المشهد: ما بين مهرجان وآخر

المشهد: ما بين  مهرجان وآخر
TT

المشهد: ما بين مهرجان وآخر

المشهد: ما بين  مهرجان وآخر

* إذا قدر لأحد أن ينتقل من مهرجان إلى آخر من مطلع العام وحتى نهايته، فإنه عند رأس السنة الهجرية سيكون عدد المهرجانات التي حضرها 36 مهرجانًا، أي ثلاثة في الشهر إذا ما كان كل مهرجان من عشرة أيام، بما فيها الذهاب إليه والعودة منه.
* أما إذا أراد حضور خمسة أيام فقط من كل مهرجان، فإن عدد المهرجانات في آخر السنة سيصل إلى 73 مهرجانًا. أما إذا أراد حضور مائة مهرجان في السنة، فإن ما سيمضيه في كل مهرجان لن يزيد على يومين والثالث هو للسفر.
* طبعًا لا أحد يفعل ذلك ولأسباب كثيرة، أهمها ألا داعي لمثل هذا التحدي غير الضروري الذي لن يبرهن على شيء إلا على قدرة صاحبه المادية والصحية والنفسية. هذه ليست أمورًا بسيطة، لكنها في نهاية الأمر ستعتبر المسألة ضربًا من الجنون.
* هناك، حسب آخر تعداد قبل عامين، نحو 4 آلاف مهرجان سينمائي حول العالم. معظمها الكاسح يحمل كلمة مهرجان، لكنه أقرب إلى بانوراما. لكن هناك، في المقابل، ما لا يقل عن 500 مهرجان فعلي منتشر فوق أركان الأرض. قليل منها يستطيع ضمان أفلام لم تعرض في أكثر من مهرجان قبله. الأقل من ذلك هو عدد المهرجانات التي لا غنى عنها للناقد ولبعض السينمائيين، كل حسب اختصاصه.
* هذا الناقد يؤم سبعة مهرجانات في العام، وقلما يغادر مهرجانًا لم ينته أو يصل إلى مهرجان بعد بدايته. ما هو مثير، لجانب عملية اكتشاف الأفلام بحد ذاتها ومتابعة عشرات ألوف المشاهدين الذين يؤمون كل واحد منها بشغف الهواة الحقيقيين، أنها تبدو، من زاوية عليا، كما لو كانت نقاطًا على خريطة غير مكتملة. كل نقطة تتصل بالثانية، لكنها تخلف وراءها نقاطًا كثيرة بينهما.
* من بالم سبرينغز إلى صندانس وصولاً إلى برلين مع تفويت روتردام وغوتبيرغ. تنتظر «كان» على حساب إسطنبول وبوينس آيريس وكراكوف، وإذا حضرت إياها فاتك لشبونة وأوبرهاوزن. وبعد مهرجان «كان» تكر السبحة من جديد: لديك من المهرجانات الكبيرة فقط كارلوفي فاري، لوكارنو، أنقرة، كراكوف، أنيسي، ميونيخ، سيدني، تايباي، ملبورن، ساراييفو وصولاً إلى فنيسيا وتورونتو، وما بعدهما مثل لندن وسان سابستيان ودوفيل ونيويورك ودبي.
* إذا حضرت أربعة من هذه المهرجانات فاتك 14، لكن كلما كان المهرجان كبيرًا، أتاح لك مشاهدة أفلام جديدة لم تشاهدها من قبل. سرعان ما يدلف الواحد منا إلى عالم «ماتريكس» مواز وخيالي من دون أن يتحوّل إلى شيء آخر غير نفسه. ربما هو الهرب من الذات، أو هرب من المشكلات، أو هرب من العالم بأسره. لكن حسنًا تفعل هذه المهرجانات التي تضيء ليالي الحياة من حولنا.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.