رغم الانتقادات التي واجهتها «الهيئة العليا التفاوضية» من قبل معارضين اعتبروا أن ما حصل في مفاوضات جنيف هو تنازل أو خسارة كان يمكن تفاديها، يرى المفاوضون أن ما تحقّق يمكن أن يؤسس لنتائج إيجابية في المرحلة المقبلة، وإن كانوا لا يرون فيها «انتصاراً» إنما نقطة تسجّل لصالح الوفد.
المواضيع الأساسية يحرص المفاوضون على توضيحها مع حذرهم في الوقت عينه من أي تغيرات قد تنعكس سلباً على مسار المفاوضات المقبلة التي يفترض أن تكون ملامح جدول أعمالها قد باتت واضحة، وينص على «المسارات الثلاثة زائد واحد»، بانتظار الإعلان الرسمي عنه. إذ إنه وإضافة إلى عدم إعطاء أهمية لقبول النظام ببحث «الانتقال السياسي» شكّل موضوع «تعدّد الوفود» ومن ثم فرض النظام لبند «الإرهاب» على الطاولة، محور جدل وانتقاد من بعض المعارضين، وهو ما يرى فيه المفاوضون مبالغة لا بد من توضيحها.
من هنا يقول الرائد فاتح حسون الذي شارك في جولة المفاوضات (وكان مصراً على الحضور بزي «الجيش الحر» العسكري)، لـ«الشرق الأوسط»: «في انطلاقة جنيف كان النظام يرفض التطرق لثلاثة موضوعات حتى إلى الانتقال السياسي، ثم وفي بداية جنيف 4 هدّد بالانسحاب إذا طرح هذا الموضوع، لكنه عاد نتيجة الضغط الروسي وقبل به، وبالتالي هي نقطة تحسب لصالح الهيئة». في حين يرفض عضو وفد الهيئة العليا، فؤاد عليكو، وصف ما توصلت إليه الهيئة في جنيف بـ«الانتصار»، لكنه في الوقت عينه يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ما تحقق «هو إيجابي من حيث المبدأ» بانتظار أن توضح الصورة أكثر، وأن يعلن المبعوث الدولي إلى سوريا رسمياً عن جدول الأعمال، لافتاً إلى أن هناك ضبابية في موقف النظام، الذي يحرص على تسمية الانتقال السياسي بـ«العملية السياسية».
ويشدّد كل من عليكو وحسون على أن سقف الهيئة، بما فيها الأطراف السياسية والعسكرية، تبقي مقررات مؤتمر الرياض التي أسست «الهيئة العليا للمفاوضات» بقرار دولي، وأهمها، رفض استمرار النظام السوري في الحكم بما في ذلك المرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع موقف منصتي «القاهرة» و«موسكو» اللتين تعتبران أن المفاوضات هي التي تحدّد هذا الأمر. وفي هذا الإطار، يقول حسون: «لا بد من التأكيد على أن مشاركة المنصات لم تكن نقطة تفاوضية في جنيف، بل إن القرار الدولي 2254 نص على مشاركتهما، وبالتالي لم يكن أمامنا أي خيار، لا سيما أن الهيئة حاولت احتواء الأمر ووضعت أسماء ممثلين لهما في الوفد، لكنهما رفضا ذلك». وفي حين يشير عليكو إلى أن الهيئة متمسكة بموقفها الداعي إلى حصر وفد المعارضة بوفد واحد في الجولة المقبلة، يؤكد: «إذا وافقوا على الالتزام بمخرجات مؤتمر الرياض خصوصاً رحيل رئيس النظام بمجرد الاتفاق على الانتقال السياسي، سنكون معاً في وفد واحد، وإذا رفضوا ذلك، لن نقبل بمشاركتهم». وعما إذا كان هذا الأمر سيشكّل معضلة جديدة وحجّة يتسلّح بها النظام، يقول حسون: «فليتفاوض معهم دي ميستورا، هؤلاء الذي لا يمثلون إلا أنفسهم وليس لهم أي سلطة على الأرض ولنرَ عندها ماذا ستكون النتيجة».
وبعدما كان قد أُعلن عن قبول النظام ببحث «الانتقال السياسي» إضافة إلى الدستور والانتخابات ضمن «المسارات الثلاثة» مضافاً إليها «بند الإرهاب»، لا يزال الغموض يلف «تراتبية» البحث، وهو الأمر الذي قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، إذا بقي غير واضح. إذ يقول عليكو: «نحن نطرح التراتبية في البحث من الانتقال السياسي مروراً بالدستور ومن ثم الانتخابات وبند الإرهاب، فيما يرى دي ميستورا أن البحث سيكون بشكل متوازٍ»، في حين يقول حسون: «بحسب ما أفادنا به المبعوث الخاص، التوجّه هو لبحث السلة الثلاثية زائد واحد بشكل متوازٍ شرط ألا يتحقق أي مسار قبل استكمال المسارات الأخرى، وبالتالي أي إعاقة لأي ملف ستعيق الملفات الأخرى، وهذا سيكون إيجابياً بالنسبة إلينا»، مضيفاً: «في النهاية الانتقال السياسي يرتبط بالدستور والانتخابات بشكل أو بآخر، أما موضوع الإرهاب، فهو أيضاً مهم بالنسبة إلينا مناقشته». وهو ما يشير إليه عليكو قائلاً: «لا خوف لدينا من مناقشة الإرهاب، بل على العكس من ذلك، مع تأكيدنا أن هذا الأمر لا ينطبق فقط على (جبهة النصرة) وتنظيم داعش، بل أيضاً على إرهاب النظام وحزب الله والميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانبهما». لكن في المقابل، يقول حسون إن «الحل النهائي كان بمناقشة الإرهاب وفق تصنيفات الأمم المتحدة، على أن يتم البحث في العمليات العسكرية والبنود الإنسانية في مؤتمر آستانة»، لكنه يوضح في الوقت عينه: «علماً أن قرارات الأمم المتحدة نصّت على البحث في الآليات والأسباب التي أدّت إلى وجود التنظيمات المتطرفة، وهو الأمر الذي تعود المسؤولية فيه إلى النظام والمجموعات الموالية له، وبالتالي إدانته كما إدانة (النصرة) و«داعش»).
وفي حين يقول حسون إن جدول أعمال الجولة المقبلة من جنيف التي من المتوقع أن تحدد في 23 من الشهر الحالي، بات شبه واضح، ويعتمد على «المسارات الثلاثة»، زائد واحد، أي الانتقال السياسي والدستور والانتخابات إضافة إلى الإرهاب، يرى عليكو أن مصير الجولة المقبلة ونجاحها سيكون مرتبطاً إلى حد كبير بنتائج «مؤتمر آستانة المحدد في 14 الحالي»، قائلاً: «إذا نجح آستانة في التوصل إلى نتائج عندها يمكن التعويل على مفاوضات جنيف».
وكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، قد بحث أيضاً في نتائج مفاوضات جنيف في اجتماعاته أول من أمس في إسطنبول، مؤكداً «أهمية ما حققه وفد الهيئة العليا بفرضه ملف الانتقال السياسي كأولوية في المفاوضات، وإفشال محاولات النظام لحرف العملية السياسية عن مسارها وإدخال عناصر أخرى بهدف التعطيل لا أكثر، رغم أن النظام رفض الوفاء بالتزاماته في اتفاق وقف إطلاق النار، والتفّ على ما ورد في آستانة، وشن حملة ضد مفاوضات جنيف، معلناً أن الانتقال السياسي ليس سوى حلم، واعتبر أن من يفكر به هو حالم»، وفق ما أفاد المسؤول الإعلامي في الائتلاف أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط».
وأكد الائتلاف «دعمه لتمسك وفد الهيئة العليا للمفاوضات بالانتقال السياسي وتشكيل هيئة حاكمة انتقالية تحظى بالصلاحيات الكاملة»، ودعا الأمم المتحدة للالتزام لتطبيق بيان جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 و2254 بعيداً عن الضغوط الروسية التي تحاول جرف العملية السياسية نحو أجندات ومصالح خاصة.
مفاوضو «جنيف»: ما حققناه يسجّل لنا والكلمة الأخيرة لجدول الأعمال
بانتظار حسم «تعدد الوفود» وتراتبية البحث في «المسارات الثلاثة زائد واحد»
مفاوضو «جنيف»: ما حققناه يسجّل لنا والكلمة الأخيرة لجدول الأعمال
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة