أضواء على نزاع شرق أوكرانيا

مواجهة بين قوى دولية بأيدٍ محلية

أضواء على نزاع شرق أوكرانيا
TT

أضواء على نزاع شرق أوكرانيا

أضواء على نزاع شرق أوكرانيا

لم تنجح الجهود التي بذلتها قوى دولية على مدار 3 سنوات تقريبًا في إخماد نيران النزاع المسلح في مناطق «الدونباس» بجنوب شرقي أوكرانيا، لا سيما في مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك. ومنذ مطلع العام الحالي تصاعدت حدة التوتر، وفي النصف الأول من فبراير (شباط) تجددت المواجهات المسلحة هناك بين القوات الأوكرانية التي تحاول استعادة السيطرة الحكومية على المقاطعتين، والميليشيات المحلية المسلحة المدعومة من موسكو هناك، التي تصر على تسوية تضمن لسكان المنطقة حقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية والقومية. ومع أن الأطراف المنخرطة بصورة مباشرة في النزاع الأوكراني قوى أوكرانية، فإن العنوان العريض لما تشهده أوكرانيا من توتر منذ استقلالها عام 1991 وحتى اليوم هو «مواجهة بين روسيا والغرب على النفوذ في أوكرانيا».
تشكل المعارك العنيفة الدائرة حاليًا في مناطق جنوب شرقي أوكرانيا بين القوات الحكومية والميليشيات المحلية، نتيجة لمواجهة سياسية تكمن في جذورها عوامل تاريخية وأخرى قومية، تتصل بطبيعة البنية القومية داخل الدولة الأوكرانية.
في الشق السياسي يمكن القول إن بدايات النزاع المسلح الحالي نشأت منذ استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي عام 1991. ففي تلك المرحلة كانت النخب السياسية الحاكمة في أوكرانيا، كما في روسيا ذاتها، تعتقد أن «الحرب الباردة» قد ولت بلا رجعة، وأن المواجهة العالمية انتهت، ودخل العالم مرحلة الشراكة عوضًا عن المواجهة بين الأحلاف.
ضمن هذه الرؤية، أقر مجلس الرادا (البرلمان) الأوكراني عام 1993، وثيقة «التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية الأوكرانية» التي جاء فيها: «في ظل تلاشي المواجهة بين الأحلاف في أوروبا، تأخذ الأولوية مشكلة وضع بنى للأمن الأوروبي العام، على أرضية المؤسسات الدولية الموجودة، مثل مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، ومجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية، والناتو، واتحاد أوروبا الغربية». وتضيف تلك الوثيقة أن «إعلان أوكرانيا نيتها أن تصبح مستقبلاً دولة على الحياد خارج الأحلاف، يجب أن يتكيّف مع الظروف المستجدة، ولا يمكن اعتباره عقبة أمام مشاركتها التامة في بنى الأمن الأوروبي».
* سياسة قائمة على التوازن
حينذاك عكست وثيقة التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية الأوكرانية، رغبة النخب الحاكمة في تبني سياسة قائمة على التوازن في العلاقة بين روسيا والغرب، وبموازاة الحفاظ على العلاقات التاريخية مع «الجارة» روسيا، فتحت أوكرانيا، كما فعلت معظم الجمهوريات السوفياتية السابقة، الأبواب أمام تعاون نوعي مع البنى السياسية والعسكرية الأوروبية، باعتبار ذلك الانفتاح من متطلبات المرحلة، فضلاً عن ذلك لم تكن مسألة التعاون مع حلف شمال الأطلسي (ناتو) تشكل حساسية بالنسبة لروسيا، التي انطلقت في سياستها من تعهدات يقول الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف إن قادة الغرب قدموها للوفد السوفياتي خلال المحادثات حول توحيد ألمانيا، بأن حلف «الناتو» لن يوسع انتشاره العسكري على أي متر من دول أوروبا الشرقية، التي كانت تابعة لحلف «وارسو».
على الرغم من ذلك، برز في تلك المرحلة العامل القومي بقوة على الساحة الأوكرانية، وبدت البلاد منقسمة بين غرب وشرق، حيث الأغلبية في مناطق غرب أوكرانيا أوكرانيون تاريخيًا، يتكلمون اللغة الأوكرانية، ومتعصبون قوميًا ينظرون بعداء نحو روسيا، وذلك كله تحت تأثير عوامل تاريخية عدة؛ منها أن تلك المناطق كانت في مراحل مختلفة جزءًا من بولندا، ومن ثم ليتوانيا، والإمبراطورية النمساوية - المجرية. وفي التاريخ الحديث يُتهم البعض من سكان تلك المناطق بالتعاون مع القوات النازية والمشاركة في حملات التنكيل بحق المواطنين. أما مناطق شرق أوكرانيا فغالبية سكانها من الروس تاريخيًا. وفي مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي كانت النسبة السكانية 22 في المائة من المواطنين الأوكرانيين، بينما يشكل الناطقون بالروسية 31 في المائة من السكان. ويختلف الوضع بالنسبة لشبه جزيرة القرم، التي كانت حتى عام 1954 تابعة لروسيا الاتحادية، حيث يشكل المواطنون الروس أغلبية ساحقة هناك.
* شرق... وغرب
حالة الانقسام القومي هذه برزت سياسيًا على شكل انقسام بين تأييد واسع في مناطق غرب أوكرانيا لنهج الابتعاد عن الشراكة مع روسيا والتوجه نحو التكامل مع الغرب، وتأييد في مناطق الشرق للعكس تمامًا. وتظهر نتائج الانتخابات الرئاسية الأوكرانية عام 1994 ذلك الانقسام بوضوح، حين حصل الرئيس الأوكراني حينها ليونيد كرافتشوك، الذي قدم نفسه كشخصية قومية على أصوات الناخبين في 12 مقاطعة في غرب البلاد، بينما حصل ليونيد كوتشما، الذي تلقى دروس محادثة باللغة الأوكرانية، على تأييد 13 مقاطعة في شرق البلاد، وفاز حينها كوتشما بنسبة 52 في المائة من إجمالي أصوات الناخبين.
وتركت مواجهة النخب السياسية على نهج السياسة الخارجية الأوكرانية أثرًا مباشرًا على العلاقات بين شرق وغرب البلاد، وعززت حالة الانقسام القومي بينهما بانقسام سياسي وحالة احتقان، كانت تتصاعد تدريجيًا من عام لآخر، على ضوء خطوات الرئاسة الأوكرانية في مجال التقارب مع «الناتو».
وكان لافتًا أن التحولات الجذرية في هذا المجال شهدتها أوكرانيا في عهد الرئيس كوتشما (1994 - 2004)، إذ انضمت أوكرانيا إلى برنامج «الناتو» (شراكة من أجل السلام)، وأخذ التعاون يتوسع بين الجانبين، إلى أن تم تعديل الوثيقة «حول التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية الأوكرانية» عام 2013، وجاء فيها أن «أوكرانيا تمارس سياسة خارجية نشطة بهدف الحصول على عضوية في حلف شمال الأطلسي». وبعد عام تقريبًا، في صيف عام 2014، أدخل الرئيس كوتشما تعديلات على «العقيدة العسكرية الأوكرانية»، تضمنت الإعلان بوضوح عن رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى «الناتو» باعتباره «ضمانة الأمن في أوروبا». إلا أن كوتشما، الذي كان يستعد لترك منصب الرئاسة، أدرك على ما يبدو أن مسألة العضوية في حلف شمال الأطلسي، قد تؤدي إلى نزاع داخلي، وفاجأ الجميع خلال قمة لـ«الناتو» في إسطنبول، بإعلانه أن أوكرانيا ليست مستعدة للعضوية في الحلف، ومن ثم أصدر مرسومًا ألغى فيه من العقيدة العسكرية للبلاد الفقرة التي تنص على أن هدف السياسة الخارجية الأوكرانية هو الحصول على عضوية في «الناتو».
* بين روسيا والغرب
إلا أن قرار كوتشما جاء متأخرًا على ما يبدو، حيث طفا على السطح بوضوح في أوكرانيا جدال حول «التوجه نحو الناتو أم نحو روسيا»، وبرز ذلك خلال الانتخابات الرئاسية عام 2004، التي تنافس فيها فيكتور يانوكوفيتش ممثلاً لنهج التقارب مع روسيا وفيكتور يوشينكو ممثلاً لنهج التكامل مع الغرب.
في الجولة الأولى من الانتخابات، حصل يوشينكو على 39.87 في المائة من الأصوات، وحصل يانوكوفيتش على 39.32 في المائة، ونظرًا لعدم تجاوز أي منهما نسبة 50 في المائة زائد صوت، أجريت جولة ثانية. ويمكن القول إن الانتخابات الرئاسية عام 2004 شكلت الشرارة الأولى للمواجهة السياسية الحادة في أوكرانيا، التي تفاقمت خلال 10 سنوات، إلى أن أخذت شكل نزاع مسلح جنوب شرقي البلاد. في تلك المرحلة، لم تُخفِ روسيا دعمها الكبير جدًا للمرشح يانوكوفيتش، زعيم حزب الأقاليم، ولقد عبر عن هذا الدعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أجرى عدة زيارات إلى أوكرانيا، وكان سباقًا في تهنئة يانوكوفيتش بعد الانتخابات وقبل الإعلان عن النتائج الرسمية للانتخابات.
تفجرت المواجهة السياسية في أوكرانيا حين أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات عن فوز فيكتور يانوكوفيتش، بينما رفض فيكتور يوشينكو قبول النتائج، واتهم خصمه بالتلاعب بالأصوات، وشهدت العاصمة كييف حركة احتجاجية واسعة، أصبحت لاحقًا تُعرف باسم «الثورة البرتقالية».
إثر ذلك جرت إعادة للانتخابات الرئاسية، وفاز فيها يوشينكو، بينما ترأس يانوكوفيتش المعارضة البرلمانية ممثلة بحزبه «حزب الأقاليم» والحزب الشيوعي الأوكراني، وقوى أخرى. وفي عام 2006 أصبح يانوكوفيتش رئيسًا للحكومة الأوكرانية، كونه زعيم الأغلبية البرلمانية. وبعد أزمة برلمانية حادة، وقع كل من الرئيس ورئيس الحكومية ورئيس البرلمان، وقادة الكتل البرلمانية الكبرى وثيقة بعنوان «الوحدة الوطنية» حددت أن أوكرانيا ستواصل تعاونها مع «الناتو»، إلا أن مسألة عضويتها في الحلف يتم إقرارها بموجب استفتاء عام، يجري بعد أن تنفذ أوكرانيا كل الشروط المطلوبة للحصول على العضوية. ورغم ذلك، حاولت القوى الداعية إلى التكامل مع الغرب، الدفع نحو تفعيل العمل بموجب خطة العضوية في «الناتو»، وذلك حين تولت يوليا تيموشينكو رئاسة الحكومة عام 2007، إلا أن تلك المحاولات لم تأتِ بنتيجة.
* الضغط الروسي
طيلة تلك السنوات كانت روسيا تبذل محاولات للتأثير على الوضع في أوكرانيا، وانفتحت على الحوار مع يوليا تيموشينكو وقبلها مع فيكتور يوشينكو، وأكدت رغبتها بتوسيع التعاون بين البلدين، دون تدخل خارجي، لكن على أساس أخذ كل طرف لمصالح الآخر بالحسبان، في إشارة إلى أن عضوية أوكرانيا في «الناتو» تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن روسيا ومصالحها. إلا أن تلك المحاولات لم تنجح في تغير الوضع.
وفي عام 2010، تجددت المواجهة عبر صناديق الاقتراع بين النهجين في أوكرانيا، وترشح فيكتور يانوكوفيتش للرئاسة، بينما كانت يوليا تيموشينكو المرشحة الأبرز عن تيار نهج التكامل مع الغرب، الذي شهدت صفوفه تصدعات، انعكست بصورة مباشرة على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حيث حصلت تيموشينكو على 25.05 في المائة من الأصوات، بينما حصل يانوكوفيتش على 35.32 في المائة من الأصوات. ومن جديد، جاءت نتائج الجولة الثانية لتعكس مدى الانقسام داخل أوكرانيا بين التيارين السياسيين، مع الخلفية القومية لذلك الانقسام، إذ فاز يانوكوفيتش بالرئاسة حاصلاً على 48.95 في المائة من الأصوات، أي بفارق ضئيل نسبيًا عن منافسته تيموشينكو التي منحها 45.47 في المائة من الناخبين أصواتهم. وكالعادة، كانت أصوات مقاطعات الشرق من حصة يانوكوفتيش، والغرب من حصة تيموشينكو.
واستهل يانوكوفيتش رئاسته الثانية بقرار إلغاء كل اللجان الحكومية المتخصصة في مجال إعداد أوكرانيا للعضوية في «الناتو»، ومن ثم قام في عام 2013 بإلغاء البرنامج الوطني لتهيئة أوكرانيا للعضوية في الحلف. وتزامن هذا مع استمرار الصراع السياسي الحاد داخل البلاد. إلا أن الأزمة تفجرت عام 2014 حين رفض يانوكوفيتش توقيع اتفاقية «الشراكة الانتسابية» مع الاتحاد الأوروبي، وهي اتفاقية تمهيدية للحصول على عضوية في الاتحاد. واتخذ يانوكوفيتش قراره بعدما رفض الاتحاد الأوروبي منح أوكرانيا، التي يمر اقتصادها بأزمة خانقة، أي قروض في إطار خطوات إعادة بناء الاقتصاد الأوكراني وفق المعايير الأوروبية. بالمقابل منحته موسكو قرضًا بقدر 15 مليار دولار.
إثر ذلك القرار، نظم خصوم يانوكوفيتش احتجاجات واسعة في المدن الأوكرانية، وبصورة خاصة في العاصمة كييف. وتميزت احتجاجات فبراير عام 2014 عن سابقاتها بالعنف، حيث شهدت بعض الساحات مواجهات مسلحة قام خلالها قناصة ومسلحون بإطلاق النار على عناصر الأمن، كما سقط في تلك المواجهات أعداد كبيرة من المحتجين.
فضلاً عن ذلك، برزت مشاركة واضحة في الاحتجاجات من جانب تيارات قومية متطرفة جاءت من غرب البلاد، بما في ذلك جماعات يمينية مسلحة، ترفع شعارات معادية لروسيا ووجهت تهديدات لكل من يتكلمون اللغة الروسية في أوكرانيا. وقام هؤلاء بالسيطرة على المقار الحكومية في العاصمة، وفي مختلف المقاطعات والأقاليم، بقوة السلاح. ومع أن الرئيس يانوكوفيتش توصل إلى اتفاق لحل الأزمة مع المعارضة، فإن الأمور لم تستقر، وغادر الرئيس العاصمة كييف، بينما أعلنت قوى المعارضة عن تعيين ألكسندر تورشينوف قائمًا بأعمال الرئيس. وكانت أول خطوة أقدم عليها تورشينوف أن عرض على البرلمان الأوكراني مشروع قانون يلغي القانون حول «ضمان الحق باستخدام اللغات المحلية في الأقاليم»، مما يعني حظر استخدام اللغة الروسية.
وبينما كانت مناطق غرب ووسط أوكرانيا تعرب عن دعمها للسلطات الجديدة، لا سيما بعد تشكيل برلمان جديد قوامه من قوى «التكامل مع الغرب وأوروبا»، وقف سكان مناطق «الدونباس» - حوض نهر الدونيتس - ضد تلك السلطات، في الوقت الذي أعلنت فيه موسكو أن تلك السلطات ليست شرعية وسيطرت على السلطة عبر العنف. وشعر أبناء مناطق جنوب شرقي أوكرانيا بتهديد مباشر على خلفية صعود قوى يمينية متطرفة إلى واجهة المسرح السياسي في أوكرانيا، وعمت مدن تلك المناطق احتجاجات، حيث قام المحتجون بالسيطرة على المقار الحكومية في مدن خاركوف ودونيتسك ولوغانسك، ورفعوا على بعضها الأعلام الروسية. وسرعان ما أصبحت غالبية تلك المدن خارجة عن سيطرة كييف، بينما أعلنت القوى السياسية المحلية عن تشكيل قوات دفاع ذاتي، وأعلنت نفسها «جمهوريات» مثل «جمهورية لوغانسك» و«جمهورية دونيتسك».
* احتجاجات القرم
إلا أن أهم ما جرى في تلك المرحلة (فبراير – مارس/ آذار 2014) كانت الاحتجاجات في شبه جزيرة القرم، وسيطرة المحتجين على السلطة هناك، ورفضهم الاعتراف بشرعية السلطات الجديدة في كييف. ولم تكن موسكو بعيدة عن تلك الأحداث، ذلك أن المنطقة تشكل أهمية كبرى لروسيا، التي تشكل مدينة سيفاستوبل (سيباستوبول) مقرًا لأسطولها في البحر الأسود، وهو المخرج الوحيد للقوات البحرية الروسية القريب من المتوسط، فضلاً عن ذلك، يحمل غالبية سكان القرم جنسيات روسية، كما أن روسيا تعتبر القرم جزءًا منها تاريخيًا. لذلك لم يتوانَ الرئيس الروسي بوتين عن تلبية طلب سلطات القرم بالمساعدة، وعرض على المجلس الفيدرالي الروسي طلبًا للسماح باستخدام القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية.
وبمساعدة روسية جرى تنظيم استفتاء في شبه الجزيرة في 16 مارس، أعرب فيه غالبية السكان عن رغبتهم في الانفصال عن أوكرانيا والانضمام إلى قوام الاتحاد الروسي. وفي 18 مارس، تم قبول القرم وسيفاستوبول كيانين جديدين في قوام الاتحاد الروسي. وجرى ذلك كله في ظل انتشار عسكري روسي واسع في شبه الجزيرة.
في تلك الأثناء، أخذت المواجهات جنوب شرقي أوكرانيا طابع التصعيد العسكري، وأعلنت سلطات كييف عملية خاصة لاستعادة السيطرة على مناطق «الدونباس»، فأرسلت القوات المسلحة، ومعها مجموعات قومية مقبلة من غرب البلاد، شاركت وما زالت تشارك في الهجمات على مدينتي لوغانسك ودونيتسك والمناطق التابعة لهما. وشهدت المنطقة بعض الهدوء إثر توصل قادة روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا إلى اتفاق للتسوية يعرف باسم «اتفاق مينسك» (نسبة لعاصمة جمهورية بيلاروسيا/ روسيا البيضاء).
إلا أنه رغم ذلك تشهد المنطقة تفجرًا للعنف من حين لآخر، وسط تبادل اتهامات بين الطرفين بانتهاك «اتفاق مينسك». ومنذ 29 فبراير، تجددت مواجهات عنيفة على طول 50 كم من خطوط التماس بين الجانبين. وأصدرت لجنة المراقبين التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تقريرًا حول تدهور الوضع هناك، طالبت فيه «القوات الانفصالية الروسية»، في إشارة إلى المسلحين في مناطق جنوب شرقي أوكرانيا، طالبتهم بالعودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار. ولقد أثارت هذه العبارات استياء موسكو، التي رفضت على لسان دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين «تقديرات المنظمة حول مشاركة المقاومة في الدونباس بخرق وقف إطلاق النار»، ووصف ما يجري هناك بأنه «عمل استفزازي من جانب القوات الأوكرانية».
ولم تكن المواجهات المسلحة بعيدة عن المواجهة السياسية، إذ أعلن الرئيس الأوكراني الحالي بيوتر بوراشينكو عن نيته إجراء استفتاء عام حول عضوية بلاده في «الناتو»، متوعدًا باتخاذ كل الخطوات الضرورية لذلك. وفي أول رد فعل من مناطق جنوب شرقي أوكرانيا، حذر ألكسندر زاخارتشينكو، رئيس «جمهورية دونيتسك الشعبية»، التي أعلن قادة محليون عن تأسيسها، من أن «محاولات إجراء استفتاء حول عضوية أوكرانيا في الناتو، ستعني تخلي كييف نهائيًا عن مناطق الدونباس». أولاً لأن «الدونباس» لن تشارك في الاستفتاء، وثانيًا لأننا قلنا أكثر من مرة إن أحد أهم مطالب «الدونباس» هي أننا ندعو إلى علاقات صداقة وتحالف مع روسيا كحد أدنى، مما يعني ضد «الناتو»، حسب قوله.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.