلافونولات في الكاكاو تتميز بخصائص مكافحة للالتهابات. كما أن الشاي الأخضر غني بالبوليفينولات ومضادات الأكسدة.
تناول الطعام الصحي
* أسلوب تناول الطعام المكافح للالتهابات: شددت الإرشادات الغذائية الموجهة للأميركيين لما بين عامي 2015 و2020 على أهمية التركيز على نظام غذائي صحي بوجه عام، بدلاً عن التركيز على أنماط فردية من الأغذية «المفيدة» والأخرى «الضارة». وبالتالي، فإنك لن تكون بحاجة للاحتفاظ ببرنامج تدوين لتحقيق توازن بين ما تتناوله من أطعمة معززة للالتهابات وأخرى مكافحة لها.
وبوجه عام، يحتوي النظام الغذائي الصحي على كميات كبيرة من الفاكهة والخضراوات والمكسرات والحبوب الكاملة والأسماك والزيوت الصحية. وإذا هيمنت على مائدتك أطعمة تعتمد على نباتات غير معالجة وتتميز بألوانها البراقة، فإن هذا يشير إلى أنك تسير على الطريق الصحيح. بالإضافة إلى تقليص الالتهابات، بإمكان النظام الغذائي الأكثر اعتمادًا على الأطعمة الطبيعية والأقل اعتمادًا على الأخرى المعالجة، ترك تأثيرات ملحوظة على صحتك البدنية والنفسية. وعن ذلك قال الدكتور «فرنك هو»: «النظام الغذائي الصحي مفيد ليس فقط للحد من مخاطر الأمراض المزمنة، وإنما أيضًا لتحسين حالتك المزاجية ومجمل مستوى جودة الحياة لديك».
* «رسالة هارفارد - مراقبة صحة المرأة» خدمات «تريبيون ميديا»