تباين بين سياسييّ المعارضة وعسكرييها حول المشاركة في «جنيف»

توجه لتعيين رئيس «مدني» لرئاسة الوفد المفاوض

قطع فنية من ثلاث حافلات وسط مدينة دريسدن شرق ألمانيا، للفنان السوري مناف الحلبوني لاستحضار معاناة المدنيين في حلب (أ.ب)
قطع فنية من ثلاث حافلات وسط مدينة دريسدن شرق ألمانيا، للفنان السوري مناف الحلبوني لاستحضار معاناة المدنيين في حلب (أ.ب)
TT

تباين بين سياسييّ المعارضة وعسكرييها حول المشاركة في «جنيف»

قطع فنية من ثلاث حافلات وسط مدينة دريسدن شرق ألمانيا، للفنان السوري مناف الحلبوني لاستحضار معاناة المدنيين في حلب (أ.ب)
قطع فنية من ثلاث حافلات وسط مدينة دريسدن شرق ألمانيا، للفنان السوري مناف الحلبوني لاستحضار معاناة المدنيين في حلب (أ.ب)

أعلن الائتلاف الوطني السوري أمس أن المعارضة تتجه لتشكيل وفدها إلى مفاوضات جنيف التي من المفترض أن تعقد في 20 فبراير (شباط) الحالي، رغم رفع الفصائل صوتها مكرّرة رفضها المشاركة في الجولة الرابعة من المفاوضات ما لم يتم تنفيذ الالتزام بالوعود التي حصلت عليها في محادثات آستانة الشهر الماضي كما أعلن رئيس الوفد إلى آستانة، القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش. في وقت تشير فيه مصادر مطلعة إلى أن التوجه هو لتعيين رئيس للوفد من غير العسكريين. ووضعت مصادر في الائتلاف، موقف علوش، في خانة «عرض الإرادات»، معتبرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه ليس هناك أي خيار أمام المعارضة سوى المشاركة في المفاوضات، في وقت تبقى هذه المواقف ضرورية ومفيدة لحث الروس والإيرانيين لتنفيذ وعودهم، لافتة إلى أن الفصائل ستشارك في اجتماعات الرياض لحسم الموقف في هذا الأمر.
وفي حين تؤكد المعارضة رفضها الخضوع لأي ضغوط تحاول موسكو فرضها عبر إضافة ممثلين لما يعرف بـ«مجموعة حميميم» و«منصة آستانة»، بحسب ما أكد المتحدث باسم الهيئة، رياض نعسان آغا، أشارت معلومات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التوجه هو لتعيين رئيس للوفد من غير العسكريين، ما لم يتم التصويت عكس ذلك، تفاديًا لبعض المشكلات التي واجهتها في الوفد السابق الذي كان يرأسه العميد أسعد الزعبي ويتولى موقع كبير المفاوضين فيه القيادي محمد علوش.
ويلفت آغا إلى أنه لغاية الآن لا يوجد أي مؤشرات لغياب الهيئة عن جنيف، والتي تشكّل الفصائل جزءًا منها، على أن تقدم اقتراحات لأسماء ممثلين لها كما كل الجهات الأخرى. وأوضح أنه من حيث المبدأ، ستبقى طبيعة تشكيلة الوفد كما هي، لا سيما لجهة العدد، أي 17 شخصًا، والأطراف المعارضة الممثلة فيه، مع تأكيده على رفض الإملاءات الروسية التي تحاول فرض شخصيات من منصة آستانة ومجموعة حميميم اللتين لم يتم ذكرهما في القرار 2254، فيما كانت وستبقى منصتا موسكو والقاهرة ممثلتين في الوفد، مجددًا رفضه إشراك «الحزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي الذي تضع تركيا بدوره «فيتو» على حضوره إلى جانب المعارضة. مع العلم، أن قياديي أكراد كانوا قد أعلنوا أنهم حصلوا على تأكيدات من روسيا بأنهم سيشاركون في جنيف. من هنا، تقول مصادر في الائتلاف لـ«الشرق الأوسط» «سنعمل على تشكيل الوفد بالتوافق مع جميع مكونات المعارضة، أما إذا فرض علينا ما لا نريده، فيعني ذلك تعطيل مشاركتنا في المفاوضات وإيجاد حجج لإبعادنا واستبدال وفد الهيئة بوفد آخر».
وفي حديث لـ«وكالة الأناضول» قال محمد علوش إن الفصائل العسكرية تنتظر تطبيق الوعود التي حصلت عليها في آستانة، وقال: «لا يمكن أن نذهب إلى مكان آخر قبل تطبيق مطالبنا على الأرض، وهي: وقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين والمعتقلات لا سيما النساء والأطفال، وفك الحصار عن المناطق المحاصرة باعتبار أن ذلك يساهم في إيجاد بيئة تفاوضية سليمة يمكن أن ننتقل بعدها إلى مسار آخر». وعن تشكيل وفد موحد للمعارضة إلى جنيف، أشار علوش إلى أن «الخطوات والفائدة على الأرض أهم من تشكيلة الوفد؛ فإذا أثمرت آستانة وصارت واقعًا على الأرض فسيكون إشراك باقي قوى الثورة الحقيقية بشكل صادق أمرًا واجبًا، والهيئة العليا للتفاوض (الممثلة للمعارضة) أخذت على عاتقها أن تفعل ذلك، ونحن مؤيدون للعمل إذا كان هناك حقيقة واقعة على الأرض». وأضاف: «الأمر الآن في يد روسيا، فالمعارضة وقعت الاتفاقية والتزمت بها وأوفت بالضمانة التركية، إلا أن الجانب الآخر المتمثل بإيران والنظام السوري والذي ضمنته روسيا لم يلتزم بالاتفاقية».
ولفت إلى أن «فشل روسيا في الإيفاء بما ضمنته هذه المرة يعني أنها ستفشل في المرات القادمة كما أن ذلك يدل على عدم وجود نية حسنة أو تمهيد لوجود حل».
وكان الائتلاف الوطني بحث في اجتماعات له، جهوزية المعارضة السورية للمشاركة في مفاوضات جنيف لبحث عملية الانتقال السياسي وفق ما نص عليه بيان جنيف والقرار 2254. وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي للائتلاف، ركّز الاجتماع على قضيتين رئيسيتين، الأولى وهي جدول أعمال مفاوضات جنيف القادمة، وتم التأكيد على ضرورة أن تنطلق المفاوضات بما انتهت إليه مفاوضات جنيف 3 الأخيرة، حيث ذكر المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في إحاطته أمام مجلس الأمن والتي تحمل رقم 7774، أنه تم الاتفاق فيها على البدء بتطبيق عملية الانتقال السياسي. ولفت البيان إلى أن القضية التي تم البحث بها، هي عملية تشكيل الوفد المفاوض في جنيف، مشيرًا إلى أن الأسماء سيتم الإعلان عنها في نهاية اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات المرتقبة في 10 و11 فبراير الحالي.
إلى ذلك، أكد سالم المسلط المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات السورية لـ«الشرق الأوسط»، أن العاصمة السعودية ستستضيف يومي 10 و11 فبراير الحالي اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات لبحث آخر مستجدات القضية السورية.
وأوضح العميد أسعد الزعبي رئيس الوفد المفاوض إلى جنيف، أن اجتماعات «هيئة المفاوضات»، ستتناول نتائج اجتماعات آستانة، ونتائج اجتماعات موسكو التي ضمت بعض فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى التصريحات الأخيرة التي أطلقها ستيفان دي مستورا المبعوث الأممي إلى سوريا، بشأن تشكيل وفد للمعارضة.
واعتبر الزعبي أن موسكو شريك في التصعيد العسكري الأخير في سوريا، لافتًا إلى أنها لم تلتزم بإخراج كل الميليشيات التي وعدت بإخراجها سابقًا، كما أن النظام السوري بدأ حشد عناصره على الغوطة الشرقية مما ينذر باقتحامها.
وجدد التأكيد على أن مشاركة الهيئة العليا للمفاوضات تبدو معتمة في الوقت الراهن، بالنظر إلى مطالب الروس بإعداد وفد آخر يضم الأطياف السورية كافة، لافتًا إلى أن كل الوفود التي ذهبت إلى المفاوضات ممثلة لجميع أبناء الشعب السوري.
من جهته، أوضح الدكتور هشام مروة عضو اللجنة القانونية في الائتلاف الوطني السوري، أن اجتماعات الرياض ستركز بشكل أساسي على تشكيل الوفد التفاوضي إلى جنيف 4، مشددًا على أن الوفد سيكون واحدًا وسيضم الأطياف السورية كافة، وممثلين عن الفصائل السورية الثورية.
وأضاف مروة لـ«الشرق الأوسط» أن الهيئة انتبهت إلى محاولات إنشاء وفد آخر يضم الفصائل المسلحة خلال المفاوضات السابقة بآستانة، كي يكون مستقلاً بالمفاوضات، مفيدًا أن ذلك لم يمر على الوفد الذي مثّل الهيئة العليا للمفاوضات في آستانة.
وأشار إلى أن الهيئة لم تتلق حتى الآن أي رد على الوثائق التي قدمها وفد المعارضة حول تثبيت وقف إطلاق النار، موضحًا أن الضمان الروسي الذي قدم مع اتفاقية وقف إطلاق النار محل شك، لعدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».