مباحثات سودانية ـ فرنسية لإحياء اتفاقيات الذهب واليورانيوم

«أنجلو أميركا» أول شركة من الولايات المتحدة تزور الخرطوم

مباحثات سودانية ـ فرنسية لإحياء اتفاقيات الذهب واليورانيوم
TT

مباحثات سودانية ـ فرنسية لإحياء اتفاقيات الذهب واليورانيوم

مباحثات سودانية ـ فرنسية لإحياء اتفاقيات الذهب واليورانيوم

سلمت فرنسا السودان، خلال مشاركته في ثاني أكبر مؤتمر عالمي للتعدين، الذي يعقد سنويا بمدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، واختتم أعماله الجمعة الماضي، بمشاركة دولية واسعة من شركات التعدين، وثائق ما يعرف بالمشروع الفرنسي لتخريط (عمل خرائط) الأراضي السودانية، الذي رصد منذ عام 1983 مخزون البلاد من الذهب واليورانيوم، وبخاصة في دارفور بغرب البلاد.
وتشير التقارير الرسمية إلى أن احتياطي السودان المؤكد من الذهب بلغ 523 ألف طن، واحتياطي تحت التقييم (غير مؤكد) 1.117 مليون طن، فيما تُقدر احتياطات الحديد بنحو 21 مليار طن، وكميات مقدرة من المعادن الصناعية والنحاس والزنك، بجانب الأحجار الكريمة واليورانيوم.
وأعلنت وزارة المعادن السودانية عقب عودة وفد يضم وزير الدولة للمعادن ومديرون شركات التعدين الحكومية والخاصة أول من أمس، تسلمها من فرنسا، بعد حوار دام لمدة عام، معلومات ووثائق جيولوجية مهمة متعلقة بجغرافيا السودان، الذي يسعى إلى تكوين خريطة جيولوجية لمعرفة احتياطيات المعادن على أراضيه خلافا لما اكتُشف، وتحديد مناطقها في كل أنحاء البلاد.
وقال وزير الدولة بوزارة المعادن، أوشيك محمد أحمد طاهر، في تصريحات صحافية عند عودته من جنوب أفريقيا، إن بلاده تسلمت معلومات ووثائق مهمة من هيئة الأبحاث الجيولوجية الفرنسية، بعد نقاش دام لمدة عام مع نظيرتها السودان.
وأشار أوشيك إلى أن بلاده حققت مكاسب كبيرة من هذا المؤتمر، حيث تم الاتفاق مع كبريات الشركات الأميركية مثل «أنجلو أميركا» الرائدة على مستوى العالم في التعدين، على الحضور للسودان للاطلاع على الفرص الواسعة للاستثمار في مجالات المعادن المختلفة في البلاد.
وأضاف أوشيك، أنهم قدموا أمام المشاركين الفرص الاستثمارية الجاهزة في الذهب في عدد من المناطق في البلاد، بجانب عرض قدمته شركة «أرياب» حول تجربتها الممتدة سنوات في اكتشاف والتنقيب عن الذهب، ورغبتها في جذب استثمارات عالمية لتقوية أعمالها في السوق السودانية، التي تمتلك احتياطات كبيرة من المعادن المختلفة.
وبيّن أوشيك، أن السودان قدم مشاركة عن مستقبل التعدين في أفريقيا خلال لقاء نظمته مفوضية الصناعة والتجارة بالاتحاد الأفريقي، بحضور رئيس دولة جنوب أفريقيا الأسبق ثامبو مبكي، واستعرض الوفد السوداني أمام المشاركين، تجربته في تقنين التعدين التقليدي وتنظيمه، الذي وجدت إشادة من الشركات والمشاركين، حيث استطاعت الجهات المعنية تقنين وتهيئة البيئة المناسبة لهذه المهنة التي يعمل بها قرابة مليون سوداني.
وبلغ إنتاج السودان من الذهب العام الماضي 93.4 طن، معظمه لم يصدر بواسطة بنك السودان، فأغلب إنتاج الذهب يأتي من خلال التعدين التقليدي الأهلي، ويعمل به نحو مليون شخص يبيعون مقتنياتهم من الذهب في 44 مدينة في السودان و65 سوقا متخصصة.
ويبلغ عدد الشركات العاملة في الذهب في السودان 349 شركة، منها 149 شركة امتياز، و152 شركة تعدين صغيرة، و48 شركة لمخلفات التعدين، وارتفع العدد إلى 434 شركة بعد دخول الشركات السعودية والإماراتية والقطرية والمصرية في سبتمبر (أيلول) الماضي في منظومة الاستثمارات العالمية في الذهب، بجانب 16 شركة دخلت مرحلة الإنتاج في الفترة نفسها.
وسلمت شركة «روس جيولوجيا» هيئة الأبحاث الجيولوجية السودانية 42 وثيقة، تمثل العمل الجيولوجي الذي قام به الجانب الروسي في السودان، منذ عام 1973، ويرتقب أن يستفاد من هذه المعلومات في تحديث الخريطة الجيولوجية والمعدنية للسودان، الذي يعتزم رفع إنتاجه إلى أكثر من 100 طن هذا العام.
وبدأت وزارة المعادن السودانية منذ الأسبوع الماضي تطبيق سياسات جديدة تمنع التهريب الواسع للذهب خلال السنين الماضية؛ إذ لم يتجاوز المصدر والمبيع والمشغول من الذهب نحو 26 طنا، بينما المنتج قفز فوق 93 طنا، يتوقع أن يرتفع بنهاية العام الحالي إلى 100 طن.
وتتماشى سياسات وزارة المعادن مع تداعيات قرار رفع الحظر الأميركي الاقتصادي على السودان الشهر الماضي، والتوقعات بدخول استثمارات عالمية كبرى في هذا المجال.
وشملت جملة الإجراءات المتعلقة بشراء وتصدير الذهب السماح للقطاع الخاص بالدخول في عمليات شراء وتصدير الذهب، كذلك السماح للبنوك التجارية بتمويل الشركات العاملة في الشراء، والسماح للمصدرين المُسجلين بتصدير 50 في المائة.
كما سمحت السياسات لشركات الامتياز المنتجة للذهب بتصدير 70 في المائة من إنتاجها والاحتفاظ بعوائدها، وتسليم بنك السودان بالسعر المعلن، كما سمحت السياسات الجديدة لشركات مخلفات التعدين التقليدي بتصدير 65 في المائة من إنتاجها وبيع 35 في المائة لبنك السودان المركزي.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.