غالبا ما نتساءل في قرارة أنفسنا عن أصول تسمية هذا الطبق أو ذاك. فنحاول ونحن نتناوله أن نحلل شهرته انطلاقا من أسماء شخصيات معروفة أو أماكن عالمية ترتبط به ارتباطا مباشرا على مدى التاريخ. فطبق «شاتو بريان» كما طبق «كاسوليه» وصلصة «بيشاميل» وغيرها، ترسم في خيالنا قصصا لا نستطيع تأكيدها؛ نظرا لعدم علمنا بتفاصيلها الحقيقية. من هذا المنطلق، اخترنا لكم خمسة أطباق عالمية تختزن في تسمياتها قصصا جميلة، تعود بنا إلى المطبخ الفرنسي بشكل عام. فتلقي الضوء على تاريخ أطباق ما زالت تعد من الأهم والأشهر في العالم.
طبق «شاتو بريان»
يعد طبق «شاتو بريان» واحدا من الأطباق الفرنسية الشهيرة، الذي يتألف من قطعة لحم سميكة وطرية. ولهذا الطبق قصة إليكم تفاصيلها.
على شرف سيده الكاتب الفرنسي المعروف «شاتو بريان» اخترع الطاهي مونميراي هذا الطبق اللذيذ.
فبعد سنين عدة أمضاها الكاتب الفرنسي بعيدا عن القصر الملكي الفرنسي بسبب عداوته مع نابوليون، قرر الملك لويس الثامن عشر إعادته إلى القصر بعد أن سماه كواحد من الأسياد النبلاء. هذا الأمر سمح للكاتب الفرنسي أن يعيش في قصر الملك على سجيته. فكان يتردد غالبا على مطبخ القصر، حيث كان يعطي رأيه في الأطباق التي يتم تحضيرها من قبل الطهاة. وفي إحدى المرات اقترح على العاملين في مطبخ القصر تغيير حجم قطع اللحم التي كانت تقدم رفيعة وصغيرة أيام الحرب، ولتصبح أكبر حجما دلالةً على العيش الرغيد الذي يمضيه الفرنسيون خلال حكم الملك المذكور. وطور الطاهي مونميراي هذا الطبق ليتألف من قطعة لحم بقر كبيرة وسميكة من نوع الفيليه الطري. وأطلق عليها يومها اسم «شاتو». بعدها صارت تعرف باسمها الحالي، إلى حين افتتاح مطعم (مانيي) في شارع (contres carpe Dauphine)، الذي اشتهر بتقديم هذا الطبق في عام 1862. وحقق هذا الطبق شهرة واسعة في فرنسا بعد أن صار يقدم مع قطع البطاطا الصغيرة المحمرة.
صلصة «البيشاميل»
تتنافس ربات المنازل على تحضير صلصة البيشاميل بأفضل طريقة، فهذه الصلصة التي نضيفها إلى أطباق المعكرونة والدجاج و«الغراتان»، تضفي إليها طعما لذيذا بعد أن صارت وصفتها مندرجة على مائدتنا العربية.
ويرتبط اسم هذه الصلصة المعروفة في العالمين الغربي والعربي بالماركيز الفرنسي لويس بيشاميل. فحسب ما يتردد تاريخيا، أن الطاهي الذي كان يعمل لدى ابنه في المطبخ يقف وراء اختراعها.
وفي تفاصيل القصة، أن الماركيز استطاع جمع ثروة طائلة بين عامي 1648 و1652؛ مما أتاح له الفرصة لشراء خدمات أحد أهم طهاة شقيق الملك لويس الرابع عشر. ولتفوقه بعمله في المطبخ صار يعرف هذا الطاهي بالماركيز نوانتيل، واسمه الحقيقي «شارل فرنسوا أوليه». وأثناء قيامه بعمله الجديد لدى ابن لويس بيشاميل لاحظ نوانتيل أنه شخص غير محبوب في القصر، إلا من قبل زوجة الابن فالنتين. فهذه الأخيرة كانت معجبة بأطباق الشيف الجديد، هي المعروفة بشغفها في تحضير الطعام، حيث كانت تقف على كل شاردة وواردة في مطبخها، وكذلك كان زوجها الذي تربطه بها قصة حب قوية. وتكريما لها وليكسب المزيد من رضاها ابتكر الطاهي نوانتيل هذه الصلصة الدسمة لتستخدمها سيدة القصر مكونا جديدا في الأطباق التي تقدمها لمدعويها. ويحكى أن آخر طبق تناولته فالنتين في حياتها كان بمناسبة عيد زواجها الذهبي (في ذكرى مرور 50 عاما)، وكان مرفقا بصلصة البيشاميل، وأن زوجها ولشدة حزنه عليها رحل هو أيضا بعد مرور سنوات قليلة على وفاتها.
كريم «شانتيه»
لطالما شكلت كريمة «شانتيه» مكونا أساسيا في صناعة الحلويات وتزيينها. فمذاقها الخفيف المطعم بالفانيلا، يرافق أصنافا كثيرة من قوالب الكيك، كما أنه يقدم مع الفواكه الطازجة كالفراولة.
ويعود ابتكار هذه الكريمة اللذيذة، المعروفة بطعمها الطيب والخفيف، إلى الطاهي الفرنسي فرنسوا فاتل. فرغم أن الملكة كاترين دي ميدسيس عرفت بحبها لهذه الكريمة البيضاء الرخوة؛ إذ كانت توعز للطهاة في قصرها بأن يخفقوها بأغصان شجر الوزال، إلا أن الطاهي فاتل وفي إحدى المناسبات التي كان قد دعا إليها الماركيز الفرنسي نيقولا فوكيت الملك لويس الرابع عشر إلى مائدته، قدم هذه الكريمة بعد أن خفقها بأغصان شجر البقس؛ مما زودها بشكل جميل يسيل لها اللعاب. وبعد سنوات قليلة تم نفي الطاهي الفرنسي إلى إنجلترا ومن ثم إلى بلجيكا، ليعود منها وينخرط في جيش الملك واحدا من أفراده في قصر شانتيه الفرنسي، حيث توفي بعد مضي عشر سنوات على خدمته هناك. ومنذ ذلك الوقت اتخذت هذه الكريمة التي تستعمل في الحلويات اسم «شانتيه» نسبة إلى القصر الذي عاش فيه الطاهي.
حلوى «بابا أو روم»
ترافقنا هذه الحلوى منذ صغرنا فشكلها الجميل المكلل بكريمة «الشانتيه» والمزينة بحبة الكرز، لطالما كانت تدغدغ خيالنا في كل مرة وقفنا فيها أمام إحدى واجهات الباتيسري، ممنين النفس بتذوقها. وقد عرفناها على موائدنا؛ إذ كانت أمهاتنا تتمسك بتقديمها لضيوفها؛ كونها تندرج على لائحة الحلويات الفاخرة التي «تبيّض الوجه» كما يقولون في لبنان. أما قصة هذا الطبق فتعود إلى ملك أوروبي، إليكم تفاصيلها.
فبعد انسحابه من أراضي الـ«لورين» في عام 1720 قرر ملك بولونيا ستانيسلاس كيزينسكي، أن يتقاعد وأن يمضي وقته في ممارسة هوايته المفضلة، ألا وهي تحضير أطباق الطعام في مطبخه. وكانت غالبية تلك الأطباق تعود أصولها إلى بلده الأم بولونيا أو النمسا. وفي إحدى المرات عندما كان يحاول ابتكار حلوى جديدة أخرج قالب الكيك الذي كان يحضره من الفرن ونثر عليه مباشرة السكر، ورش عليه الشراب المعطر بعد أن عرضه إلى الاشتعال (Flambe). أعجب الملك بالحلوى التي أعدها وأطلق عليها اسم «علي بابا» مستعيرا إياه من قصص «ألف ليلية وليلة».
بعد مرور سنوات عدة، وصل باريس اختصاصي الحلوى Sthore القادم من بلدة لونفيل الفرنسية من منطقة اللورين، واستقر في أحد شوارعها «مونتورغاي» محاولا تطوير هذه الحلوى التي أعجب بطعمها، فقرر أن يغطسها بالشراب المعطر بدلا من أن يرشه عليها. حقق ابتكاره هذا نجاحا مدويا في فرنسا وعدل في تسميته ليصبح «بابا أو روم» بدلا من «علي بابا». اليوم اختصر الفرنسيون هذه التسمية لتتحول إلى لفظة «بابا» فقط، التي تشير مباشرة في محال الباتيسري الفرنسية إلى هذا الابتكار بالذات.
طبق الـ«كاسوليه»
لا يختلف طبق «كاسوليه» عن أطباق اليخني التي نحضرها في بلادنا، ولا سيما تلك المؤلفة من حبوب الفاصوليا الحمراء. وبعض اللبنانيين ما زالوا يطلقون عليها اسم «كاسوليه» بعد أن ورثوه من أجدادهم الذين عاشوا أيام الانتداب الفرنسي في لبنان. ويتفنن اللبنانيون في تحضير هذا الطبق؛ إذ يحضرونه أحيانا مع الدجاج، إلا أن وصفته الأصلية ترتكز على استخدام لحم البط.
يروى أن هذا الطبق الشهير في جنوب غربي فرنسا، تم ابتكاره أثناء حرب المائة العام التي فرضها البريطانيون على فرنسا.
فعندما لامست المجاعة أهل بلدة كاستلنوداري (في جنوب فرنسا) قرروا مجتمعين أن يساهموا في صنع طبق طعام يقيهم الجوع، داعين الناس أن يتقدموا بما لديهم من أصناف خضراوات وحبوب. وفي البداية تألف هذا الطبق من الفول والفاصوليا البيضاء. بعدها تطور لتدخله أصناف الفاصوليا على اختلافها «أبيض وأحمر»، التي يتم نقعها قبل يوم من عملية طهيها لتصبح أكثر طراوة. بعدها أضيف إليها لحم الطيور «البط» ليزوده بطعم لذيذ ودسم معا.
اليوم، يتم تحضير هذا الطبق مع قطع من لحم البقر مع بعض أنواع الخضراوات، كاللوبياء والبطاطا والجزر، إضافة إلى الفاصوليا، وذلك حسب الرغبة. وعادة ما يحلو تناول هذا الطبق في فصل الصيف أثناء موسم الحصاد فتكون مكوناته طازجة.