«فتح» من مخيم عين الحلوة: الحسم بيدنا!

عناصر من فتح بمخيم عين الحلوة في لبنان (أ.ب)
عناصر من فتح بمخيم عين الحلوة في لبنان (أ.ب)
TT

«فتح» من مخيم عين الحلوة: الحسم بيدنا!

عناصر من فتح بمخيم عين الحلوة في لبنان (أ.ب)
عناصر من فتح بمخيم عين الحلوة في لبنان (أ.ب)

باتت أخبار عين الحلوة مألوفة. المخيم الأكبر للاجئين الفلسطيين في لبنان والذي يضم أكثر من 80 ألف نسمة تعود وأهله ربما على أصوات الاشتباكات التي عادة ما لا يعرف من وقف خلفها، وكيف وقعت. يعرف فقط أسماء القتلى أو الجرحى وكل التفاصيل الأخرى تبقى غامضة. هذه الصورة المألوفة فاقت قبل أيام كل التوقعات. مع تحول الاشتباكات الى معارك جدية، طالت اطراف مدينة صيدا (ثالث أكبر مدينة في لبنان)، ودفعت البعض الى النزوح من الشوارع التي تشهد اشتباكات الى أخرى أكثر أمناً.
هذه المرة الصورة أوضح على الرغم من أن الغموض لا يزال يكتنف أسباب وتوقيت اندلاع هذه الاشتباكات. المعلوم الوحيد أن حركة "فتح" وبعض المجموعات المتطرفة في المخيم هما طرفا الصراع. وما زاد الغموض غموضاً تزامن ما حصل مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
اللافت في اشتباكات الأيام الأخيرة أن "فتح" تخلت للمرة الأولى عن سياسة المهادنة وترجيح الخيارات التفاوضية التي كانت تعتمدها في مخيمات لبنان لحساب سياسة متشددة عسكرياً، وفق ما تقول مصادر صيداوية مطلعة لـ"الشرق الأوسط"، وهي الرسالة الأساسية التي أرادت "فتح" توجيهها للمجموعات المتشددة، وللفصائل الفلسطينية المتحالفة معها، وايضاً للدولة اللبنانية، ومفادها بحسب المصادر أن "الأمر فلسطيني بيد فتح وأنها قادرة على الحسم متى اقتضت الضرورة".
تلخص المصادر "القصة" بالإشارة إلى أنها "بدأت على خلفية موضوع الجدار الذي تشيده الدولة اللبنانية حول المخيم لضبط حركة الدخول والخروج منه عبر المداخل التي يقيم الجيش اللبناني حواجز عليها. يومها حشرت (فتح) شعبياً وسياسياً. وفاوضت الدولة اللبنانية لإيقاف البناء، لكن الأجهزة الأمنية اللبنانية دعت إلى تنفيذ خطة أمنية بديلة وعندها لا مانع من وقف بناء الجدار.
بناء على طلب الأجهزة الأمنية اجتمعت الفصائل الفلسطينية لكنها فشلت، وفق المصادر، في وضع الخطة المطلوبة بسبب الخلافات بينها، علما أنها ليست المرة الأولى التي تقر فيها الفصائل خطة أمنية لمخيم عين الحلوة، بل سبق ذلك عشرات الخطط التي لم توضع موضع التنفيذ.
شعرت "فتح" أنها عملياً محاصرة، بين جملة من الخطوط الحمراء، والتي تعددها المصادر بأنها تتركز حول أمن لبنان ورفض تحول المخيمات الى نقطة انطلاق لأي عمل ارهابي ضد الداخل اللبناني، وأمن المخيمات ورفض الخوض في صراعات مسلحة قد تؤدي الى تهجير جديد ودمار واسع النطاق، والتوافق الفلسطيني الذي نجح في تحييد المخيمات في السنوات الأخيرة على الرغم من كل الهزات الأمنية التي شهدها لبنان.
هذه الخطوط الحمر كبلت عملياً "فتح" وفق ما تقول المصادر، خصوصاً أن صورتها أمام الدولة اللبنانية اهتزت، نتيجة عدم قدرتها على الحسم العسكري، كما أن صورتها شعبياً تضررت بالتزامن مع صعود نجم بعض المنشقين أو المفصولين من حركة "فتح" وعلى رأسهم في المخيم العميد محمود عيسى الملقب بـ"اللينو"، كل ذلك في وقت تتحمل فيه دوماً "فتح" مسؤولية مباشرة فلسطينياً ولبنانياً وليس الفصائل الفلسطينية مجتمعة.
كل هذه العوامل دفعت، وفق ما تقول المصادر، "فتح" إلى اعادة النظر باستراتيجيتها والضرب بيد من حديد، وإثبات نفسها أمام الجميع، رفضاً لتحمل المسؤولية منفردة، خصوصاً أنها تدفع ثمناً مباشراً، إن على صعيد علاقتها بالدولة اللبنانية، أو على صعيد تمويل "القوة الفلسطينية المشتركة" التي تضم جميع الفصائل الفلسطينية، والتي أعلنت "فتح" حلها قبل الاشتباكات، ووقف تمويلها الذي يبلغ وفق معلومات "الشرق الأوسط" 213 ألف دولار.
اضافة الى حل القوة الفلسطينية، وجهت "فتح" رسالة أخرى، تشير المصادر إلى أنها تتلخص في إرسال قوة أمنية إلى مخيم البداوي في شمال لبنان، بعد أن كان هذا الملف بيد "القوة المشتركة"، ما عد رسالة أخرى من "فتح" مفادها أنها لن تنتظر التوافق الفلسطيني، وأنها قادرة على المبادرة.
وعلى الرغم من ان "فتح" أوصلت الرسالة الى الجميع، إلا أن المصادر التي ترفض الربط بين زيارة عباس إلى لبنان، وما يحصل في عين الحلوة، تلفت إلى الموقف اللافت لعباس والذي أبلغه للمعنيين في لبنان، ومفاده أن السلطة لا تعارض تسليم السلاح الفلسطيني وانتشار الجيش في المخيمات، وهو الموقف الذي يعتبر متقدماً حتى على الصعيد اللبناني، خصوصاً أن طاولة الحوار توافقت في العام 2006 حصراً على سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وليس داخلها!
اختارت "فتح" الحسم. وتنقل المصادر عن عزام الأحمد، قوله خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان أن السلطة مستعدة أيضاً لاستقدام ضباط من رام الله إلى مخيمات لبنان ان اقتضت الضرورة، في سياق فتح صفحة جديدة، وتنفيذ استراتيجية حازمة.
لكن سياسة "فتح" الجديدة دونها عقبات لبنانية، خصوصاً على صعيد صيدا، التي برزت فيها مؤخراً أصوات داعية الى التعامل بحكمة مع موضوع مخيم عين الحلوة. كما أن سياسة "فتح" أدت إلى استياء واضح لدى النائبة بهية الحريري، التي رددت في أحد لقاءاتها المخصصة لمتابعة موضوع عين الحلوة ما مفاده أن الحسم العسكري غير وارد لأنه يعني تهجيرا للمخيم وتفجير مدينة صيدا، وهو ما اعتبر رسالة لـ"فتح" بحسب المصادر، التي تؤكد أنها فاتحت ايضاً عباس خلال اتصال هاتفي بالموضوع وابلغته ضرورة الالتزام بالخيار السلمي قدر الإمكان، قبل أن تصرح علنا بأن "المطلوب حلول هادئة ومسؤولة".
وعلى الرغم من عودة الهدوء الى المخيم إلا أن كل الاحتمالات لا تزال مفتوحة، خصوصاً أن الجماعات المتشددة التي تشتبك معها "فتح" تسيطر على عدد من أحياء المخيم، التي تضم مطلوبين للدولة اللبنانية، يقال إنهم تابعون لـ"داعش" أو مقربون فكرياً منها، ولا يمكن تسليمهم سوى بالتوافق، بما أن الخيار العسكري الحاسم مرفوض لبنانياً وفلسطينياً.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.