دورة ثالثة لملتقى القاهرة لتفاعل الثقافات الأفريقيةhttps://aawsat.com/home/article/869941/%D8%AF%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%84%D8%AA%D9%82%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9
دورة ثالثة لملتقى القاهرة لتفاعل الثقافات الأفريقية
شعار الملتقى
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
القاهرة:«الشرق الأوسط»
TT
دورة ثالثة لملتقى القاهرة لتفاعل الثقافات الأفريقية
شعار الملتقى
تشهد القاهرة انعقاد الدورة الثالثة من ملتقى القاهرة الدولي لتفاعل الثقافات الأفريقية، الذي ينظمه المجلس الأعلى للثقافة، بمشاركة مائة باحث ومفكر وروائي وفنان، من 27 دولة أفريقية؛ وذلك في الفترة من 10 إلى 12 أبريل (نيسان) المقبل، وهي أوغندا، وبنين، وبوروندي، وتشاد، وتنزانيا، وتونس، والجزائر، وجزر القمر، وجنوب أفريقيا، وجنوب السودان، وزيمبابوي، والسنغال، والسودان، والصومال، والكاميرون، والكونغو، والكنغو الديمقراطية، وكينيا، وليبيا، ومالي، والمغرب، ومصر، وموريتانيا، وموزمبيق، ونامبيا، والنيجر، ونيجيريا. وتنظم هذه الدورة من الملتقى الدولي تحت عنوان: «الثقافات الشعبية في أفريقيا»، وتتضمن عددا من المحاور الرئيسية التي يتناقش حولها المشاركون، وهي: الثقافات الكبرى في القارة ومكانة الثقافة الشعبية بها، والأدب الشعبي الشفاهي وتنوعاته «الملاحم، والحكايات، والأمثال، والثقافات الشعبية والفنون البصرية، والتصوير، والنحت، والجداريات، والعمارة». والفنون الشعبية في أفريقيا «الموسيقى، والأغاني، والرقص، والحكي، والسينما»، وأيضا تتضمن المحاور الطب الشعبي والثقافات الشعبية، وتأثير الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي سلباً أو إيجاباً على الثقافات الشعبية في أفريقيا، والمرأة بوصفها حاملة للثقافات الشعبية، وقضايا الجندر. كما تتناول الأوراق المشاركة الثقافة الشعبية وأثرها في تشكيل هوية الشباب، والثقافات الشعبية في أفريقيا وحقوق الملكية الفكرية، والسياسات الأفريقية المحلية ودورها في العناية بالتراث الشعبي، بالإضافة إلى التأثيرات المتبادلة بين الثقافات الأفريقية والأنواع الثقافية داخل أفريقيا وخارجها. ويناقش المشاركون دور المنظمات الدولية في الترويج لأنماط معينة ومسؤولية المؤسسات الوطنية. وكانت اللجنة العلمية التي شكلها وزير الثقافة برئاسة الباحث حلمي شعراوي للإعداد للملتقى، قد أطلقت دعوة للكتابة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لجميع المتخصصين والمهتمين بالشأن الثقافي الأفريقي من مصر وخارجها؛ وتلقت أمانة المجلس أكثر من مائتي مقترح وملخص بحث من الراغبين في المشاركة من مصر ومعظم الدول الأفريقية. وقد عكفت اللجنة على دراسة الأوراق المقدمة وانتهت إلى اختيار نحو 90 مشاركة من مصر وعدد من دول أفريقيا المختلفة؛ طبقاً للموضوعات التي تتناسب مع موضوع الملتقى ومحاوره؛ ومع مراعاة تمثيل أكبر عدد ممكن من البلدان الأفريقية. هذا ويقام على هامش الملتقى عدد من الأنشطة المصاحبة، منها: ورش عمل وموائد مستديرة، وتنظيم معرض كتاب لإصدارات وزارة الثقافة وبعض دور النشر الخاصة، ومعرض تشكيلي بعنوان: «شعبيات وإبداعات ثقافية»؛ تشرف عليه الفنانة الدكتورة سهير عثمان، ويتضمن نماذج من الصناعات الثقافية في فنون السجاد اليدوي والكليم وطباعة المنسوجات والحلي والتصوير الزيتي والرسم والغرافيك والخزف والنحت؛ بالإضافة إلى فعاليات نادي السينما الأفريقية بسينما الهناجر، طوال فترة انعقاد الملتقى. وكانت الدورة الأولى للملتقى قد عقدت شهر مايو (أيار) 2010، تحت عنوان: «تفاعل الثقافات الأفريقية في عصر العولمة»، وعقدت الدورة الثانية في يونيو (حزيران) 2015، تحت عنوان: «الهوية في الآداب والفنون الأفريقية».
كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك، التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وبالطبع أكبر من اللغة الدنماركية المحدودة الانتشار جداً قياساً إلى لغات كبرى كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ناهيك بالعربية. ولكن مؤلفاته أصبحت مترجمة إلى شتى لغات العالم. وبالتالي، لم تعد محصورة داخل جدران لغته الأصلية الصغيرة. لقد أصبحت ملكاً للعالم أجمع. هنا تكمن عظمة الترجمة وفائدتها. لا حضارة عظيمة من دون ترجمة عظيمة. والحضارة العربية التنويرية قادمة لا ريب، على أكتاف الترجمة والإبداع الذاتي في آنٍ معاً.
سورين كيركيغارد (1813 - 1855) هو مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، قبل هيدغر وسارتر بزمن طويل. إنه الممثل الأكبر للتيار الوجودي المسيحي المؤمن، لا المادي الملحد. كان كيركيغارد أحد كبار فلاسفة الدين في المسيحية، إضافة إلى برغسون وبول ريكور، مثلما أن ابن رشد وطه حسين ومحمد أركون هم من كبار فلاسفة الدين في الإسلام.
لكن ليس عن هذا سأتحدث الآن، وإنما عن قصة حب كبيرة، وربما أكبر قصة حبّ ظهرت في الغرب، ولكن لا أحد يتحدث عنها أو يسمع بها في العالم العربي. سوف أتحدث عن قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين. كيف حصلت الأمور؟ كيف اشتعلت شرارة الحب، تلك الشرارة الخالدة التي تخترق العصور والأزمان وتنعش الحضارات؟ بكل بساطة، كان مدعواً إلى حفلة اجتماعية عند أحد الأصدقاء، وصادف أنها كانت مدعوة أيضاً. كانت صغيرة بريئة في الخامسة عشرة فقط، وهو في الخامسة والعشرين. فوقع في حبها على الفور من أول نظرة، وبالضربة القاضية. إنه الحب الصاعق الماحق الذي لا يسمح لك بأن تتنفس. ويبدو أنه كان شعوراً متبادلاً. وبعد 3 سنوات من اللقاءات والمراسلات المتبادلة، طلب يدها رسمياً فوافقت العائلة.
ولكنه صبيحة اليوم التالي استفاق على أمر عظيم. استفاق، مشوشاً مبلبلاً مرعوباً. راح ينتف شعر رأسه ويقول: يا إلهي، ماذا فعلت بنفسي؟ ماذا فعلت؟ لقد شعر بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. فهو لم يخلق للزواج والإنجاب وتأسيس عائلة ومسؤوليات. إنه مشغول بأشياء أخرى، وينخر فيه قلق وجودي رهيب يكاد يكتسحه من الداخل اكتساحاً... فكيف يمكن له أن يرتكب حماقة كهذه؟ هذه جريمة بحقّ الأطفال الذين سوف يولدون وبحقّها هي أيضاً. ولذلك، فسخ الخطوبة قائلاً لها: أرجوك، إني عاجز عن القيام بواجبات الزوجية. أرجوك اعذريني.
ثم أردف قائلاً بينه وبين نفسه: لا يحق لي وأنا في مثل هذه الحالة أن أخرب حياة خطيبتي المفعمة بحب الحياة والأمل والمحبة، التي لا تعاني من أي مشكلة شخصية أو عقدة نفسية أو تساؤلات وجودية حارقة. وإنما هي إنسانة طبيعية كبقية البشر. أما أنا فإنسان مريض في العمق، ومرضي من النوع المستفحل العضال الذي لا علاج له ولا شفاء منه. وبالتالي، فواجب الشرف والأمانة يقتضي مني أن أدوس على قلبي وأنفصل عنها وكأني أنفصل عن روحي.
لكن عندما سمع بأنها تزوجت من شخص آخر جنّ جنونه وتقطعت نياط قلبه وهاجت عليه الذكريات. بل هرب من الدنمارك كلها لكيلا يسمع بالتفاصيل والتحضيرات وليلة العرس. هذا أكبر من طاقته على التحمل. وأصبح كالمجنون الهائم على وجهه في البراري والقفار. كيف يمكن أن يتخيلها مع رجل آخر؟ هل انطبقت السماء على الأرض؟ مجنون ليلى ما تعذب مثلنا.
الشيء المؤثر في هذه القصة هو أن خطيبته التي عاشت بعده 50 سنة تقريباً طلبت أن تدفن إلى جواره، لا إلى جوار زوجها الشرعي! فاجأ الخبر كثيرين. وكانت بذلك تريد أن تقول ما معناه: إذا كان القدر قد فرقني عنه في هذه الحياة الدنيا، فإني سألتحق به حتماً في الحياة الأخرى، حياة الأبدية والخلود. وكانت تعتبر نفسها «زوجته» برغم كل ما حصل. وبالفعل، عندما كان الناس يتذكرونها كانوا يقولون: خطيبة كيركيغارد، لا زوجة فريدريك شليجيل. وقالت: إذا لم يكن زوجي هنا على هذه الأرض، فسوف يكون زوجي هناك في أعالي السماء. موعدنا: جنة الخلد! هل هناك حب أقوى من هذا الحب؟ حب أقوى من الموت، حب فيما وراء القبر، فيما وراء العمر... الحب والإيمان. أين هو انتصارك يا موت؟
قصة حب تجمع بين كيركيغارد، مؤسس الفلسفة الوجودية، وفتاة شابة جميلة تصغره بعشر سنوات، لكن الفلسفة تقف حجر عثرة بينهما، فينفصل عنها وتظل صورتها تطارده طيلة حياته
اللقاء الأخير
كيف يمكن أن نفهم موقف كيركيغارد من حبيبته إن لم نقل معبودته ريجين أولسين؟ للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد أي تفسير منطقي له. فقد قطع معها في أوج العلاقة الغرامية، دون أي سبب واضح أو مقنع. ويبدو أنها حاولت أن تراه لآخر مرة قبيل سفرها مع زوجها إلى بلاد بعيدة. أن تراه في الشارع كما لو عن طريق الصدفة. وعندما اصطدمت به، قالت له: «ليباركك الله، وليكن كل شيء كما ترغب». وهذا يعني أنها استسلمت للأمر الواقع نهائياً، وأنه لا عودة بعد اليوم إلى ما كان. تراجع كيركيغارد خطوة إلى الوراء عندما رآها حتى لكأنه جفل. ثم حياها دون أن ينبس بكلمة واحدة. لم يستطع أن يرد. اختنق الكلام في صدره. لكأنه يقول بينه وبين نفسه: هل يحق لمن يقف على الخطوط الأمامية لجبهة الفكر، لجبهة النار المشتعلة، أن يتزوج؟ هل يحق لمن يشعر بأن حياته مهددة أن ينجب الأطفال؟ أطفاله هم مؤلفاته فقط. هل يحق لمن يصارع كوابيس الظلام أن يؤسس حياة عائلية طبيعية؟ ما انفك كيركيغارد يحاول تبرير موقفه، بعد أن شعر بفداحة ما فعل مع ريجين. لقد اعتقد أنه انفصل عنها، وانتهى الأمر، فإذا بها تلاحقه إلى أبد الآبدين. ما انفك يلوم نفسه ويتحسر ويتعذب. لكأنه عرف أن ما فعله جريمة لا تغتفر. نعم، لقد ارتكب جريمة قتل لحب بريء، حب فتاة غضة في أول الشباب. من يستطيع أن يقتل العاطفة في أولها، في بداية انطلاقتها، في عنفوانها؟ طيلة حياته كلها لم يقم كيركيغارد من تلك الضربة: ضربة الخيانة والغدر. وربما لم يصبح كاتباً وفيلسوفاً شهيراً إلا من أجل تبريرها. لقد لاحقه الإحساس القاتل بالخطيئة والذنب حتى آخر لحظة من حياته. إذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم شيئاً من فلسفة كيركيغارد. لقد أصبحت قصته إحدى أشهر قصص الحب على مدار التاريخ، بالإضافة إلى قصة دانتي وبياتريس، وروميو وجولييت، وأبيلار وهيلويز. ويمكن أن نضيف: مجنون ليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعروة وعفراء، وذا الرمة ومي... إلخ. العرب هم الذين دشنوا هذا الحب العذري السماوي الملائكي قبل دانتي وشكسبير بزمن طويل. ولماذا تنسون عنتر وعبلة؟ بأي حق؟
ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
بعد أن تجاوز فيلسوف الدنمارك تلك التجربة العاصفة، شعر وكأنه ولد من جديد، أصبح إنساناً جديداً. لقد انزاح عن كاهله عبء ثقيل: لا عائلة ولا أطفال ولا زواج بعد اليوم، وإنما معارك فكرية فقط. لقد طهره حب ريجين أولسين من الداخل. كشف له عن أعماقه الدفينة، وأوضح له هويته ومشروعه في الحياة. الحب الذي يفشل يحرقك من الداخل حرقاً ويطهرك تطهيراً. بهذا المعنى، فالحب الفاشل أفضل من الحب الناجح بألف مرة. اسألوا أكبر عاشق فاشل في العالم العربي. بعدها أصبح كيركيغارد ذلك الفيلسوف والكاتب الكبير الذي نعرفه. بالمعنى الأدبي للكلمة، وليس مفكراً فيلسوفاً فقط، بالمعنى النثري العويص الجاف. من ثم هناك تشابه كبير بينه وبين نيتشه مع الفارق، الأول مؤمن، والثاني ملحد. وأخيراً، لم ينفك كيركيغارد يحلل أعماقه النفسية على ضوء ذلك الحب الخالد الذي جمعه يوماً ما بفتاة في عزّ الشباب، تدعى ريجين أولسين. عبقريته تفتحت على أنقاض ذلك الحب الحارق أو المحروق. كان ينبغي أن تحصل الكارثة لكي يستشعر ذاته، ينجلي الأفق، يعرف من هو بالضبط. من كثرة ما أحبها تركها. لقد قطع معها لكي تظل - وهي العزيزة الغائبة - أشد حضوراً من كل حضور!