تحلّ الذكرى الثانية عشرة لاغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، لتحمل معها كثيرا من الأسئلة، سواء تلك التي تطرح في السرّ أو العلن، عن المرحلة التي بلغتها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وكشف حقيقة جريمة 14 فبراير (شباط) 2005، التي قلبت الواقع اللبناني رأسًا على عقب، وأصابت شظاياها بعض دول المنطقة.
في علم القانون يجمع الخبراء وأهل الاختصاص في عمل المحاكم الدولية، على أن القضية اجتازت مسافة طويلة من درب العدالة، سواء لجهة الاتهام الموجه إلى 5 من قادة أمن ما يسمى «حزب الله»، الذين تجري محاكمتهم بالصورة الغيابية، أم لجهة الدقة في تمحيص الأدلة التي يقدمها المدعي العام الدولي للمحكمة الخاصة بلبنان، حتى وإن كان لبطء الإجراءات التي لا يمكن القفز فوقها، لا ترتقي إلى مستوى طموح جمهور رفيق الحريري، وتطلعات ذوي الضحايا الـ22 الذين قضوا معه في التفجير نفسه.
إذا كانت تساؤلات المتضررين من جريمة الاغتيال مفهومة، بحكم الضجر من سنوات الانتظار، وتوقهم إلى عدالة تنهي «حقبة الاغتيال السياسي والإفلات من العقاب»، فإن المسار البطيء للمحاكمة مفهوم ومبرر برأي رجال القانون من قضاة ومحامين وخبراء، عايشوا هكذا قضايا أمام المحاكم الدولية الأخرى، باعتبار أن إجراءات القضاء الدولي تتميّز ببطئها مقارنة مع القضاء الوطني في أي دولة، وباعتبار أن عملية بهذا الحجم تتخطى مسرح الجريمة، وتذهب أبعد بحثًا عن عوامل خارجية لها دورها في هذا الاغتيال، تقريرًا وتخطيطًا وتنفيذًا، وصولاً إلى توفير الظروف الأمنية والغطاء السياسي لاغتيال بهذه الخطورة، مع ما يحتاجه من ظروف وتجهيزات لا يقوى على تنفيذه مجرّد فرد أو مجموعة، مهما صغرت أو كبرت.
أمام هذا الأخذ والردّ في الأسئلة والاستيضاحات، يرى مصدر في المحكمة الدولية، أن «الوقت الذي مرّت به المحاكمة ليس طويلاً مقارنة بعمل المحاكمات الدولية». ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «إجراءات المحكمة الدولية تختلف تمامًا عن الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الوطنية»، مذكّرا بأن «المحكمة الجنائية الدولية التي مضى على تأسيسها نحو عقدين، وتشترك فيها 112 دولة، احتفلت قبل أيام بأول حكم أصدرته».
وليس خافيًا على أحد ألا دور أساسيا لرئيس المحكمة وقضاتها، بحسب المصدر الذي قال، إن «عمل المحكمة يستند إلى الأدلة التي يقدمها المدعي العام، والتي توضع قيد المناقشة». ويلفت إلى أن المحكمة الخاصة بلبنان تعقد 4 جلسات في الأسبوع، ومن دون توقف إلا إذا طلب وكلاء الدفاع بعض الوقت للردّ على أدلة يقدمها فريق الادعاء. ويشير المصدر في المحكمة، بقوله: «نتفهّم استعجال الناس ومطالبتهم بإصدار الأحكام، لكن المحكمة لا تستطيع أن تتجاهل إجراءات مهمة، إذ إن المدعي العام المالك الفعلي للملف، لديه ما يزيد عن مائتي ألف صفحة من المحاضر، ومضطر لأن يأخذ كل وقته في مناقشة أدلته، واستجواب الشهود والخبراء وتحليل (داتا) الاتصالات، وهو حريص على أن لا يخسر قضيته، في حين أن وكلاء الدفاع عن المتهمين يلعبون دورًا في إطالة عمر المحاكمة، ويطلبون مهلاً طويلة بين شهرين و4 أشهر للاطلاع على الوثائق التي يقدمها الادعاء وللردّ عليها»، مشيرًا إلى أنه «عندما يطلب المدعي العام مئات الشهود لا تستطيع المحكمة تجاوز هذه الطلبات».
وكان القرار القضائي الذي أصدره المدعي العام (السابق) لدى المحكمة الدولية دانيال بلمار، قد وجّه الاتهام إلى 5 من القادة الأمنيين والكوادر في جهاز أمن ما يسمى «حزب الله»، وهم سليم عياش، ومصطفى بدر الدين (قتل في سوريا الصيف الماضي)، وأسد صبرا، وحسن عنيسي، وحسن مرعي، وقد رفض الحزب تسليم هؤلاء إلى العدالة الدولية، بعد أن رفض الاعتراف بشرعية المحكمة.
وثمة أمثلة كثيرة على محاكم مماثلة استهلكت سنوات طويلة في القضايا المحالة أمامها، فيذكّر المصدر في المحكمة الدولية، بأن «محكمة يوغوسلافيا ومحكمة سيراليون، بقيتا سنوات طويلة حتى أصدرتا حكمًا»، لافتًا إلى أن المحكمة الخاصة بلبنان «تطبق جزءًا من قانون المحاكمات اللبناني، أما باقي الإجراءات فهي تراعي القانون والعرف الدوليين»، متوقعًا قرب «انتهاء المدعي العام من تقديم أدلته وشهوده، لتبدأ بعدها مرحلة تقديم وكلاء الدفاع لدفاعاتهم». ولم يستبعد أن «يصدر الحكم بعد سنة، وعلى مرحلتين، في الأولى يكون حكمًا شفهيًا، وبعد شهرين تقريبًا يصدر الحكم المفصّل».
وعلى قاعدة أن كل الإفادات مهمّة، يعتبر المصدر أنه «بقدر أهمية الأدلة العلمية والاتصالات والمواد الحسية، بقدر ما إن إفادات السياسيين الشهود مهمة أيضًا؛ لأن المدعي العام يحاول الاستنتاج من الجو الذي كان ضاغطًا في لبنان، ويبني عليه رأيه بأن هذا الجو كان عاملاً مساعدًا في إتمام جريمة اغتيال الحريري».
هذه القراءة تتوافق مع رأي أستاذ القانون الدولي المحامي اللبناني أنطوان سعد، الذي أشار إلى أن «المحكمة الخاصة بلبنان لم يمض على انطلاقتها أكثر من سنتين ونصف السنة، وهي تحتاج إلى ما بين 4 و5 سنوات للانتهاء من المحاكمة». ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «جريمة بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فيها هذا الكم من الأدلة والشهود، وجريمة منظمة تأخذ وقتًا طويلاً».
ويقول المحامي سعد: «العدالة تحتاج إلى تضحية حتى لو أخذت المحاكمة عشرات السنين، من أجل ترسيخ مفهوم العدالة في عقول اللبنانيين، وهذا يجب أن نعززه لا أن نهدمه»، لافتًا إلى أن «المحاكم الدولية تعتبر حديثة مقارنة مع القضاء العادي»، داعيًا أيضًا إلى «تجاوز الانتقادات السياسية التي توجه إلى المحكمة، والمبنية على موقف سياسي تجاهها»، مطالبًا كل القوى السياسية بأن «تشجّع المحكمة التي معها نطوي مرحلة الجريمة بلا عدالة». ويضيف أن «العدالة الدولية ستتعزز، وستشمل كل جرائم الحرب من يوغوسلافيا إلى فلسطين إلى العراق وسوريا، وهي ستتحقق يومًا ما»، مشددًا على أن «لبنان الذي يدعم المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، سيكون سباقًا في رفع بنيان العدالة».
المحكمة الخاصة باغتيال الحريري تمضي بمسارها رغم بطء إجراءاتها
مصدر في المحكمة: مضطرون للتدقيق في كل الأدلة والأجواء المحيطة بالجريمة
المحكمة الخاصة باغتيال الحريري تمضي بمسارها رغم بطء إجراءاتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة