7 أيام انقضت على انطلاق الجولة الراهنة من «جنيف 4»، التي تسدل الستارة عليها اليوم مساء، دون تحقيق أي اختراق يذكر، ووسط تضارب في التوقعات والتحليلات، خصوصاً وسط «بلبلة» في المواقف الروسية.
وكثف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا اتصالاته في الساعات الـ48 الأخيرة، خصوصاً يوم أمس، إذ اجتمع تباعاً بكل الوفود السورية، نظاما ومعارضة، في مسعى منه للتوصل إلى خلاصات يمكن البناء عليها، ومن المنتظر، كما قالت مصادر المعارضة السورية، أن يضمنها ورقة تلخص نقاط التلاقي بين النظام والمعارضة.
وأبرز ما ستتضمنه الورقة المذكورة أجندة المفاوضات، إذا ما نجح دي ميستورا في دفع المعارضة والنظام إلى القبول بما اقترحه؛ أي التركيز على الملفات الثلاثة المنصوص عليها في القرار الدولي رقم 2254، بينما يصر وفد النظام على إدراج بند الإرهاب.
لكن تصريح رئيس وفد النظام، عقب لقائه عصر أمس بالمبعوث الدولي، أظهر أن الخلاف لم يحل، وأن ملف الإرهاب يمكن أن يطيح بالمحادثات. فقد حمل السفير بشار الجعفري، سلفاً، وفد الهيئة العليا للمعارضة مسؤولية فشل المحادثات، وقال الجعفري إن «حوار (جنيف) يجب ألا يكون رهينة لمنصة الرياض (أي وفد الهيئة العليا) التي رفضت تشكيل وفد موحد للمعارضة». وبرأيه أنه «لا يجب السماح لوفد الرياض أن يأخذ مفاوضات جنيف رهينة لمواقفهم المتعنتة»، مضيفاً أنه بذلك «يتحمل مسؤولية أي فشل في هذه المحادثات». ويذكر كلام رئيس وفد النظام بجولتي «جنيف» الثانية والثالثة، حيث استخدم الجعفري الحجة نفسها لمنع تناول عملية الانتقال السياسية.
وكشفت مصادر المعارضة أن المبعوث الدولي أخبر وفد الهيئة العليا، مساء الأربعاء، بمناسبة الاجتماع الذي عقده معها في فندق كراون بلازا، القريب من مطار جنيف، أن الجعفري أصر على إدراج بند الإرهاب على جدول المحادثات.
وأضافت المصادر أن دي ميستورا أعلن قبوله الطلب، لكنه نبهه إلى أنه سيقوم بإعداد لائحة تشمل الأعمال التي يعتبرها المجتمع الدولي إرهابية، المنصوص عليها في وثائق دولية، مثل إلقاء البراميل المتفجرة، واستهداف المدنيين، واستخدام السلاح الكيماوي، وما شابه.
ونقلت مصادر المعارضة عن دي ميستورا سعيه للدعوة إلى استئناف المحادثات في العشرين من الشهر الحالي، وسط تساؤلات دبلوماسيين غربيين يرافقون «جنيف 4» عن «المغزى» من وقف المحادثات لأسبوعين قد يأتيان بتطورات ميدانية أو سياسية من شأنها جعل جمع الطرفين (النظام والمعارضة) أمراً بالغ الصعوبة. وتقول المصادر الدبلوماسية إن «الحجة» القائلة إن فنادق جنيف محجوزة بسبب معرض السيارات المقبل «ليست مقبولة»، إذ يمكن نقلها إلى مدينة سويسرية أخرى، مثل لوزان أو مونترو.
حقيقة الوضع أنه، حتى مساء أمس، كان الغموض ما زال يلف مسألة أجندة المفاوضات، عندما ستعاود بعد فترة الانقطاع. وفيما يؤكد وفد النظام أن ملف الإرهاب أصبح النقطة الرابعة على جدول الأعمال الذي سيناقش بالتوازي الملفات الأربعة (الحوكمة والدستور والانتخابات والإرهاب)، بقيت الهيئة العليا متمسكة بصيغة مغايرة. فهي من جهة ترفض الخوض في ملف الإرهاب غير المدرج في القرار 2254، كما أنها ما زالت مترددة في تناول الملفات الأربعة بالتوازي، وتتمسك بملف الانتقال السياسي كنقطة «أساسية». ويعود تخوف المعارضة من موضوع الإرهاب لكون النظام ما زال يصف كل مكوناتها بـ«الإرهابيين».
بيد أن الهيئة ترى، رغم ذلك، أن ما حصل في جنيف أفضى إلى «تغير» في موقف النظام الذي قبل بضغط روسي مناقشة موضوع الانتقال السياسي. وقال نصر الحريري لصحافيين، ليل أول من أمس، إن «موضوع الانتقال السياسي أصبح الموضوع الرئيسي على الطاولة». وفي حال قبل وفد النظام حقيقة الخوض فيه، فإن ذلك يعد «إنجازاً». لكن مصادر دبلوماسية أوروبية اتصلت بها «الشرق الأوسط»، أمس، حذرت من المبالغة في التفسير، ونبهت إلى أن «الانتقال السياسي عنوان فضفاض، والأهم معرفة كيفية فهم النظام له».
وأشارت هذه المصادر إلى أن غاتيلوف ربما يكون قد نجح في إحداث هذا التغير، مقابل أن يضم ملف الإرهاب إلى جدول الأعمال. وفي أي حال، فإنها «نصحت» وفد الهيئة العليا بأمرين: الأول، إظهار الليونة والقبول بمناقشة الملفات دفعة واحدة، خصوصاً أن دي ميستورا قدم ضمانات في رسالة الدعوة التي نصت على مبدأ أن «لا بند يمكن اعتباره قد قبل، ما دام التفاهم على بقية البنود لم يتم». والثاني، الامتناع عن طرح خروج الأسد من السلطة منذ بدء المفاوضات، لمنع الطرف الآخر من تعطيلها فوراً.
بالمقابل، تلتزم شخصيات أخرى معارضة في جنيف مواقف أكثر حذراً. وقالت بسمة قضماني، عضو وفد الهيئة العليا، أمس، إن احتمالات إحراز تقدم «ضعيفة للغاية»، وإن هذا ما يمكن استنتاجه من أسبوعين أو 10 أيام من المحادثات في جنيف.
بيد أن مفاجأة الأمس الكبرى تمثلت بالهجوم العنيف الذي شنته الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على وفد الهيئة العليا الذي كان قد اجتمع ليل الأربعاء / الخميس مع نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف. وقال الدكتور يحيي العريضي، مستشار وفد الهيئة، إن غاتيلوف «أشاد» بوفد الهيئة وبـ«أدائه»، وبالتالي فإنه اعتبر أن تصريحات زاخاروفا «تحمل تناقضاً» مع ما جاء به غاتيلوف. وبحسب العريضي، فإن التفسير الأرجح هو أن موسكو أرادت «معادلة الكفة»، أي أن الانتقادات الموجهة للهيئة العليا تهدف لـ«الموازنة» مع الضغوط التي مارسها غاتيلوف على وفد النظام من أجل قبول البحث في ملف الانتقال السياسي.
وأضاف العريضي أن موسكو دأبت على تحميل المعارضة مسؤولية فشل الجولات السابقة في جنيف، تارة بحجة الانقسامأ وطورا بحجة المطالبة بتنحية الرئيس الأسد. والحال أن غاتيلوف نفسه أكد أن لقاءه مع الهيئة كان بناءً، وأن جميع الأطراف وافقت على بحث القضايا الرئيسية بشكل متواز، معتبرًا أن ما تحقق يعد «خطوة كبيرة للأمام».
وأوضح غاتيلوف أن الهيئة العليا للمفاوضات وافقت على أجندة المبعوث الأممي، وأكد أن شيئاً كهذا يبعث على الأمل. وتعتبر الهيئة العليا أن انفتاح موسكو عليها أمر إيجابي. ووفق تصريحات لنائب رئيس الوفد يحيى القضماني، فإن الهيئة ترغب في أن تصبح موسكو «حيادية، وليست عدواً لسوريا»، وأن تقوم برعاية عملية الانتقال السياسي. وكان اجتماع مساء الأربعاء الأول من نوعه بين الطرفين.
ومن جانبه، نقل يحيى العريضي لـ«الشرق الأوسط» أن قدري جميل، وهو الشخصية الأبرز في منصة موسكو، سيأتي إلى فندق الهيئة للقاء عدد من شخصياتها. وسبق لوفد الهيئة العليا أن اجتمع مع جهاد المقدسي وجمال سليمان، من منصة القاهرة، بحثاً عن تنسيق المواقف، لكن الطرفين لم يتوصلا إلى تفاهم لتشكيل وفد موحد. وما لم يتحقق بينهما، سيكون من الصعب تحقيقه بين منصة موسكو ووفد الهيئة العليا، بالنظر إلى الاتهامات المتبادلة والتباعد في المواقف.
وأمس، كثف المبعوث الدولي اتصالاته، فاجتمع صباحاً بممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو، كما اجتمع بعد الظهر ومساء تباعاً بوفدي الهيئة العليا والنظام. لكنه حتى مساء أمس، لم ينجح في جمع وفدي النظام والهيئة العليا في محادثات مباشرة رأى غاتيلوف أنها صعبة الحصول في الظروف الحالية. وشكلت الجلسة الافتتاحية الباردة المناسبة الوحيدة التي اجتمعت فيها كل الوفود السورية، رغم رغبة الهيئة العليا بالدخول فوراً في مفاوضات مباشرة مع وفد النظام السوري. لكن وفد النظام كرر للمبعوث الدولي أنه «لا مجال» لمفاوضات مباشرة مع وفود معارضة متعددة، مطالباً إياه بأن يدفع باتجاه وفد معارض واحد.
وتقول المصادر الأوروبية إنه «من المنتظر» أن تتبين في الأيام المقبلة ملامح السياسة التي تعتزم الإدارة الأميركية الجديدة اتباعها إزاء الملف السوري، وأن شيئاً كهذا يمكن أن يكون له تأثيره على سير المفاوضات المستقبلية. وتضيف هذه المصادر أن «اختلال التوازن» مكن موسكو من لعب الدور الأول عسكرياً وسياسياً، وأن الدول الغربية الأخرى أو الخليجية أو الإقليمية غير قادرة على الحلول محلها، وبالتالي فإن بلورة السياسة الأميركية بعد تسلم الرئيس ترمب توصيات وزارة الدفاع، يمكن أن يكون عاملاً مؤثراً لجولات التفاوض اللاحقة.
وكان رئيس وفد الهيئة العليا قد أشار إلى ذلك في لقاء مع عدد من الصحافيين، ليل الخميس، إذ اعتبر أن الشعب السوري ينتظر «دوراً إيجابياً، ويسعى لبناء علاقة شراكة لمعالجة كل الملفات العالقة مع الإدارة الأميركية الجديدة لتصحيح أخطاء الإدارة السابقة» التي وصف مواقفها بـ«المخزية». وثمة ملفان تتطابق فيهما رؤية الطرفين، وهما محاربة الإرهاب وتحجيم النفوذ الإيراني. وقد تكون إحدى المؤشرات الملموسة للموقف الأميركي الجديد معاودته تزويد فصائل المعارضة التي كان يدعمها بالسلاح والعتاد، وهو ما كانت إدارة ترمب قد أوقفته قبل نحو 20 يوماً.
«جنيف» تنتهي بغموض حول أجندة المحادثات المقبلة
تناقضات في المواقف الروسية إزاء {الهيئة العليا للتفاوض}
«جنيف» تنتهي بغموض حول أجندة المحادثات المقبلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة