الميليشيات تقمع المدنيين في صنعاء والاعتقالات تطال النساء

كثفت إجراءاتها الأمنية مع اقتراب ذكرى ثورة «11 فبراير»

يمنيتان تسيران في المدينة القديمة بصنعاء (أ. ف. ب)
يمنيتان تسيران في المدينة القديمة بصنعاء (أ. ف. ب)
TT

الميليشيات تقمع المدنيين في صنعاء والاعتقالات تطال النساء

يمنيتان تسيران في المدينة القديمة بصنعاء (أ. ف. ب)
يمنيتان تسيران في المدينة القديمة بصنعاء (أ. ف. ب)

قالت مصادر حكومية ومسؤولة في صنعاء، إن ميليشيات الحوثي وصالح تواصل قمع كل مظاهر الاحتجاج في العاصمة اليمنية صنعاء، في حين تعتقل عشرات الآلاف من النشطاء والحقوقيين والمواطنين والصحافيين في سجون سرية. وأدانت نقابة الصحافيين اليمنيين حملة قمع احتجاجات صحافيي وموظفي «مؤسسة الثورة للصحافة والنشر».
وقالت النقابة، في بيان: «تدين نقابة الصحافيين اليمنيين القمع والعنف الذي قوبلت به احتجاجات صحافيين وموظفين من (مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر) في العاصمة صنعاء، من قبل عناصر أمنية تتبع جماعة الحوثي، استخدمت الرصاص الحي في تفريق المحتجين المطالبين بجزء من مستحقاتهم، وتخوينهم وتهديدهم»، وأضافت: «نقابة الصحافيين وهي تستهجن هذه التصرفات الرعناء، تحمل جماعة الحوثي مسؤولية هذه التصرفات، وتدعم مطالب الزملاء في الحصول على مرتباتهم المتأخرة، وتحذر من استخدام العنف والقمع تجاه مظاهر التعبير السلمية المكفولة دستوريا».
إلى ذلك، أفاد مواطنون في صنعاء «الشرق الأوسط» بأن ميليشيات الحوثي وصالح تواصل حملات مداهمة لمنازل مواطنين في أحياء الستين والسنينة، بالتزامن مع قرب الذكرى السادسة لثورة «11 فبراير (شباط)»، وهي ذكرى الثورة الشعبية الشبابية السلمية التي أطاحت بنظام الرئيس علي عبد الله صالح من الحكم، ضمن ما عرف بـ«ثورات الربيع العربي»، بعد 33 سنة قضاها في حكم اليمن.
وقال اللواء عبد الغني حفظ الله جميل، وزير الدولة أمين العاصمة صنعاء (الشرعية) في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحدث في صنعاء ينم عن مخاوف حقيقية وإدراك كبير لدى الانقلابيين بأنهم غير مرحب بهم لدى معظم سكان العاصمة، مؤكدا أن تصرفات الانقلابيين الأمنية والعسكرية تتجاوز الحقوق والحريات، وهي عبارة عن «قراءة الفاتحة على أنفسهم قبل الرحيل». وأضاف جميل، تعليقا على اعتقال نساء: «أسلوب منحط لم تشهده عادات وتقاليد اليمنيين منذ أن عرف اليمنيون أنفسهم، فاليمن لديه تقاليد وأعراف قبيلة تحرم المساس بالنساء، مهما كانت حجم المشكلات واختلافات الرأي، وتعد هذه بادرة خطيرة، ومن الضروري أن يقف الجميع لها بكل حزم وقوة». وأشار أمين العاصمة صنعاء إلى ضرورة أن يتحلى المواطنون في العاصمة بالصبر والحكمة «حتى تنجلي الغمة، فالنصر قريب، وتطهير مدينة سام (صنعاء) بات وشيكا».
في الوقت ذاته، يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، الدكتور عبد الباقي شمسان، إن «إحكام السيطرة على المجال الجغرافي والفضاء العام إجراء ثابت منذ اليوم الأول للانقلاب، الذي يتطلب أيضا ضبط عدد من الفئات المجتمعية الأخرى من خلال الترويع والإخفاء للسياسيين والقيادات العسكرية والنخب والفعاليات المدنية والصحافيين، وكذا الاستيلاء على مقرات وممتلكات القنوات والصحف وإقفال المواقع الإلكترونية»، مشيرا، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه لم يتبق أمام الانقلابيين سوى «فئة مؤثرة وفاعلة لعبت دورا في ثورة الشباب، المتمثلة في المرأة، التي اكتشفنا أنها فاعلة وقادرة على التحشيد والتأثير، ولها الحماية من حيث المعاملة، بحكم حماية القيم المجتمعية من المس بها، ومن هنا عمد الحوثيون إلى إجراء استباقي يضعف استثمار هذا الممكن القادر على تدشين الاحتجاج والذي من المتوقع أن يصبح مثل كرة الثلج، بخاصة مع الانتصارات العسكرية واقتراب العمليات العسكرية على تخوم صنعاء». ويردف الأستاذ الجامعي: «إنهم (الانقلابيون) يدركون تماما أنهم لم يتركوا مساحة جغرافية أو فئوية إلا وهى مملوءة بالجراح والاحتقان. بعبارة أخرى، إن الفضاء المجتمعي قابل للانفجار، فقط يحتاج للشرارة الأولى، وهنا أقصد التحشيد الأول، حيث من المتوقع عدم القدرة على السيطرة عليها، بخاصة مع انعدام الثقة بين حليفي الانقلاب».
ومنذ بدء الانقلاب على الشرعية في صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، تمارس ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية، انتهاكات كبيرة بحق المواطنين، تتمثل في الاعتقال والإخفاء والقتل خارج القانون، بحسب المنظمات المحلية والدولية. ووفقا لشهود عيان في صنعاء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن الميليشيات كثفت وجودها في الأحياء السكنية والشوارع والأزقة، وتقوم باعتقال أي شخص أو أشخاص يوجدون في الشارع، من الشباب خاصة، وتصادر هواتفهم الجوالة، حيث باتت عملية مصادرة الهواتف وتفتيشها والتعدي على خصوصيات المواطنين، إجراء روتينيًا في صنعاء، من قبل الميليشيات. ويؤكد أحد المواطنين: «الحوثيون متوترون، وبدأوا يشكون في كل شيء»، ثم يقول آخر: «قبل فترة، اختطفوا أخت صديقي، وأخذوها إلى فيلا وربطوها بعرض شجرة، وسكبوا عليها ماء باردا، ولطموها واستجوبوها بخصوص نشاطها السياسي وزميلاتها، وتركوها لليوم التالي، ورموها في (مستشفى الثورة)، وأسرة البنت سكتت ولم تتحدث خشية الفضيحة في مجتمع كالمجتمع اليمني».
ومن المقرر أن تحتفل الأوساط اليمنية غدا (السبت) بالذكرى السادسة لانطلاق ثورة «11 فبراير» التي أطاحت بالمخلوع صالح سلميا، عبر مظاهرات واعتصامات مفتوحة عمت ساحات العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات، للمطالبة برحيله بعد 33 عاما قضاها في الحكم.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».