مشكلة تسفير الشباب للقتال في سوريا أصبحت موضوعا أساسيا في الأجندة الأوروبية وهناك تنسيق مشترك بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذا الأمر، هذا ما قالته فوزية طلحاوي عضو مجلس الشيوخ البلجيكي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» ببروكسل، وأضافت بأن الاجتماعات الأخيرة بين بلجيكا وفرنسا للتنسيق والعمل المشترك هي جزء من تحرك أوروبي تشارك فيه دول أخرى تعاني من مسألة تسفير شبان من المسلمين الأوروبيين إلى سوريا للمشاركة في العمليات القتالية في سوريا، وخاصة أن هناك مخاوف من مرحلة ما بعد عودة هؤلاء إلى أوطانهم الأوروبية وما يمكن أن يشكل ذلك من خطر على المجتمعات الأوروبية.
تعقد الدول الأوروبية التسع المعنية أكثر بملف «المقاتلين الأجانب» في سوريا، اجتماعا في الثامن من مايو (أيار) في بروكسل بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وتركيا والمغرب والأردن وتونس، بحسب ما أعلنت وزيرة الداخلية البلجيكية جويل ميلكي. وفي حين اعتمدت فرنسا قبل أيام خطة في محاولة لمنع مجندين للقتال في سوريا من التوجه إلى هذا البلد، فإن بلجيكا التي تبنت إجراءات مماثلة في أبريل (نيسان) 2013. تأمل في تعزيز التعاون بين البلدان الأوروبية وأيضا مع بعض الدول الأخرى في جنوب المتوسط، بحسب ما أوضحت الوزيرة. وقالت الوزيرة البلجيكية بأن «التعامل مع العائدين (من المقاتلين) تشكل أحد أهم مشاغلنا»، مضيفة أن «وجود قاعدة لتنظيم القاعدة على أبواب أوروبا» هو «مشكلة جديدة» طرحها النزاع في سوريا. وأنشأت الوزيرة مع نظيرها الفرنسي في ذلك العهد إيمانويل فالس فريقا غير رسمي يضم وزراء الداخلية في عشر دول أوروبية منها بريطانيا وهولندا وإسبانيا. وقد اجتمع في يونيو (حزيران) أكتوبر (تشرين الأول) 2013 بحضور وزراء الولايات المتحدة وكندا وأستراليا. وسيعقد الاجتماع المقبل للفريق في العاصمة البلجيكية بروكسل في الثامن من مايو بحضور ممثل أميركي إضافة إلى ممثل لتركيا «التي تشكل نقطة عبور باتجاه سوريا» والتي «طلبت» الحضور بحسب الوزيرة البلجيكية. وأضافت أن المغرب الذي لديه الكثير من المقاتلين مع الجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا إضافة إلى الأردن وتونس ستشارك في الاجتماع.
وأحصت بلجيكا منذ 2012 مشاركة نحو 300 من مواطنيها في القتال في سوريا بينهم خمسون عادوا وعشرون قتلوا، بحسب أرقام وزارة الداخلية. ووصل أعداد الأشخاص الذين سافروا من دول أوروبية إلى سوريا للقتال هناك إلى أرقام قياسية بحسب ما جرى الإعلان عنه في بروكسل، واعتادت السلطات في عدة دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي طوال الفترة الماضية على عدم ذكر أرقام دقيقة بشأن أعداد الأشخاص الذين سافروا من تلك الدول إلى سوريا للقتال هناك، وكانت السلطات تكتفي بذكر أرقام تقريبية، ولكن تقارير أمنية أشارت مؤخرا إلى أن هذه الأرقام بلغت معدلات قياسية وتشير تلك التقارير إلى أن عدد المقاتلين الأوروبيين الموجودين في سوريا ممن تم إحصاؤهم ما بين 2011 و2013 بلغ ما بين ألف ومائتين إلى ألفي مقاتل من دول أوروبا الغربية وذلك حسب ما ذكرت صحيفة «لوسوار» البلجيكية، وأشارت إلى أن فرنسا على رأس قائمة الدول، إذ يقدر عدد مواطنيها الذين ذهبوا للمشاركة في القتال في سوريا بنحو 412 شابا، تليها بريطانيا حيث قدر العدد بـ366 شخصا. وتضيف التقارير أن بلجيكا تحتل المرتبة الأولى في عملية «تصدير» المقاتلين إلى سوريا، قياسا لعدد السكان في البلاد، فإن بلجيكا هي الأكثر تأثرا في أوروبا، إذ يقدر عدد من ذهبوا للقتال بـ296 شابا، ويقاتل معظم هؤلاء إلى جانب مجموعات إسلامية متشددة بعضها مقرب من تنظيم القاعدة، ما يعزز مخاوف الأوروبيين بإمكانية أن يشكل «العائدون» من المقاتلين خلايا خطرة على الأمن القومي الأوروبي. وتعد كل من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا من أكثر دول الاتحاد الأوروبي تأثرا بظاهرة سفر الشباب للقتال في سوريا. وتضع بريطانيا التحذير الأمني من وقوع هجوم إرهابي عند درجة كبير حاليا، ما يعني أن الهجوم هو احتمال قوي، على سلم من خمس درجات أدناها منخفض وأعلاها حرج.
وتتخوف دول غربية وأوروبية من توجه عدد من مواطنيها للقتال في سوريا، مشيرة أنها ستقوم بمحاسبة من عاد من المقاتلين إليها، بتهمة الانتماء إلى منظمات «متطرفة» محظورة. وتتبادل السلطات والمعارضة الاتهامات حول مسؤولية الأحداث الجارية، وما تلاها من أعمال عنف وفوضى أمنية، فيما تشير منظمات دولية إلى مسؤولية طرفي النزاع عن جرائم حرب خلال الأزمة، لكنها تحمل السلطات المسؤولية الأولى وبدرجة أقل مقاتلي المعارضة، في حين فشل مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى اتفاق على أي قرار يخص الشأن السوري. وفي تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» كان المسؤول الأول عن ملف مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كيرشوف قال: لا توجد أرقام محددة ولكن يمكن أن أقول لك بأن هناك ما يقرب من 700 شخص وهذا عدد كبير جدا إذا ما قارنا ذلك مع محاولات السفر من قبل إلى أفغانستان والصومال وباكستان واليمن، فلم يتم رصد مثل هذا العدد الكبير من قبل، وهذا الأمر يمثل تحديا كبيرا ويطرح السؤال المهم، وهو، كيف يمكن تجنب سفر المزيد من هؤلاء الشباب إلى سوريا للقتال؟ وهذا السؤال هو ما نعمل عليه حاليا، وللإجابة عليه لا بد من العمل في اتجاهات متعددة ومنها التعاون والعمل مع الأقليات والمجتمعات المتعددة لإظهار الطرق المختلفة التي يمكن من خلالها مساعدة السوريين منها مثلا طرق داخل أوروبا وأخرى خارجها مثل تقديم الدعم والمساعدات لمعسكرات اللاجئين ويمكن تقديم الكثير في هذا المجال ونحن نرحب بذلك، ويجب توضيح أن الطريقة المثلى للمساعدة ليست بالذهاب للقتال هناك، وأنه لا داعي للذهاب من أجل ذلك والعمل على مواقع التواصل الاجتماعي لمنع محاولات تسفير المزيد منهم وكذلك مراقبة محاولات السفر المشبوهة.
ويضيف دي كيرشوف لـ«الشرق الأوسط»: ارتفاع عدد الشباب الأوروبي الذي سافر إلى سوريا للمشاركة في القتال بسوريا كان محل نقاش في عدة اجتماعات لوزراء الداخلية والعدل في دول الاتحاد الأوروبي، وجرى بحث التداعيات والمشاكل المترتبة على سفر هؤلاء الذين يذهب البعض منهم للجهاد والبعض الآخر لتقديم مساعدات للجيش السوري الحر وآخرين للالتحاق بجماعة النصرة وغيرها، وهذا أمر مثير للقلق، لأنه بالتالي يتم استقطابهم للآيديولوجية التي تتبعها «القاعدة» والفكر الراديكالي، وسيتعلمون صناعة القنابل والمتفجرات والطرق القتالية المختلفة وبعد عودتهم سيشكلون حالة عدم استقرار، ولهذا جرى خلال الاجتماع الوزاري الأخير، بحث بعض الإجراءات التي تتعلق بتجنب سفر المزيد، وتجريم الخطوات المرتبطة بهذا الأمر، وكذلك تكثيف التعاون مع دول المنطقة القريبة من سوريا. ويضيف كيرشوف: «بالنسبة للإعلام الاجتماعي أو وسائل التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، فهي تلعب دورا كبيرا في هذا الملف والجميع يعلم الدور الذي يلعبه الإنترنت في هذا الأمر، فقد يساعد على نشر التطرف وقد يشكل طريقة للاستقطاب وتجنيد الشباب، وتحقيق التواصل معهم، وأيضا وسيلة لإرسال أموال لتمويل هذه الأمور، ولقد سبق أن قمنا بعدة مشروعات لمواجهة هذه الأمور، ونتحرك في ثلاثة اتجاهات، أولا المراقبة، وقد كلفنا مكتب الشرطة الأوروبية «يوروبول» بإمدادنا بالمعلومات في إطار مشروع يحمل اسم «راقب الموقع»، وتقوم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمراقبة مواقع مختلفة ويتم تبادل المعلومات حول هذا الأمر، وثانيا نقوم بإزالة بعض المواقع على شبكات التواصل الاجتماعي وهي التي تعمل بشكل غير مشروع، وأيضا أي موقع يحرض على القتل والإرهاب لأنه أمر غير مقبول، ولهذا الغرض أيضا نعمل مع القطاع الخاص الناشط في مجال إنشاء المواقع ودعمها وبالتالي يمكن حذف تلك المواقع إذا ثبت أنها تعمل بشكل غير شرعي أو تشكل خطرا وثالثا نقوم بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي ذات الصلة بتنظيم القاعدة وتقوم بتوصيل رسائل يريد التنظيم توصيلها ونعمل على تسهيل توصيل ما يمكن تسميته الرسائل المضادة، وهذا الأمر لا تستطيع الحكومات أن تقوم به بمفردها لعدم توفر الإمكانيات المطلوبة للتعامل مع هذا الأمر، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الموضوع هو كيف يمكن للذين لا يتفقون في الرأي مع «القاعدة» أو لديهم رسالة مخالفة لها بالرد على رسائل «القاعدة» من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي سواء كان هؤلاء داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه، إذن الوسائل لدينا كثيرة وعبر وسائل التواصل والإعلام الاجتماعي للرد على الرسائل التي توجهها «القاعدة».
وكشفت وزارة الداخلية الفرنسية نحو 20 إجراء، بينها خطة لمنع القصر من مغادرة فرنسا من دون موافقة الوالدين، وتشديد الرقابة على المواقع الإسلامية التي تجند مقاتلين، بالإضافة إلى نظام لتشجيع الوالدين على الإبلاغ عن أي سلوك مثير للريبة من أبنائهم.
وقال الرئيس فرنسوا هولاند للصحافيين الأسبوع الماضي «ستتخذ فرنسا كل الإجراءات لإثناء ومنع ومعاقبة كل من يجذبون للقتال في مكان لا يكون لديهم سبب لفعل ذلك فيه». ويقاتل مسلمون سنة متشددون من خارج سوريا إلى جانب مقاتلي المعارضة، وهو ما يثير بواعث قلق الدول الغربية من أخطار أمنية في الداخل. وأقرت بريطانيا العام 2013 قانونا يسهل مصادرة جواز سفر أي شخص تعد أنشطته «الفعلية أو المشتبه بها» تتنافى مع المصلحة العامة. وتقدر فرنسا أعداد مواطنيها الضالعين بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب السورية بنحو 700 شخص.
وفي مطلع الأسبوع الماضي، قال أربعة صحافيين فرنسيين، عادوا من سوريا بعد أن ظلوا رهن الاحتجاز لدى جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام منذ يونيو، إن بعض الخاطفين كانوا يتحدثون الفرنسية. وقال المصدر الحكومي «ستكون هذه خطة شاملة للتصدي لظاهرة تشهد تطورا كبيرا». وأضاف: «تتمثل الفكرة في التعامل مع المشكلة من اللحظة التي يشاهد فيها شخص فيديوهات جهادية في غرفته إلى اللحظة التي يستقل فيها الحافلة، إلى الحدود التركية - السورية».
وكان سبعة أشخاص قتلوا عام 2012 بأيدي مواطن فرنسي يدعى محمد مراح يستلهم نهج تنظيم القاعدة وكانت صحيفة «نيزافيسيمايا غارزيتا» الروسية قد قالت: إن «الحرب الأهلية في سوريا يبدو أنها تحتاج إلى ضحايا جدد، حيث يستخدم الجهاديون شبكات التواصل الاجتماعي لتجنيد مقاتلين من مسلمي بريطانيا».
وأشارت الصحيفة إلى أن «موجة جديدة لتجنيد المقاتلين بدأت على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يوجد نحو 11 ألف مقاتل أجنبي في صفوف (الدولة الإسلامية في العراق والشام) و(جبهة النصرة) منهم ألف و900 من أوروبا و366 بريطانيا، و269 بلجيكيا، و412 فرنسيا، و249 ألمانيا، وغيرها من الدول الاسكندنافية».
ويشير الباحثون البريطانيون إلى أن الأزمة السورية أصبحت أول ساحة قتال في التاريخ يجند لها المقاتلون عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وكانت شرطة اسكوتلنديارد تلقت في الرابع عشر من الشهر الحالي معلومات تفيد بأن أحد سكان برايتون وعمره 18 عاما قتل مؤخرا في سوريا. وكانت تقارير استخبارية كشفت عن وجود أكثر من 200 إرهابي بريطاني يقاتلون إلى جانب المجموعات المسلحة في سوريا.
وقالت متحدثة باسم شرطة ساسيكس لـ«الشرق الأوسط» إن ظروف مقتل عبد الله الدغايس، 18 عاما، لم تتضح بعد ولم يعرف أيضا التاريخ لكن المحققين يقولون: إنه قتل في أبريل، فيما قال والده أبو بكر وهو من أصل ليبي لـ«الشرق الأوسط» بأن لديه ولدين آخرين يقاتلان في صفوف الكتائب المعارضة لنظام الأسد، بينما قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية البريطانية «علمنا بوفاة مواطن بريطاني ونحن نجري تحقيقا حول الحالة» يشار إلى أن عبد الله دغايس هو ابن شقيق عمر دغايس الذي اعتقلته الولايات المتحدة في سجن غوانتانامو بين العامين 2002 و2007 بعد القبض عليه في باكستان بتهم إرهابية.
وكثفت السلطات البريطانية في الأشهر الأخيرة اعتقال أشخاص سافروا إلى سوريا للقتال إلى جانب المجموعات المسلحة وتقدر بريطانيا عدد هؤلاء المسلحين بأكثر من 400 بينهم عشرون قتلوا.
من جهة أخرى, حذر مسؤولون كبار في اسكوتلنديارد وأجهزة الاستخبارات من الخطر الذي يشكله هؤلاء البريطانيون الذين عادوا إلى البلاد بعدما اكتسبوا خبرة من مقاتلي «القاعدة» في حرب العصابات أو ممارسة الإرهاب.
وشكل موضوع تزايد عدد الغربيين الذين يتوجهون إلى سوريا للانضمام إلى المجموعات المسلحة محور اهتمام الدول الغربية خلال الفترة الأخيرة حيث عقدت لهذه الغاية عدة اجتماعات على مستوى عال لمناقشة هذا الموضوع كان آخرها الاجتماع الذي عقد في بولندا مؤخرا وشارك فيه وزراء داخلية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وبولندا.
وتشكل سوريا قاعدة مغرية لهؤلاء المقاتلين لأنها تقدم لها ملجأ آمنا نسبيا بالنسبة للملاذات التي يملكها المتطرفون - بعيدا عن الطائرات من دون طيار في أفغانستان وباكستان - إضافة إلى الوصول بشكل سريع إلى نحو 1200 مسلم أميركي وأوروبي ذهبوا إلى هناك للقتال ويشكلون جنودا محتملين لتنفيذ هجمات لدى عودتهم إلى بلادهم. وقد عبر مسؤولو مكافحة الإرهاب عن مخاوفهم في الأشهر الأخيرة من أن هؤلاء المقاتلين الغربيين يمكن دفعهم إلى التطرف عبر هذه الحرب الأهلية.
وقد خلصت تقديرات استخباراتية سرية جديدة، اعتمدت على معلومات جرى الحصول عليها عبر التنصت الإلكتروني والعملاء والمشاركات في وسائل الإعلام الاجتماعية، إلى أن القيادة العليا لتنظيم القاعدة في باكستان؛ وعلى رأسهم أيمن الظواهري، وضعوا خطة أكثر منهجية طويلة المدى عما اشتهر عنها في السابق من تكوين خلايا محدودة في سوريا من شأنها تجنيد وتدريب هؤلاء الغربيين. وتحركت بالفعل عدة أوروبية في هذا الاتجاه ومنها بلجيكا على سبيل المثال، وتقول البرلمانية البلجيكية فوزية طلحاوي، أن السلطات البلجيكية تحركت في عدة اتجاهات لمواجهة هذا الأمر كما تحركت الدول الأوروبية الأخرى بغرض تنسيق المواقف للتعامل مع هذا الملف، وفي أبريل من العام الماضي قالت وزيرة الداخلية البلجيكية بأن السلطات في بلادها قد بدأت بالفعل في اتخاذ إجراءات وخطوات ترمي إلى منع سفر الشبان الراغبين في الذهاب للقتال في سوريا، وأشارت إلى أن مزيدا من إجراءات التفتيش والتدقيق على سفر الشبان صغار السن إلى دول جوار سوريا قد بدأت بالفعل، وسيكون هناك شروط أكثر صرامة وأيضا سيتم إعادة النظر في الأمر لفرض عقوبة على السفر إلى دول الجوار بغرض القتال في سوريا.
وكان مجلس الوزراء البلجيكي المصغر «الذي يضم الوزارات المعنية» قد اجتمع قبلها بأيام وجرى الإعلان عقب الاجتماع، أن حزمة القوانين والتشريعات المختصة بمحاربة الإرهاب والنافذة حاليا «كافية» لمواجهة التطرف العنيف وكذلك ظاهرة ذهاب الشباب البلجيكي للقتال في سوريا وخلال الاجتماع تم عرض مخطط لمكافحة التطرف قدمته وزيرة الداخلية جويليه ميلكيه، حيث تمت الإشارة إلى ضرورة التركيز على «التوعية ووقاية الشباب من خطر الوقوع في براثن شبكات متطرفة تسعى لتجنيدهم وإرسالهم للقتال» سواء في سوريا أو في مكان آخر، وأوضح بيان صادر عن المجلس الوزاري المصغر أن التشريعات النافذة في بلجيكا في مجال محاربة الإرهاب والتي تمت تقويتها، مؤخرا، تسمح باتخاذ إجراءات وتدابير «حازمة» لمحاربة كافة أشكال التطرف ويتضمن المخطط ست نقاط تتمحور حول العمل على مختلف المستويات المحلية والفيدرالية من أجل محاربة كافة أشكال التطرف العنيف ومحاولات تجنيد الشباب لزجهم في صراعات خارجية، حيث «يتضمن المخطط إجراءات لتشديد الرقابة في المطارات والموانئ على حركة الشبان المسافرين للخارج»، حسب بيان المجلس. وأجمع الوزراء المشاركون في الاجتماع على أهمية رفع مستوى التعاون وتبادل المعلومات مع تركيا بوصفها الدولة التي يتوجه لها الشباب قبل دخولهم الأراضي السورية: «لا بد من تكثيف العمل مع تركيا بشكل أساسي وكذلك مع الدول المجاورة لتسهيل عملية تعقب هؤلاء»، كما رفض المجلس اقتراحا سابقا يقضي بسحب بطاقات هوية الشباب الذين «يشتبه بنيتهم التوجه إلى سوريا»، عادا أن في الأمر تقييدا للحرية الفردية، وتنص التشريعات النافذة في البلاد على تجريم كل شخص ينشر أفكارا متطرفة أو يدعو لأعمال عنيفة أو يشارك في تجنيد أو تدريب آخرين للقيام بأعمال عنف داخل بلجيكا أو خارجها ويقول ربيع شعار مسؤول الجمعية البلجيكية لدعم الثورة السورية، بأننا لسنا بحاجة إلى رجال للقتال في البلاد ولكننا نحتاج إلى مساعدات أخرى فبدلا من سفر هؤلاء للقتال في سوريا يمكن لهم أن يقدموا الدعم للثورة من خلال الوقوف معنا في مظاهرات تطالب بموقف دولي قوي لمساعدة السوريين ويشاركون معنا على شبكات التواصل الاجتماعي في ممارسة كل الضغوط على الحكومات لتقديم الدعم المطلوب للسوريين من مساعدات إنسانية وأسلحة لمواجهة النظام وأضاف الشعار في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أنه كتب على شبكات التواصل الاجتماعي يطالب الأحرار في سوريا بمساعدة هؤلاء الذين سافروا من بلجيكا والدول الأخرى على العودة عبر الأراضي التركية إلى ذويهم، لأن هناك ما يكفي من الرجال في سوريا للقتال ولكن للأسف لا يوجد سلاح كاف ويتناوب أربعة أشخاص على حمل نفس السلاح. ويأتي ذلك بعد أن قال عضو البرلمان البلجيكي دونيس دوكيرم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» بأن بلاده أصبحت مركزا حيويا لتجنيد الشبان وتسفيرهم إلى سوريا للقتال هناك وهناك مجموعات راديكالية تقوم بتجنيدهم، وهذا يمثل مشكلة كبيرة سواء بالنسبة لعائلات هؤلاء الشبان أو بالنسبة للحالة الأمنية أو على الصعيد الاجتماعي، حيث يتدرب هؤلاء هناك على القتال وينضمون لجماعات متشددة ويتعلمون كيفية استخدام أسلحة متنوعة وهذا كله يمكن أن يشكل خطرا على أمن بلجيكا بعد عودتهم، وأشار البرلماني الليبرالي إلى أن الأمر لا يقتصر على بلجيكا فحسب فهناك شبان يتم تجنيدهم وتسفيرهم إلى سوريا يحملون جنسيات أخرى من ألمانيا وفرنسا وهولندا وغيرهم.
وفي دراسة نشرها المركز الدولي لدراسات الراديكالية التابع لـ«كينغز كولج» في لندن مطلع العام الجاري جاء مفادها أن أكثر من 11 ألف مقاتل غير سوري يقاتلون على الأراضي السورية، بينهم مقاتلون أوروبيون وعرب. وكما أشارت الإحصاءات أعلاه فإن المخاوف الأوروبية كانت من ازدياد أعداد المقاتلين الأوروبيين المشاركين في الحرب القائمة في سوريا حاليا، إضافة إلى مخاوف من عودة أولئك المقاتلين ومشاركتهم في عمليات انتحارية في أوروبا أو في أي بقعة من بقع العالم.
المخاوف التي أطلقها المجتمع الغربي جاءت بلغة التشديد بعد أن أعلنت السعودية بأمر ملكي عن معاقبة كل من يذهب للقتال والمشاركة في مناطق الصراع في العالم، وذلك بعد تنامي أعداد العرب الهاربين إلى سوريا للانضمام إلى تنظيمات إرهابية مثل جبهة النصرة أو الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» وغيرها، وكان الأمر الملكي السعودي قد منح المقاتلين السعوديين هناك مهلة شهر يسلمون فيها أنفسهم قبل أن تنفذ العقوبات بحقهم في حال عودتهم، وبعد الأمر الملكي أعلن أكثر من 7 أشخاص عودتهم، 4 منهم ظهروا في لقاءات تلفزيونية يبينون طريقة استغلال التنظيمات الإرهابية في سوريا لهم.
فرنسا استشهدت بموقع السعودية وإجراءاتها ضد مواطنيها الهاربين إلى سوريا للقتال، وجاء ذلك في تصريحات للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حين أعلن حزمة عقوبات تدرسها باريس لمعاقبة مواطنيها الموجودين على الأراضي السورية للقتال.
التحرك السعودي مثلا، جاء بعد تزايد خطورة الوضع في سوريا وتأثيراته المستقبلية على الأمن الإقليمي والعالمي، فحسب إحصاءات شبه رسمية نشرها مركز دراسات الراديكالية المشار إليه أعلاه فإن ما يزيد على 6774 عربيا يقاتلون مع الجماعات المسلحة في سوريا أكثر من 1300 منهم من دول الخليج العربي، بينهم – حسب الدراسة – 1016 سعوديا فيما جاءت سلطنة عمان كأقل دولة خرج منها مقاتل إلى سوريا بمعدل مقاتل واحد فقط.
المخاوف الخليجية والعالمية جاءت كإجراءات احترازية منعا لوقوع هجمات انتحارية من المقاتلين الموجودين على الأراضي السورية، وحتى لا ينتشر سرطان الإرهاب في المنطقة مجددا، بعد أن أنفقت دول العالم مليارات الدولارات لمحاربته، ليعود مرة أخرى، بفكر أكثر تطرفا، وبعناصر من جميع الجنسيات، لا يتنبأ بها أحد.