تنفست الصين الصعداء بعد فشل هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية أمام دونالد ترمب، بعد أن أدانت علنا في مناسبات مختلفة نظامها السياسي وسجلها في مجال حقوق الإنسان والرقابة على الإنترنت، كما اتهمت الصين بالقرصنة الإلكترونية وسرقة الأسرار التجارية والمعلومات الحكومية.
وكشفت وثائق «ويكيليكس» من خلال بريد جون بوديستا رئيس الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون، أنها خططت لتطويق الصين بمنشآت الدرع الصاروخية الأميركية. وقالت إبان توليها منصب وزير الخارجية الأميركية: «إننا نخطط لتطويق الصين بدرع صاروخية، ونشر مزيد من سفن أسطولنا في هذه المنطقة.. عليكم التحرك ضد كوريا الشمالية، أو سنضطر للدفاع عن أنفسنا بأيدينا».
وبعد الإعلان عن فوز ترمب سارع الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى إجراء محادثة هاتفية معه. وتوصل الجانبان إلى توافق حول أهمية العلاقات بين البلدين، وأعربا عن إرادتهما السياسية لتعزيز التعاون الثنائي، واتفقا على الحفاظ على اتصال وثيق، وإنشاء علاقة عمل جيدة، وعقد اجتماع في وقت مبكر. وقال جيا شيو دونغ، باحث في معهد الصين للدراسات الدولية، في تعليق نشرته النسخة الخارجية لصحيفة الشعب اليومية، إن الصين «هادئة» بعد فوز دونالد ترمب، في الوقت الذي عبرت فيه الكثير من الدول عن «عدم اليقين»، مضيفا أن «عدم اليقين» سيكون محدودا مقابل «اليقين» الأوسع والأطول في العلاقات الصينية الأميركية.
تايوان وسياسة «الصين الواحدة»
أكد جيا شيو دونغ أن الإدارة الجديدة ستجلب الكثير من التغيرات في العلاقات بين البلدين، بعد أن ينتهي ترمب من تشكيل فريقه في الأمن والدبلوماسية، لكن «ستمر الصين والولايات المتحدة بمرحلة التكيف في بداية سلطة ترمب». لكن الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن، وبسرعة كبيرة لم يتوقعها الكثيرون من المحللين بدأ ترمب يخرج الأوراق الهجومية ضد الصين. وكانت أولاها القضية التايوانية بعد أن أجرى ترمب اتصالا هاتفيا مع زعيمة تايوان تساي انج وين لكسر تقاليد دبلوماسية عمرها 40 سنة عندما قطعت الولايات المتحدة علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان كجزء من اعترافها بصين واحدة. كما كتب ترمب تغريدة على «تويتر» عن ذلك، ملمحا إلى أن واشنطن قد تتخلى عن سياسة «الصين الواحدة» التي تلتزم بها منذ سبعينات القرن الماضي. وتم السماح لزعيمة تايوان تساي اينغ ون الشهر الماضي بالتوقف في الولايات المتحدة وعقد اجتماعات مع مسؤولين أميركيين.
وقال لو كانغ المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن الصين تعارض بشدة تواصل زعيمة تايوان مع مسؤولين أميركيين بأي شكل من الأشكال. وأضاف لو: «نحث الولايات المتحدة والمعنيين على الالتزام بسياسة صين واحدة والبيانات الصينية الأميركية المشتركة، والتعامل بحذر وحرص مع القضايا المتعلقة بتايوان من أجل عدم الإضرار بالعلاقات بيننا والسلام والازدهار عبر المضيق».
التبت والزعيم الروحي الدالاي لاما
أما القضية الثانية التي تعكر صفو العلاقات بين البلدين، فهي قضية التبت وزعيمها الروحي الدالاي لاما، الذي أعلن أنه سيقوم بزيارة الرئيس الأميركي الجديد. وقال الدالاي إنه دائما اعتبر الولايات المتحدة «دولة رائدة للعالم الحر».
ولكن حسب ما نشر على موقع سينا للأخبار، قال مايكل بيلسبري مدير مركز الاستراتيجية الصينية بمعهد هدسون الأميركي للأبحاث خلال مؤتمر صحافي عقده مؤخرا في بكين، إن الدالاي لاما ادعى أنه طلب لقاء ترمب، الذي رفض الطلب. وشدد مايكل بيلسبري، بأنه يتحدث عن آرائه ولا يمثل حكومة ترمب.
ويبين تعامل ترمب مختلف تماما مع القضيتين على الأقل خلال هذه الفترة، حيث قال في قضية تايوان أن سياسة صين - واحدة تخضع للتفاوض وأنه غير ملتزم بها تماما، وفي المقابل يرفض لقاء الدالاي لاما الذي سبق أن التقاه أوباما عدة مرات ويعتبره «صديقًا»، لكن كان اللقاء دائما مغلقا في محاولة لتجنب إثارة غضب بكين.
وورقة الصين الانفصالية التي يلوح بها ترمب لا تتضمن تايوان والتبت فحسب، وإنما إقليم شينجيانغ أيضا. قائدة حركة انفصال تركستان الشرقية، أو إقليم شينجيانغ، ربيعة قادر، تعيش في الولايات المتحدة.
وقال فنغ شان المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة قال قبل أيام ردا على سؤال وكالة الأنباء الصينية حول نية اتحاد التضامن التايواني دعوة ربيعة قادر لزيارة تايوان في شهر مارس (آذار)، إن البر الرئيسي الصيني يعارض بشدة هذه الزيارة والمشاركة في أي أنشطة على الجزيرة.
السيادة في بحر الصين الجنوبي
أما القضية الثالثة المثيرة للجدل في العلاقات بين البلدين فتخص بحر الصين الجنوبي. قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي للصحافيين بعد الجولة الرابعة من الحوار الدبلوماسي والاستراتيجي بين الصين وأستراليا قبل أيام، إنه يتعين على الدول، غير المعنية بشكل مباشر، دعم جهود حماية السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، وإن الدول المعنية مباشرة عادت إلى «الطريق الصحيح» لحل قضية بحر الصين الجنوبي من خلال الحوار والتشاور. وأوضح: «وفى هذا الإطار، نولي أهمية كبيرة للتصريحات الأخيرة من جانب وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس التي أكدت على الجهود الدبلوماسية لحل النزاع». وقد أصدرت الصين وفيتنام هذا العام بيانا مشتركا تعهدتا فيه بإدارة الخلافات البحرية وحماية السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي. وحول إمكانية نشوب حرب مع أميركا في بحر الصين الجنوبي، قال وانغ يي إنه يتمنى على «الأصدقاء الأميركيين» أن يتذكروا أحداث الحرب العالمية الثانية. ورغم أن ترمب لم يتحدث عن استراتيجية واضحة في آسيا والمحيط الهادي، على عكس هيلاري كلينتون، فإن أول زيارة خارجية لوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بعد أسبوعين من تولي منصبه شملت دولا من آسيا، أولاها كوريا الجنوبية، التي ذكر فيها أن منظومة الدفاع الجوي للارتفاعات العالية (ثاد) المضادة للصواريخ سيتم نشرها في كوريا الجنوبية لحماية حليفتها والقوات الأميركية المتمركزة هناك. وأكد ماتيس خلال زيارته إلى اليابان، على أن الجزر المتنازع عليها بين الصين واليابان تندرج تحت المادة الخامسة من المعاهدة الأمنية. وتشكل تصريحات ماتيس استمرارًا لسياسة الإدارة الأميركية السابقة لباراك أوباما، التي أكدت أيضًا أن المعاهدة الدفاعية مع اليابان، الموقعة في عام 1960، تشمل الجزر المتنازع عليها، لكنها لم تتخذ موقفا واضحا إزاء الخلاف حول السيادة عليها. وأشار وزير خارجية جمهورية الصين ردا على تصريحات وزير الدفاع الأميركي إلى أن إعلان القاهرة الصادر في عام 1943 وإعلان بوتسدام الصادر في عام 1945 ألزما اليابان بإعادة الجزر المحتلة في بحر الصين الجنوبي إلى الصين.
الانعزالية التجارية والضرائب
الحمائية التجارية هي أيضا من نقاط الخلاف بين البلدين. الصين أصبحت أكبر شريك تجارى وثالث سوق تصديرية للولايات المتحدة في عام 2015، وبلغ حجم التجارة الثنائية من السلع 558.4 مليار دولار أميركي مع أكثر من 160 مليار دولار من الاستثمارات المتبادلة.
ومنذ تولي ترمب منصبه قامت الحكومة الأميركية بفرض سلسلة من الإجراءات الحمائية استهدفت الصادرات الصينية، من بينها، فرض ضرائب مكافحة الإغراق ضد سلع الحديد والصلب الصينية بنسبة 75 في المائة. لكن إلى حد الآن، تم فرض إجراءات «مكافحة الإغراق» على القطاعات التقليدية فقط.
قال الرئيس الصيني في خطاب ألقاه في مؤتمر دافوس، بسويسرا الشهر الماضي، إن اتباع الحمائية يشبه إغلاق الباب على أنفسنا في غرفة مظلمة. ولن يظهر أي شخص كفائز في حرب تجارية.
وأوضح المتحدث لو كانغ موقف الصين في مقابلة أجراها مع قناة «إن بي سي» الشهر الماضي أن الحقائق والأرقام أظهرت بالفعل أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة تخدم مصالحهما المشتركة. وتابع بأن العلاقات التجارية المشتركة ساعدت في توفير 2.6 مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة خلال عام واحد، وخفضت أسعار السلع للأسر الأميركية المتوسطة، ما وفر نحو 850 دولارا لكل منها في 2015.
وذكرت هيئة الجمارك الصينية مؤخرا أن فرض ترمب مزيدا من إجراءات الحمائية التجارية قد يحد من نمو صادرات الصين، مضيفة أن التحديات التي تواجهها الصين في التجارة ليست قصيرة الأجل، لكن اقتصادها قادر على التعامل معها مبديا أمله في أن يستمر التعاون التجاري بين الولايات المتحدة والصين. وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قد أعلن سابقا أنه اختار روبرت لايتهايزر الذي يعتبر من دعاة تعزيز الحمائية، مندوبا للتجارة الخارجية، أي المسؤول عمليا عن المفاوضات التجارية الدولية. ويعد اختيار ترمب للمحامي لايتهايزر، مؤشرا إلى عزمه على المضي قدما في تطبيق سياسات تجارية صارمة تنفيذا لوعوده خلال حملته لانتخابات الرئاسة.
اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادي»
أما القضية الخامسة الشائكة في العلاقات فهي اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادي».
الرئيس الأميركي وقع مباشرة بعد توليه منصبه قرار الانسحاب من الاتفاقية، ما يبين الدخول المبكر في حروبه الاقتصادية مبكرًا، حيث تضم الاتفاقية 12 دولة، وتستهدف تسهيل عمليات التجارة بين هذه الدول، وزيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادي، كما تستهدف الاتفاقية تقليص حجم التعريفات الجمركية بشكل كبير بين الدول الأعضاء، بل والتخلص منها في بعض الحالات، إضافة إلى فتح مجالات أخرى في تجارة البضائع والخدمات، وإزالة الحواجز التجارية في المنطقة، وخفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على نحو 18 ألف سلعة صناعية وزراعية. وتعهد رئيس الوزراء الأسترالي، مالكولم تيرنبول بالحفاظ على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، قائلاً إنه منفتح على انضمام الصين إلى الاتفاقية بدلاً من الولايات المتحدة. لكن يرى بعض المحللين الصينيين أن النظام الاجتماعي والاقتصادي الصيني يجعل من المستحيل انضمام الصين إلى الاتفاقية بمفهومها ونظامها الحالي، كما أن الصين ليست أكبر شريك تجاري للدول الأعضاء وإنما ثاني أكبر شريك اقتصادي، كما أن اليابان لا ترحب بانضمام الصين إلى الاتفاقية. ورفضت وزارة الخارجية التعقيب على ذلك أيضا، وذكرت أنه يجب التوصل إلى اتفاق نهائي إزاء الشراكة الاقتصادية التكاملية الإقليمية، التي تشترك فيها بكين، مشيرًا إلى أن حكومة بلاده ستواصل دعم إقامة منطقة تجارة حرة في آسيا والمحيط الهادي.
واعتبر جاك ما ثاني أغنى رجل في الصين ومؤسس شركة «علي بابا» للتجارة الإلكترونية القرار بأنه الكارثة الكبيرة بالنسبة للصين، وأضاف: «علينا أن نبرهن أن التجارة تساعد الناس على التواصل، علينا إقامة تجارة عادلة وشفافة وشاملة». وكان جاك ما قد أعلن خلال لقائه بالرئيس الأميركي الشهر الماضي أن شركته ستساعد على خلق مليون وظيفة جديدة في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن «العالم يمر بمرحلة مهمة تحتاج قيادة جديدة».
أكدت الحكومة الصينية تلقي رسالة تهنئة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمناسبة حلول رأس السنة القمرية الجديدة أو عيد الربيع الصيني، وأن بكين تقدر عاليا تهنئة ترمب للشعب الصيني، مشددة على أن التعاون بين البلدين هو الخيار الوحيد.