الفلبين... لؤلؤة البحار الشرقية

طبيعة تجذب 5 ملايين سائح و«الخطوط السعودية» تقرب المسافات إليها

من معالم الفلبين السياحية - جانب من العاصمة الفلبينية مانيلا
من معالم الفلبين السياحية - جانب من العاصمة الفلبينية مانيلا
TT

الفلبين... لؤلؤة البحار الشرقية

من معالم الفلبين السياحية - جانب من العاصمة الفلبينية مانيلا
من معالم الفلبين السياحية - جانب من العاصمة الفلبينية مانيلا

في عام 2015 استقبلت الفلبين 5.4 مليون سائح من جميع أنحاء العالم، حضروا إليها للاستمتاع بطبيعتها الخلابة من شواطئ وجزر وغابات استوائية ومواقع غوص، بالإضافة إلى تراث حضاري تاريخي ومتنوع. وتطير الخطوط السعودية في رحلات من الرياض إلى مانيلا، مما يجعل اختيار الفلبين للسياحة من الأمور سهلة التحقيق.
وتعد السياحة من موارد الدخل الحيوية في الفلبين، حيث تساهم بنسبة 10.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وفقا لإحصاءات عام 2015. كما أنها مصدر رئيسي لتشغيل الأيدي العاملة في البلاد. وهي بلاد تشتهر بالتنوع الطبيعي بين شواطئ وغابات استوائية وجبال تجذب إليها السياح من جميع أنحاء العالم. وتتكون الفلبين من مجموعة جزر يصل عددها إلى 7641 جزيرة، مقسمة إلى 18 منطقة إدارية.
وكان النمو السياحي في الفلبين تدريجيا من نحو 2.2 مليون سائح في عام 2000 إلى 2.8 مليون في عام 2003، بزيادة 29 في المائة. وبلغ عدد السياح في عام 2011 نحو 3.9 مليون سائح بزيادة 11.2 في المائة عن عدد السياح في عام 2010. ويعمل الآن في مجال السياحة نحو 10 في المائة من إجمالي القوى العاملة في البلاد، بعدد يصل إلى خمسة ملايين عامل وموظف.
وتاريخيا كان العرب ضمن الزوار الأوائل لجزر الفلبين بغرض التجارة. ووقعت الفلبين تحت الاحتلال الإسباني لمدة 350 عاما بداية من عام 1521، عندما اكتشفها البحار ماغيلان، مما أدى إلى هجرة بعض الإسبان إليها، وإن كان ذلك بنسبة أقل من الهجرة إلى أميركا الجنوبية. وتأثرت الفلبين من هذا الاحتلال ببعض العادات والاحتفالات الإسبانية. وتتحدث الفلبين الآن بعدة لغات ويتعامل الأهالي مع السياح باللغة الإنجليزية.
وبدأت السياحة إلى الفلبين في أوائل القرن العشرين، مع زيادة نشاط الرحلات البحرية من أوروبا وأميركا. وكانت الفلبين تعد من «أفضل الدول الآسيوية في الزيارة، بعد هونغ كونغ واليابان». وكانت شركات السياحة تطلق عليها وصف «لؤلؤة البحار الشرقية». ولكن الحرب العالمية الثانية قلصت عدد المسافرين إلى أنحاء آسيا، ومنها الفلبين التي لم تستعد السياحة فيها عافيتها لسنوات بعد ذلك.
ومن مجموع 5 ملايين سائح إلى الفلبين يأتي 1.2 مليون سائح إليها من كوريا الجنوبية، وهي في المركز الأول سياحيا، تليها الولايات المتحدة بعدد 704 آلاف سائح، ثم اليابان بأقل قليلا من نصف مليون سائح سنويا. ثم تأتي الصين وأستراليا وسنغافورة في المراكز التالية. وبينما تقع بريطانيا في المركز العاشر بعدد 140 ألف سائح سنويا، لا توجد دول عربية من العشر دول الأكثر سياحة إلى الفلبين.
وتوفر الفلبين لسياحها بيئة طبيعية متنوعة، منها شطآن الرمال البيضاء في بوراكاي ومناطق التسوق في مانيلا، وسواحل التزلج على المياه في بحار سيانغاو، وجبال زراعة الأرز في إيفغاو. وهناك أيضا بركان مايون في منطقة الباي، ومناطق الغوص في بالاوان، وكثير من المواقع التراثية والتاريخية.
وتعد جزيرة لوزون المركز السياسي والاقتصادي للفلبين. وفيها تقع العاصمة مانيلا التي صنفها السياح الأميركيون في المركز 11 على مستوى آسيا في التسوق. وتنتشر في مانيلا مولات التسوق خصوصا في الحي المالي المعروف باسم ماكاتي. ولكن رغم انتشار المولات الحديثة فإن الأسواق الشعبية ما زالت منتشرة وعليها إقبال كبير من أهل البلاد والسياح على السواء.
وتسمى منطقة الجزر الوسطى في الفلبين باسم فيساياس، وأشهر شواطئها هو بوراكاي، وهو المفضل بين السياح الأجانب، ويشتهر برماله البيضاء ومياه البحر النظيفة. وفي عام 2012 حصلت بوراكاي على جائزة أفضل جزيرة من مطبوعات سياحية عالمية. وهي أيضا منطقة تشتهر بالاسترخاء والهدوء نهارا، مع حياة ليلية صاخبة.
وفي أقصى جنوب الفلبين تقع جزيرة مندناو التي تشتهر بسلسلة جبالها، وهي من أفضل وجهات تسلق الجبال في الفلبين. وهي منطقة تضم أعلى جبال الفلبين، وهو جبل آبو. ويستغرق الصعود إلى قمة هذا الجبل نحو يومين كاملين. وتحتوي بيئة الجبل المتنوعة على 272 نوعا من الطيور، منها 11 نوعا يقتصر على المنطقة، بما فيها النسر الذي هو شعار الفلبين. ويعتبر جبل آبو من أهم وجهات سياحة أندية تسلق الجبال حول العالم.
وفيما تعد معظم مناطق الفلبين آمنة للسياح، هناك وجهات خطرة ويجب تجنبها، خصوصا في جزر الجنوب التي يتهددها خطر الإرهاب. وتنشط جماعة أبو سياف وجبهة مورو للتحرير في مجموعة جزر سولو وزامبوانغا. وتخطف هذه الجماعات السياح الأجانب من أجل طلب الفدية من حكوماتهم، وتقوم بإعدام من لا تدفع فديته.
التنوع الطبيعي في الفلبين هو من أهم معالم هذا البلد، ففيها أكثر من 200 فصيلة حيوانات و600 نوع من الطيور و400 فصيلة أحياء بحرية. وفيها أيضا سلاسل جبال، وأكبر تركيز من البراكين في الكيلومتر المربع، وأكثر أنواع الأحياء في المستنقعات. ويتمتع السياح بمشاهد مبهرة حول الشعاب المرجانية، ويمارسون هوايات متعددة من تسلق الجبال إلى استكشاف الكهوف والشلالات والأنهار والبحيرات.
الشعب الفلبيني مزيج من الأجناس الآسيوية مع أقليات إسبانية وعربية وصينية. وهناك أكثر من مائة أقلية عرقية تعيش في البلاد. واللغات الرسمية في الفلبين تشمل اللغتين الفلبينية والإنجليزية، ولكن اللغات المحلية متعددة، ويصل عددها إلى سبع لغات رئيسية و176 لهجة محلية.
ويعد فصل الشتاء هو فصل الذروة في الموسم السياحي الفلبيني، ولذلك تنصح شركات السياحة بالحجز المبكر. وفي منطقة بوراكاي تقام عدة مهرجانات سياحية في بداية العام يعود تاريخ بعضها إلى القرن الثالث عشر، وبعضها يشبه الكرنفال البرازيلي السنوي.
ويذهب الأهالي في عطلات خلال شهر أبريل (نيسان)، وهو أفضل شهور العام في الغطس للسياح، وتنشط خلاله الأندية البحرية. وتبدأ درجات الحرارة في الارتفاع خلال شهر مايو (أيار) مع بداية الموسم الجاف، وهو شهر يتوجه فيه السياح إلى المناطق الجبلية حيث الطقس المعتدل بفضل الارتفاع.
وفي شهور الصيف تبدأ الرياح والأمطار الغزيرة، وهو فصل السياحة الرخيصة للشباب، ويحتاج السفر في ذلك الوقت إلى بعض البحث عن أفضل المناطق غير المتأثرة بالعواصف والرياح والأمطار. ويمكن تجنب السفر في شهر أغسطس (آب) حيث موسم الأمطار الغزيرة.
هذا ويطير كثير من شركات الطيران العالمية إلى مطار نينو أكينو الدولي في مانيلا، منها «الخطوط السعودية» و«الإمارات»، و«الخطوط الفلبينية»، و«كوناتس» الأسترالية، و«طيران بروناي». ويجب مراعاة أن الفلبين تفرض على المسافرين المغادرين ضريبة مغادرة من المطار، تصل إلى حدود 15 دولارا للفرد الواحد في الرحلات الدولية، وخمسة دولارات للرحلات المحلية.

* 10 أسباب لزيارة الفلبين
- تجول بين الجزر حتى تعثر على جزيرتك المفضلة: وهو نوع من السياحة لمن يفضلون العزلة لبعض الوقت في جزيرة استوائية. ويمكن استئجار زورق لزيارة كثير من الجزر الصغيرة، ومعظمها مهجور، واختيار الجزيرة المفضلة لقضاء بعض الوقت فيها.
- هناك كثير من مواقع الغطس المشهورة في الفلبين، ولكن أهمها على الإطلاق هو موقع «آبو»، وهي موقع مليء بكثير من الأحياء البحرية حول الشعاب المرجانية، ومن بينها أسماك القرش من نوع «هامر هيد» وأسماك الراي المسطحة.
- الصعود إلى قمة الجبل البركاني «ماونت آبو» وهو بركان خامل لم يثر أبدا في تاريخه. ويصل ارتفاعه إلى 295 قدما. وهو أعلى قمة في الفلبين. ويمر متسلق هذا الجبل على غابات مليئة بالحياة الطبيعية والزهور النادرة مثل الأوركيد. ويسكن جوانب الجبل كثير من أنواع الطيور، ومنها النسور.
- من المواقع غير المعروفة للسياح جزيرة سيانغاو الهادئة، التي يعرفها جيدا محترفو التزلج على المياه. وتوجد حول الجزيرة تيارات من المياه المثالية لرياضة التزلج. وتخصص مناطق للمحترفين ومناطق أخرى أكثر هدوءا للمبتدئين في هذه الرياضة.
- السباحة مع أسماك القرش: وهو نوع من أسماك القرش الأليفة التي تسمى «ويل شارك» وتظهر في مياه قريبة من الجزر خلال فصل الربيع. ويمكن السباحة معها من دون استخدام أدوات الغطس وباستعمال أدوات التنفس على سطح المياه، التي تسمى «سنوركل».
- هناك مئات من البراكين في الفلبين، وبعضها ما زال نشيطا ويقذف بالحمم في الهواء، ويمكن مشاهدة هذه البراكين من نوافذ طائرات سياحية تطوف المنطقة. كما يمكن الصعود إلى بعضها على الأقدام عبر ممرات صخرية خاصة.
- يوجد نهر جوفي يمر تحت محمية طبيعية في منطقة بويرتو برنسيسا. وينطلق هذا النهر تحت الأرض حتى يصب مباشرة في البحر، وهو يتأثر عند مصبه بالجذر والمد البحري. وتحتوي المحمية على بيئات طبيعية مختلفة، بداية من البيئة الجبلية حتى البيئة البحرية.
- منطقة جزر باكويت: وهي مجموعة من الجزر الاستوائية الخلابة التي تنتشر على شواطئها أشجار النخيل وتحيط بها الشعاب المرجانية. وهي جديرة بالزيارة والتجول بين جزرها.
- بوراكاي: هو شاطئ مشهور عالميا ومن أجمل الشواطئ الآسيوية. ووفقا لموقع «لونلي بلانيت» ما زال الشاطئ يعتبر من الشواطئ الآسيوية الهادئة. وهناك أركان منعزلة على هذا الشاطئ في القسم الجنوبي الذي يسمى «وايت بيتش».
- مدرجات الأرز الجبلية: وهي مدرجات نحتها الفلاحون قديمًا، من أجل إعدادها لزراعة الأرز على سفوح الجبال. وتعد هذه الجبال مصنفة كتراث إنساني من منظمة اليونيسكو؛ لأن المدرجات نحتت في الجبال منذ ألفي عام.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».