المشي على مسارات الثلج أحدث سياحة شتوية في لبنان

أفضلها يتوزّع ما بين أهمج وصنين والعاقورة والأرز

رحلات مشي على الثلج ضمن مجموعات في غابة الأرز - الحذاء الخاص بالرياضة يطلق عليه اسم «راكيت»
رحلات مشي على الثلج ضمن مجموعات في غابة الأرز - الحذاء الخاص بالرياضة يطلق عليه اسم «راكيت»
TT

المشي على مسارات الثلج أحدث سياحة شتوية في لبنان

رحلات مشي على الثلج ضمن مجموعات في غابة الأرز - الحذاء الخاص بالرياضة يطلق عليه اسم «راكيت»
رحلات مشي على الثلج ضمن مجموعات في غابة الأرز - الحذاء الخاص بالرياضة يطلق عليه اسم «راكيت»

المشي على مسارات الثلج «snowshoeing» تعدّ إحدى أحدث الرياضات الشتوية الرائجة حاليا في لبنان. فبعد أن غطّت الثلوج معظم جباله وصارت دروبها تصلح لهذا النوع من الرياضات، حيث تبلغ كثافة الثلوج 30 سم وما فوق، انتشرت هذه الرياضة لتستقطب الكبار والصغار من عمر العشر سنوات وما فوق.
ولعلّ ممارسة الـ«سنوشوينغ» تسمح لهواتها بالتعرّف إلى لبنان عن كثب، والوقوف على مناطق أثرية فيه وكذلك على غابات ومغاور لم يسبق أن سمع ممارس هذه الرياضة بها.
وهي تتطلّب لباسا خاصا، وأهمّها أحذية الراكيت التي تسمح بالمشي على هذا النوع من المسارات ولساعات طويلة. ويمكنك ممارسة الـ«سنوشوينغ» من خلال ثلاث وسائل تأتي في مقدّمها الوكالات السياحية التي تنظّم هذا النوع من الرحلات في بيروت، أو من خلال التزوّد بخرائط تسمح لك بالتوجّه مع أصدقائك إلى المنطقة المقصودة والصالحة لممارسة هذه الرياضة. كما في استطاعة الراغبين بممارستها التوجه مباشرة إلى المنطقة المرغوب فيها، والاستعانة هناك بدليل سياحي خاص يمكنك السؤال عنه في مراكز البلديات أو الفنادق الموجودة هناك.
أكثر من 100 درب جبلية بإمكانك أن تقصدها في لبنان سعيا وراء ممارسة هذه الهواية الشتوية. وهي تنتشر من شماله إلى جنوبه أي من بلدة القبيّات حتى مرجعيون. وتعدّ أفضل تلك المسارات هي التي استحدثت مؤخرا في بلدة أهمج وكذلك في بلدات اللقلوق والعاقورة والأرز وقناة باكيش.
* درب وادي النزنازة في بلدة أهمج
تقع أهمج في قضاء جبيل في محافظة جبل لبنان، وهي تبعد عن بيروت نحو 57 كيلومترا وترتفع عن سطح البحر 1140 مترا. وتشتهر هذه البلدة بحسن استقبالها لضيوفها الذين بإمكانهم أن يقيموا بين أحضانها وذلك في نزلها الريفي (أرز أهمج)، فهناك تحلو سهرات النار في طبيعتها الخلّابة وكذلك تناول «المطمورة» أي البطاطا المشوية على الحطب والمغمّسة بالزبدة والملح.
ومن وادي النزنازة فيها حيث تمتد غابة طبيعية من شجر العذر، تبدأ رحلتك في مسار ثلجي يبلغ طوله نحو الثماني كيلومترات. ويشمل هذا الدرب مناطق السيّار وبيشار وجدار النعص مرورا بـ«عيون تلّاج»، حيث تطلّ عليك آثار رومانية وأخرى للجيش الفرنسي الذي كان قد اتّخذ في الماضي من حصن موجود هناك مركزا له. وبعدها تبدأ طريق العودة فتتوجّه إلى المثقوبة وصولا إلى عين البطرك التي توصلك إلى نقطة البداية
حيث نزل «أرز أهمج».
- درب عرب اللقلوق
يمتد هذا الدرب الثلجي الواقع في منطقة اللقلوق على مساحة ثماني كيلومترات. وتتميّز هذه المنطقة بمساراتها الكثيرة ومناظرها الطبيعية الخلّابة وهي تبعد 69 كيلومترا عن بيروت وبارتفاع 1780 مترا عن سطح البحر. ويبدأ المسار من نقطة عرب اللقلوق مرورا بسيدة القرن، نزولا إلى مار جريما وصولا بالعودة إلى نقطة البداية. وفي استطاعة زائر هذه المنطقة النزول في أحد أقدم وأعرق فنادق المنطقة «الشانغريلا» الذي يحتوي على مدخل جميل فبه موقدة على الحطب. وفي الفندق غرف عائلية وأخرى فردية. ومن الخدمات السياحية التي يقدّمها نشاطات مختلفة للكبار والصغار، إضافة إلى الطعامين الغربي واللبناني.
- درب العاقورة
تتميّز العاقورة بصخورها التي تشكّل بتضاريسها لوحة طبيعية خلّابة، وهي تعلو نحو 1450 مترا عن سطح البحر وتقع في منطقة جبل لبنان.
درب الجبل في العاقورة الخاص بممارسة هواية رياضة المشي على الثلج، ينطلق من وادي مار سمعان مرورا بعين العصافير والمزار وعين هارون وصولا إلى افقا. ويعدّ الأطول من بين المسارات الأخرى إذ يمتد 15 كيلومترا. ومن يهمّه تمضية ليلته هناك باستطاعته النزول في بيت الضيافة «حسّان الهاشم» الذي يقدّم خدمات سياحية مختلفة إضافة إلى أطباق لبنانية معروفة تعدّها ربّات منازل تستقرّ في العاقورة. ويشتهر مطعم «الرويس» بتقديم الطعام اللبناني التقليدي والشعبي، المؤلّف من أطباق ريفية وأخرى معروفة تدخل ضمن أطباق المازة اللبنانية.
- مسار قناة باكيش صنين
تقع قناة باكيش قبالة جبل صنين على ارتفاع 1904 أمتار، وفيها مساحات واسعة لممارسة رياضة السير على الثلج. كما أنها معروفة بمركز التزلج فيها والذي يتضمن حلبات مخصصة للكبار والصغار تتيح ممارسة رياضات شتوية عدة كالـ«سنوبورد» والـ«سكي دو». وفي قناة باكيش أيضا نحو 40 من الشاليهات وفندق واحد يمتاز بضيافته ووسائل الراحة والتسلية المتوافرة فيه.
في قناة باكيش تستطيع اختيار المسار الذي ترغب فيه نظرا إلى توّفر عدد كبير منها هناك. وبحسب خبراء السياحة الشتوية في صنين، فإن فرصة تمتّعك برحلة بين أحضان الثلج تأخذك من قناة باكيش إلى صنين هي مفتوحة أمام الجميع شرط أن يرافق هواة هذه الرياضة دليل سياحي، يتم الاستعانة به من مراكز التزلّج في المنطقة أو من أحد فنادقها. ومن بين الفنادق المعروفة في تلك المنطقة فندق «المتنزه» و«ماونت صنين» التي تقدّم عروضا ترويجية لزبائنها طيلة أيام السنة.
- مسار فقرا المزار
يعدّ من أجمل مسارات الثلج في لبنان ويندرج على لائحة رحلات المشي السهلة، والذي يستغرق نحو خمس ساعات من الوقت لاجتيازه. ويتميز هذا المسار الذي يصل ما بين منطقتي فقرا والمزار بالمناظر الطبيعية الرائعة التي في استطاعتك مشاهدتها في المنطقة المذكورة. فبلوغ قمة المزار يسنح المجال أمامك بالسير في طريق ضيّق يشرف على قناة باكيش والزعرور وجبلي الكنيسة والشيخ.
وتعرف هذه المنطقة بمطاعمها وفنادقها ذات الخدمات الرفيعة المستوى، ويعدّ فندق المزار إنتركونتيننتال من أشهرها. ومن بين الفنادق الأخرى التي ينصح بها هناك «تير برون» و«أوبرج دي فقرا» و«ذا لودج».



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».