ذكرت مصادر أمنية غربية يوم أمس أن انتحاريا بريطانيا من تنظيم داعش فجر نفسه في هجوم على القوات العراقية قرب الموصل هذا الأسبوع، قد كان محتجزا في غوانتانامو بين العامين 2002 و2004. وحصل على تعويض من الحكومة البريطانية بعد الإفراج عنه.
وتبنى تنظيم داعش التفجير الانتحاري يوم الاثنين الماضي مؤكدا أن منفذه كان يدعى أبو زكريا البريطاني وهو مواطن بريطاني كان يعرف في الأساس باسم رونالد فيدلر ثم سمى نفسه جمال الدين الحارث. كما نشر المتطرفون صورة للمفجر وهو يبتسم بينما تحيطه أسلاك في مقعد السيارة التي فجرها على ما يبدو، ورصد الأنباء والصورة مركز «سايت» الأميركي المتخصص بمراقبة المواقع المتطرفة.
وأكد شقيق الانتحاري ليون جيمسون أن الصورة التي رصدها مركز «سايت» تعود للحارث. ونقلت صحيفة «ذا تايمز» البريطانية عن جيمسون قوله: «يمكنني أن أعرفه من ابتسامته. إذا كان الأمر صحيحا فلقد خسرت أخا، وبالتالي فقد رحل (فرد) آخر من العائلة». من جهتها، نقلت قناة «4 نيوز» البريطانية عن فرد من العائلة لم تذكر اسمه ومصدر آخر تأكيدهما أن الصورة تعود للحارث.
لكن الحكومة البريطانية أشارت إلى أنها لم تتمكن من تأكيد التقارير. إذ قالت متحدثة باسم الحكومة «نظرا إلى أن جميع الخدمات القنصلية البريطانية معلقة في سوريا، ومحدودة بشكل كبير في العراق، فمن الصعب جدا تأكيد مكان وحالة الرعايا البريطانيين في تلك المناطق»، حسبما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية. كما قال متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمس إنه لا يوجد تأكيد مستقل بأن الانتحاري هو مواطن بريطاني كان معتقلا في سجن غوانتانامو. وأضاف للصحافيين: «لا يوجد تأكيد مستقل لهوية هذا الرجل الذي يعتقد أنه لقي حتفه في الموصل»، حسب رويترز.
وكان كينيث كلارك وزير العدل البريطاني الأسبق قد صرح في عام 2010 بأن بريطانيا توصلت إلى تسوية مدنية مع السجناء البريطانيين السابقين في غوانتانامو لكنها لم تكشف عن حجم المدفوعات مشيرة إلى اتفاقات سرية.
إلا أن صحيفة «ديلي ميل» البريطانية ذكرت أن الحارث قد حصل على 1.25 مليون دولار من الحكومة البريطانية خلال فترة حكومة توني بلير العمالية، بعدما زعم الحارث أن ضباطا بريطانيين كانوا على علم أو كان لهم يد في إساءة معاملة يقول إنه تعرض لها داخل المعتقل.
وسرعان ما أصدر توني بلير بيانا رسميا ينفي أن المليون جنيه الإسترليني جرى دفعه للحارث تحت حكومته، بل إن ذلك تم تحت حكومة الائتلاف بين المحافظين والليبراليين الأحرار بقيادة ديفيد كاميرون.
واعتنق البريطاني من أصل جامايكي المولود عام 1966 والذي يتحدر من مدينة مانشستر في شمال إنجلترا الإسلام في العشرينات من عمره عام 1994. ثم قضى أربعة أعوام في دراسة اللغة العربية وتدريس اللغة الإنجليزية بجامعة الخرطوم بالسودان.
وفي عام 2001 سافر الحارث لباكستان، وبينما هو هناك دفع بعض المال لسائق شاحنة لكي ينقله إلى إيران. وعلى الحدود الأفغانية، ولدى رؤية جواز سفره البريطاني، ألقى حراس طالبان القبض عليه لشكهم في أن يكون جاسوسا بريطانيا. وعند اكتشاف القوات البريطانية الحارث في سجون طالبان بمدينة قندهار قامت بالتوسط للإفراج عنه، وقامت لجنة الصليب الأحمر الدولية بالترتيب لعودته إلى بريطانيا. ومن ثم اعتقلته قوات خاصة أميركية في أفغانستان ونقلته إلى غوانتانامو في 2002 للاشتباه بارتباطه بطالبان وجماعات متطرفة.
وفي وثيقة سرية نشرتها «الغارديان» عام 2011 كانت قد أصدرتها وزارة الدفاع الأميركية في 2003 تفاصيل عن إلقاء القبض على الحارث. وأتى فيها: «تم اعتقال الحارث في غوانتانامو لاشتباهه بالارتباط بطالبان وامتلاكه معلومات استخباراتية عن الجماعة المتطرفة، ولكنه لا ينتمي للجماعة ولا لتنظيم القاعدة».
وأضافت الوثيقة: «قد يكون المعتقل على صلة بمنفذي هجوم إرهابي سابق داخل الولايات المتحدة وهو على صلة ببعض رجالات تنظيم القاعدة وكان على تواصل مع شبكة أسامة بن لادن خلال تواجده في السودان». وتضمنت الوثيقة توصية بعدم إطلاق سراحه.
إلا أنه أطلق سراحه في 2004 بعدما ضغطت حكومة رئيس الوزراء في ذلك الحين توني بلير من أجل الإفراج عنه. وأمضى الحارث فترة عصيبة في إنجلترا، لم يستطع التأقلم مع المجتمع ولا إيجاد وظيفة ملائمة خلالها (بحسب ما كتب الحارث في شهادته على موقع كيدج، المجموعة أسسها معتقل غوانتانامو السابق معظم بيك للدفاع عن حقوق المعتقلين في عمليات مكافحة الإرهاب).
وقرر الحارث، حسب وسائل الإعلام البريطانية السفر إلى سوريا عام 2014 للانضمام إلى تنظيم داعش، ورافقته في رحلته زوجته وأطفاله الخمسة عام 2015 قبل أن يقوموا بالفرار من المناطق الخاضعة لسيطرة «داعش».
وصرحت زوجته للمراسلين أنها غادرت لكي تقنعه بالعودة إلى بلاده، إلى أنه نفذ عمليته الانتحارية الشهر الجاري غربي الموصل.
المدير التنفيذي لمنظمة كويليام: التعويض المدفوع للحارث قد يكون بأيدي «داعش» الآن
* قال آدم دين المدير التنفيذي لمنظمة كويليام لمكافحة التطرف ومقرها لندن إن الأنباء حول جمال الدين الحارث مقلقة فعلا، لكنها أيضا ترسم صورة واضحة لحال التطرف ومكافحته اليوم. وأضاف خلال حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس على أن تعرض الحارث لتعذيب في غوانتانامو واعتقاله هناك لمدة عامين من دون تهمة واضحة، وتعرضه لحلقات تطرف داخل المعتقل كانت جميعها مقومات لعدم تأقلمه مع مجتمعه عند عودته.
لكنه أضاف مستدركا أن تجربته داخل المعتقل التي لم يصدر من بعدها حكم مؤكد حول ارتباطه بالأفكار المتطرفة «أجبرت المملكة المتحدة أن تدفع له تعويضا بمقدار مليون جنيه إسترليني، موله الشعب من ضرائبه، وقد يكون حط بين يدي تنظيم داعش المتطرف الذي يسفك دماء سكان الموصل». وقال: «لو قمنا بمحاكمته في محكمة بريطانية مثلما يحدث عادة، كان لا يزال وراء القضبان اليوم».
وحول سبل مكافحة التطرف وإعادة تأهيل المتأثرين، أكد دين أن «معاقبة المتهمين بالإرهاب بدلا من المحاولة من نهيهم عن الإرهاب من خلال إلهائهم بمحفزات في المعتقل، تعني أن هؤلاء سيستمرون على نهج آيديولوجية التطرف بعد إطلاق سراحهم». وأضاف: «بما أن آيديولوجية (القاعدة) و(داعش) متشابهتان، ليس من المفاجئ أن ينتقل شخص مثله من ولاء لـ(القاعدة) إلى مبايعة لـ(داعش)». ولم يستبعد دين أن التعذيب والأحوال السيئة في غوانتانامو زادت كرهه للغرب.
وعن الحلول لإعادة تأهيل المتطرفين في بريطانيا، رأى دين أنه قد يتحقق ذلك «من خلال توظيف القانون البريطاني لمحاكمة المتهمين بالإرهاب والالتزام بحقوق الإنسان في جميع عمليات مكافحة الإرهاب»، أولا. وثانيا «عن طريق إعادة هيكلة نظام السجون في بريطانيا والتعامل مع المتطرفين بحساسية والتركيز على سبل إعادة تأهيلهم داخل السجن»، ثالثا. أهمية محارب آيديولوجية التطرف بشكل عام وليس فقط «داعش».
انتحاري الموصل «داعشي» بريطاني كان معتقلاً في غوانتانامو
متحدث باسم حكومة المملكة المتحدة: لا يوجد تأكيد أن المنفذ جمال الدين الحارث
انتحاري الموصل «داعشي» بريطاني كان معتقلاً في غوانتانامو
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة