مفاوضو «جنيف»: ما حققناه يسجّل لنا والكلمة الأخيرة لجدول الأعمال

بانتظار حسم «تعدد الوفود» وتراتبية البحث في «المسارات الثلاثة زائد واحد»

بلدة الباب بريف حلب كما بدت، أمس، مدمرة وتتطلع إلى الحياة بعد طرد «داعش» منها (رويترز)
بلدة الباب بريف حلب كما بدت، أمس، مدمرة وتتطلع إلى الحياة بعد طرد «داعش» منها (رويترز)
TT

مفاوضو «جنيف»: ما حققناه يسجّل لنا والكلمة الأخيرة لجدول الأعمال

بلدة الباب بريف حلب كما بدت، أمس، مدمرة وتتطلع إلى الحياة بعد طرد «داعش» منها (رويترز)
بلدة الباب بريف حلب كما بدت، أمس، مدمرة وتتطلع إلى الحياة بعد طرد «داعش» منها (رويترز)

رغم الانتقادات التي واجهتها «الهيئة العليا التفاوضية» من قبل معارضين اعتبروا أن ما حصل في مفاوضات جنيف هو تنازل أو خسارة كان يمكن تفاديها، يرى المفاوضون أن ما تحقّق يمكن أن يؤسس لنتائج إيجابية في المرحلة المقبلة، وإن كانوا لا يرون فيها «انتصاراً» إنما نقطة تسجّل لصالح الوفد.
المواضيع الأساسية يحرص المفاوضون على توضيحها مع حذرهم في الوقت عينه من أي تغيرات قد تنعكس سلباً على مسار المفاوضات المقبلة التي يفترض أن تكون ملامح جدول أعمالها قد باتت واضحة، وينص على «المسارات الثلاثة زائد واحد»، بانتظار الإعلان الرسمي عنه. إذ إنه وإضافة إلى عدم إعطاء أهمية لقبول النظام ببحث «الانتقال السياسي» شكّل موضوع «تعدّد الوفود» ومن ثم فرض النظام لبند «الإرهاب» على الطاولة، محور جدل وانتقاد من بعض المعارضين، وهو ما يرى فيه المفاوضون مبالغة لا بد من توضيحها.
من هنا يقول الرائد فاتح حسون الذي شارك في جولة المفاوضات (وكان مصراً على الحضور بزي «الجيش الحر» العسكري)، لـ«الشرق الأوسط»: «في انطلاقة جنيف كان النظام يرفض التطرق لثلاثة موضوعات حتى إلى الانتقال السياسي، ثم وفي بداية جنيف 4 هدّد بالانسحاب إذا طرح هذا الموضوع، لكنه عاد نتيجة الضغط الروسي وقبل به، وبالتالي هي نقطة تحسب لصالح الهيئة». في حين يرفض عضو وفد الهيئة العليا، فؤاد عليكو، وصف ما توصلت إليه الهيئة في جنيف بـ«الانتصار»، لكنه في الوقت عينه يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ما تحقق «هو إيجابي من حيث المبدأ» بانتظار أن توضح الصورة أكثر، وأن يعلن المبعوث الدولي إلى سوريا رسمياً عن جدول الأعمال، لافتاً إلى أن هناك ضبابية في موقف النظام، الذي يحرص على تسمية الانتقال السياسي بـ«العملية السياسية».
ويشدّد كل من عليكو وحسون على أن سقف الهيئة، بما فيها الأطراف السياسية والعسكرية، تبقي مقررات مؤتمر الرياض التي أسست «الهيئة العليا للمفاوضات» بقرار دولي، وأهمها، رفض استمرار النظام السوري في الحكم بما في ذلك المرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع موقف منصتي «القاهرة» و«موسكو» اللتين تعتبران أن المفاوضات هي التي تحدّد هذا الأمر. وفي هذا الإطار، يقول حسون: «لا بد من التأكيد على أن مشاركة المنصات لم تكن نقطة تفاوضية في جنيف، بل إن القرار الدولي 2254 نص على مشاركتهما، وبالتالي لم يكن أمامنا أي خيار، لا سيما أن الهيئة حاولت احتواء الأمر ووضعت أسماء ممثلين لهما في الوفد، لكنهما رفضا ذلك». وفي حين يشير عليكو إلى أن الهيئة متمسكة بموقفها الداعي إلى حصر وفد المعارضة بوفد واحد في الجولة المقبلة، يؤكد: «إذا وافقوا على الالتزام بمخرجات مؤتمر الرياض خصوصاً رحيل رئيس النظام بمجرد الاتفاق على الانتقال السياسي، سنكون معاً في وفد واحد، وإذا رفضوا ذلك، لن نقبل بمشاركتهم». وعما إذا كان هذا الأمر سيشكّل معضلة جديدة وحجّة يتسلّح بها النظام، يقول حسون: «فليتفاوض معهم دي ميستورا، هؤلاء الذي لا يمثلون إلا أنفسهم وليس لهم أي سلطة على الأرض ولنرَ عندها ماذا ستكون النتيجة».
وبعدما كان قد أُعلن عن قبول النظام ببحث «الانتقال السياسي» إضافة إلى الدستور والانتخابات ضمن «المسارات الثلاثة» مضافاً إليها «بند الإرهاب»، لا يزال الغموض يلف «تراتبية» البحث، وهو الأمر الذي قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، إذا بقي غير واضح. إذ يقول عليكو: «نحن نطرح التراتبية في البحث من الانتقال السياسي مروراً بالدستور ومن ثم الانتخابات وبند الإرهاب، فيما يرى دي ميستورا أن البحث سيكون بشكل متوازٍ»، في حين يقول حسون: «بحسب ما أفادنا به المبعوث الخاص، التوجّه هو لبحث السلة الثلاثية زائد واحد بشكل متوازٍ شرط ألا يتحقق أي مسار قبل استكمال المسارات الأخرى، وبالتالي أي إعاقة لأي ملف ستعيق الملفات الأخرى، وهذا سيكون إيجابياً بالنسبة إلينا»، مضيفاً: «في النهاية الانتقال السياسي يرتبط بالدستور والانتخابات بشكل أو بآخر، أما موضوع الإرهاب، فهو أيضاً مهم بالنسبة إلينا مناقشته». وهو ما يشير إليه عليكو قائلاً: «لا خوف لدينا من مناقشة الإرهاب، بل على العكس من ذلك، مع تأكيدنا أن هذا الأمر لا ينطبق فقط على (جبهة النصرة) وتنظيم داعش، بل أيضاً على إرهاب النظام وحزب الله والميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانبهما». لكن في المقابل، يقول حسون إن «الحل النهائي كان بمناقشة الإرهاب وفق تصنيفات الأمم المتحدة، على أن يتم البحث في العمليات العسكرية والبنود الإنسانية في مؤتمر آستانة»، لكنه يوضح في الوقت عينه: «علماً أن قرارات الأمم المتحدة نصّت على البحث في الآليات والأسباب التي أدّت إلى وجود التنظيمات المتطرفة، وهو الأمر الذي تعود المسؤولية فيه إلى النظام والمجموعات الموالية له، وبالتالي إدانته كما إدانة (النصرة) و«داعش»).
وفي حين يقول حسون إن جدول أعمال الجولة المقبلة من جنيف التي من المتوقع أن تحدد في 23 من الشهر الحالي، بات شبه واضح، ويعتمد على «المسارات الثلاثة»، زائد واحد، أي الانتقال السياسي والدستور والانتخابات إضافة إلى الإرهاب، يرى عليكو أن مصير الجولة المقبلة ونجاحها سيكون مرتبطاً إلى حد كبير بنتائج «مؤتمر آستانة المحدد في 14 الحالي»، قائلاً: «إذا نجح آستانة في التوصل إلى نتائج عندها يمكن التعويل على مفاوضات جنيف».
وكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، قد بحث أيضاً في نتائج مفاوضات جنيف في اجتماعاته أول من أمس في إسطنبول، مؤكداً «أهمية ما حققه وفد الهيئة العليا بفرضه ملف الانتقال السياسي كأولوية في المفاوضات، وإفشال محاولات النظام لحرف العملية السياسية عن مسارها وإدخال عناصر أخرى بهدف التعطيل لا أكثر، رغم أن النظام رفض الوفاء بالتزاماته في اتفاق وقف إطلاق النار، والتفّ على ما ورد في آستانة، وشن حملة ضد مفاوضات جنيف، معلناً أن الانتقال السياسي ليس سوى حلم، واعتبر أن من يفكر به هو حالم»، وفق ما أفاد المسؤول الإعلامي في الائتلاف أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط».
وأكد الائتلاف «دعمه لتمسك وفد الهيئة العليا للمفاوضات بالانتقال السياسي وتشكيل هيئة حاكمة انتقالية تحظى بالصلاحيات الكاملة»، ودعا الأمم المتحدة للالتزام لتطبيق بيان جنيف وقراري مجلس الأمن 2118 و2254 بعيداً عن الضغوط الروسية التي تحاول جرف العملية السياسية نحو أجندات ومصالح خاصة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».