رغم أن أصول الفلفل الحار التاريخية تعود إلى المناطق الوسطى من الأميركتين، فمن غير المستغرب أن تكون الهند اليوم إلى حد كبير هي أكبر دولة منتجة له على مستوى العالم. إلى جانب ذلك، يوجد فلفل «بهوت جولوكيا»، وهو أكثر أنواع الفلفل الحريف قوة في العالم في الهند، وعندما يتعلق الأمر بالبلد الذي تتسم أطباقه بأنها الأولى في النكهة الحريفة، ستكون الهند هي أول دولة تخطر بالبال.
في هذه السلسلة الخاصة بالطعام، سنصطحب قراءنا في رحلة استكشافية بين أكثر مطابخ الهند سخونة، مع أطباق حارة تلهب الألسنة إلى درجة الاحتراق. ويعد الطعام، الذي يوجد في ولاية أندرا براديش الجنوبية، هو الأكثر شهرة باستخدام أنواع التوابل الحارة الحريفة، ويقل فيه استخدام الصوص والزبد، بينما يكثر فيه استخدام الفلفل الحار الذي قد يجعلك تتنفس بصعوبة.
* مطبخ ولاية أندرا براديش
نظرًا لأن ولاية أندرا براديش هي الأكثر إنتاجًا للفلفل الحار، والأرز في الهند، أكثر الأطباق انتشارًا في أغلب أنحاء الولاية هي تلك القائمة على الأرز، التي يُضاف إليها مجموعة متنوعة من البهارات حتى تجعل نكهتها مزيجًا من النكهة الحارة الحريفة واللاذعة، رغم أن الوصفات قد تختلف من منطقة لأخرى في الولاية نفسها، وكذلك تختلف باختلاف مذاقات وتقاليد الأشخاص الذين يعدّونها.
مع تنوع الوصفات بين الأطباق النباتية وغير النباتية، ورغم أنك ستتحير في الاختيار بين عددها الكبير، تشترك هذه الأطباق جميعها في كونها الأطباق ذات النكهة الحريفة الأقوى في الهند. كان للمسلمين، الذي وصلوا إلى ولاية أندرا براديش في القرن الرابع عشر، تأثير كبير عليها، حيث تحتوي أكثر الأطباق على اللحم، سواء كان لحم دجاج، أو لحم ضأن، أو سمك، مع كمية وفيرة من البهارات والدسم. ويعد البرياني أحد أشهر الأطباق غير النباتية في مطبخ الولاية.
على الجانب الآخر، يوجد في ولاية أندرا براديش الكثير من الأطباق النباتية أيضًا، حيث يستخدم الأرز في إعداد بعض الأطباق بعدة طرق مختلفة. ويمكن غلي الأرز، وتناوله مع الكاري، أو إعداده كعصيدة في أطباق مثل «أتو» أو «دوساس». كذلك يتم إعداد الخضراوات بطرق متنوعة مع استخدام أنواع مختلفة من البهارات، التي تمنح هذه الأصناف نكهة قوية متفردة تحمل بصمة طعام الولاية. بإيجاز يمكن القول إن المطبخ في هذه الولاية حريف حقًا.
ويعد الدجاج بالفلفل الحار أحد الأمثلة التي توضح وجود الفلفل الحار بقوة في هذا المطبخ، حيث يحتوي طبق الدجاج الحار على كمية كبيرة من الفلفل الحار. وقبل نقع الدجاج ووضعه على النار الهادئة في عجين الفلفل الأخضر، يتم ذبح الدجاجة، وحشوها بالفلفل الأخضر. ولا يحتاج المرء إلى أي معرفة المزيد ليقتنع بأن ولاية أندرا براديش هي الولاية الأولى في استخدام الفلفل الحار في مطبخها.
* لماذا هي الولاية الأولى في قوة النكهة الحريفة؟
تخبرنا أسطورة محلية بأنه حدثت مجاعة شديدة ذات يوم في المنطقة، وكان النبات الوحيد الذي ينمو جيدًا هو الفلفل الأحمر الحار. وتعد الولاية هي المصدر الرئيسي لفلفل غونتور الأحمر الحار، الذي يستخدم لإضافة نكهة قوية إلى المطبخ في هذه الولاية. وهناك تفسير أكثر واقعية يقدمه لنا خبراء في التغذية، حيث يقولون إن ارتفاع درجة الحرارة في هذه الولاية يجعل سكانها أكثر عرضة للإصابة بأمراض في المعدة. ويمكن العثور على نموذج مماثل في ولاية راجستان الصحراوية في شمال الهند.
وأوضح بحث تم إجراؤه في جامعة كورنيل أن من أسباب حب دول كثيرة ذات مناخ دافئ للطعام الحريف هو أن الطعام الحريف يساعد على مقاومة الكائنات الدقيقة التي تفسد الطعام، والبكتريا التي قد يحملها الطعام. في المناخ الدافئ خاصة قبل اختراع الثلاجات، كان احتمال بقاء البكتريا، التي يحملها الطعام، أكبر من احتمال بقائها في المناخ البارد. وفي دراسة أميركية حديثة، وفي محاولة لمقاومة بكتريا السالمونيلا، البكتريا التي تسبب التسمم الغذائي، قامت أودري ماكلروي من جامعة فيرجينيا تيك، في بلدة بلاكسبرغ، في إضافة مادة الكبساسين إلى طعام بعض الدجاج، التي تمنح الفلفل طعمه الحار الحريف، ثم تم حقن الطيور بالسالمونيلا.
وتبين أن الطعام الحار قد ساعد في الحد من عدد الطيور المصابة بهذه البكتريا في أعضائها الداخلية بمقدار النصف تقريبًا مقارنة بالمجموعة التي تناولت طعامًا معتادًا. ومن الأسباب الأخرى هي أن تناول الطعام الحريف يخفف درجة حرارة الجسم، أو على الأقل يجعلك تشعر بذلك، فهو يحفز التعرق، ومع تبخر العرق يبرد الجلد. كذلك من مميزات الفلفل الحار أنه يحفز إفراز الإندروفين ويزيد الرغبة الجنسية.
* فلفل غونتور
أكبر سوق للفلفل الحار في آسيا في غونتور في دلتا كريشنا في ولاية أندرا براديش. ويدين مطبخ ولاية أندرا براديش بمكانته المميزة للفلفل الحار المدخن، والنكهة التي يمنحها للطعام. الأهم من ذلك هو فلفل غونتور الأحمر، الذي يعد من أشهر أنواع الفلفل في الولاية بسبب لونه وحدة نكهته الحريفة. ويتم زراعة هذا النوع من الفلفل بكثرة في منطقة بالنادو في ولاية أندرا براديش ويتم حصاده في أيام الصيف الأولى. ويتسم هذا الفلفل بسماكة قشرته الخارجية، ولونه الأحمر القاني، وحدة مذاقه الحريف. في أغلب الأحوال تحصد ربات البيوت هذا النوع، ويتخلصن من السيقان الميتة، ويتم وضع الفلفل في حقائب، وتصديره إلى ماليزيا، وتايلاند، واليابان، والصين، وألمانيا، وكندا، وغيرها من البلدان. ويحتوي الفلفل الأحمر الحار على كمية كبيرة من فيتامين «ج»، والكاروتين (طليعة فيتامين «أ»).
بمجرد وصولك إلى غونتور، لن تستطيع أن تفوت فرصة تناول الطبق المحلي المفضل وهو «باكادوس الفلفل» (ميركي بهاجي) الذي يتمتع بشهرة عالمية. يتم إعداده من خلال غمس الفلفل الأخضر في حوض، ثم قليه. وتبيع المنصات الموجودة على جانبي الطريق هذا الطبق مقابل روبية واحدة. ويتراوح عدد الأطباق، التي تبيعها عربة واحدة يوميًا من هذا الصنف، بين ألفين وخمسة آلاف طبق بحسب بعض التقديرات.
ويعد المخلل جزءًا لا يتجزأ من مطبخ ولاية أندرا براديش، فهو عنصر لذيذ من عناصر تجارة الفلفل في غونتور. من أنواع المخلل، الذي تقدمه الولاية للعالم، مخلل المانغو، والليمون، والمعضوضة كرمية الأوراق، والتمر الهندي، والقريدس، والدجاج، ولحم الغنم. ويتم إعداد بعض أكثر أنواع المخلل الحريف شهرة بالفلفل الحار، والزنجبيل، والخضراوات، وعنب الثعلب (الكشمش الشائك)، وغيرها. ويتم إعداد بعضها سريعًا، في حين يستغرق إعداد البعض الآخر بعض الوقت. ويتم تقديم المخلل مع كل الوجبات.
وتعرف أفضل أنواع المخلل منخفضة التكلفة الشهيرة باسم «باندو ميراباكايا باكادي»، أي المخلل المعدّ من الفلفل الأحمر القديم، والتمر الهندي الخام. ويطلق عليه في بعض مناطق ولاية أندرا براديش اسم «كوريفي كرام»، وهو أكثر أنواع المخلل حدة في مذاقه الحريف، وتشتهر به الولاية كثيرًا، ويتم إعداده بجرش الفلفل الأحمر الناضج مع التمر الهندي الخام والملح.
ولا يقل الـ«بودي»، وهو خليط من عدة مكونات يتم تجفيفها وطحنها، أهمية عن المخلل. ويتم رش أنواع البودي المعدّ في المنزل على الأرز، وكذلك يتم تقديم قليل من الدسم الخالص، ويخلط مع البودي، والأرز.
* أطعمة متنوعة
أولاً لنُلقِ نظرة على بعض أشهر أطباق مطبخ ولاية أندار براديش، وهو طبق الـ«بوليهورا»، وهو الأرز بالكركم، الذي يتميز بنكته اللاذعة، والحارة، والمالحة في الوقت ذاته.
وطبق «غوتي فانكايا كورا» هو طبق استثنائي، ويتكون من الباذنجان المحشو بالكاري، وهو من الأطباق المميزة في الولاية ويعني اسمه حرفيًا «الباذنجان المحشو بالكاري». ويتم حشو حبات الباذنجان الصغيرة بخليط خاص من البهارات، التي تم تحميصها حديثًا، وطهيه جيدًا. ويقدم مع الأرز الساخن، وخبز الشاباتي. أما الـ«تشابا بولوسو»، فهو عبارة عن طبق من السمك والكاري مع صوص التمر هندي، ويتسم بمذاقه الحار اللاذع. ويتم مزج الكاري جيدًا بعصير التمر هندي وإضافة البهارات.
أما طبق الـ«بوالو»، أو الـ«كودي بوالو»، فهو طبق بديع يمثل وجبة كاملة تطهى في إناء واحد، ويعد من التوابل الطازجة، واللحم المطهو، أو الخضراوات الذي يتم تشويحها على نار هادئة، مع الأرز (غير المطهي) الذي يُمزَج به حتى ينضج. ويعد الطبق وجبة شهية بديلة لطبق اللحم والبطاطس القديم. ويتم تحضير هذا الطبق بإضافة الدجاج إلى اللحم الجيد، والأرز، والتوابل. ويشبه طبق الـ«كودي بوالو» البرياني، لكنه أقل دسامة، حيث لا يحتوي على دهون. ويتم تقديمه ساخنًا على الغداء، ويعد من الأطباق الهندية المحببة.
** طريقة فريدة لتناول طعام ولاية أندرا براديش
* يقوم أشخاص يجلسون على سجاجيد، أو مقاعد خشبية مرتفعة قليلا عن الأرض، بتقديم أصناف ولاية أندرا براديش على أوراق الموز بالأساس. ويتم رشّ القليل من الماء حول أوراق الموز في إشارة إلى أن الطبق قد بات جاهزًا للتقديم. ويتم تقديم الأرز مع القليل من الدسم، وكل وجبة تُقدم على ورقة واحدة، أما إذا كان الطبق كبيرًا فيتم تقديمه على عدة أوراق بعد تشبيكها ببعضها البعض. وبدأ عدد من الناس أخيرا في استخدام أطباق معدنية في التقديم تسمى «كانشام».
عادة ما تتضمن الوجبة خمسة أصناف، لكن هناك أصناف لا غني عنها في الوجبة المثالية وهي المخلل الساخن الشهير، والصوص بمختلف أنواعه، والمساحيق. ويمكن جعل مذاق الوجبة أقل حدة باستخدام أنواع الروائب. ويتم تقديم الأصناف على طبق واحدة بترتيب محدد، حيث يتم وضع الكاري على الجانب الأيمن من طاولة الطعام، في حين يتم وضع المخلل والبودي على الجانب الأيسر منها، ووضع أصناف خاصة مثل الـ«بوليهورا»، والـ«غاريلو»، على أعلى يمين الطاولة، بينما يتم وضع كمية كبيرة من الأرز في الوسط. كذلك يتم رشّ كميات صغيرة من البلوسو، والدسم، واللبن الرائب، على الأوراق. ويتم خلط الدسم بكل صنف من تلك الأصناف.
يتم بدء تناول الوجبة بتناول «القضمة الأولى»، وهي الأرز مع أنواع متنوعة من المخلل، والدسم. عادة ما تكون تلك المقبلات لاذعة أو حريفة المذاق، ولها رائحة قوية، وتحتوي على مكونات لها فوائد طبية مثل الزنجبيل الجاف، وأوراق الكاري، حيث يكون الهدف من تناولها هو فتح الشهية، والمساعدة على هضم الطعام. ولا يتم تناول هذه المقبلات إلا بكميات صغيرة جدًا، أي أربع أو خمس كرات من الأرز على سبيل المثال.
ويتم تناول الأرز كمقبلات مع المخلل الحريف، ثم تناول الكاري بعد ذلك. ويكون الصنف الرابع في هذه الوجبة إما الروائب، أو الزبادي، أو اللبن الرائب، مع مخلل حريف، أو أي بهارات أخرى.
تقدم الأسر التقليدية بعد الوجبة أوراق نبات التنبول. أما في المناسبات الاحتفالية فيتم تقديم الحلوى مع الوجبة، وعادة ما يتم تناولها أولا.
جولة على خريطة الطعام الهندي الحريف
تختلف حدته بحسب الولاية
جولة على خريطة الطعام الهندي الحريف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة