بونوا هامون «إلى اليسار دُر»

مرشح الاشتراكيين لمعركة الرئاسة الفرنسية

بونوا هامون «إلى اليسار دُر»
TT

بونوا هامون «إلى اليسار دُر»

بونوا هامون «إلى اليسار دُر»

غدا «سينصّب» بونوا هامون مرشحا رسميًا للحزب الاشتراكي الفرنسي للانتخابات التي ستُجرى دورتها الأولى بعد أقل من ثمانين يومًا. وستتحقق هذه الخطوة المفاجئة بعد تغلب هامون على رئيس الوزراء الحالي مانويل فالس في الانتخابات الترشيحية للحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه الرئيس فرنسوا هولاند.
مسؤولية هامون (49 سنة)، الذي لم يشغل سوى منصب وزاري حتى الآن خلال الحملة الانتخابية الرئاسية ستكون ضخمة. ولكن خلال الأسابيع الأخيرة، تبيّن أن السياسي اليساري الشاب - الذي يشبه كثيرون صعوده بصعود بيرني ساندرز في الولايات المتحدة، وجيريمي كوربن في بريطانيا - عميق الثقافة وبالغ الجدية. وكما أن ماكرون هو «فلتة الشوط» الرئاسية حتى الآن، فربما سيأتي هامون بمفاجأة ما شبيهة بمفاجأة فوزه بترشيح حزبه الاشتراكي.
لا يمضي يوم إلا ويأتي بجديد في الحملة الرئاسية التي لم تعرف فرنسا مثيلا لها منذ انطلاقة الجمهورية الخامسة في 4 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1958. والعجيب فيها أن الناخبين الفرنسيين، من اليمين واليسار سخروا من كل استطلاعات الرأي التي تدعي الحلول مكانهم في اختيار المتنافسين والفائزين.
ولذا، فإن صف الضحايا التي تساقطت مع انطلاقتها يستوجب التوقف؛ فلأول مرة، يجد رئيس فرنسي، هو الرئيس الحالي فرنسوا هولاند، نفسه غير قادر على الترشح لولاية رئاسية ثانية، بعكس ما فعل سابقوه باستثناء الرئيس جورج بومبيدو الذي مات بالسرطان في قصر الإليزيه قبل أن يكمل ولايته الأولى. ولأول مرة أيضا، يخفق رئيس جمهورية سابق هو نيكولا ساركوزي في الحصول على ترشيح حزبه لخوض المنافسة الرئاسية ويخرج منذ الجولة الانتخابية التمهيدية الأولى إذ حل في المرتبة الثالثة بعد رئيس حكومته الأسبق فرنسوا فيون ووزير خارجيته السابق آلان جوبيه. وبعدما كان جوبيه، طيلة شهور، متربعًا على قمة الاستطلاعات التي كانت تمنحه المركز الأول وجعلت منه منذ الصيف الماضي الرئيس القادم للجمهورية الفرنسية، ها هو يهوي عن عرشه في الجولة الثانية من انتخابات اليمين والوسط التمهيدية، ويخسر مكانه لصالح فيون الذي لم يكن أحد يتوقع له أن يصل إلى حيث وصل.
إلا أن الأخير سرعان ما لحقت به الفضائح، وتحديدًا، تشكيله ما يمكن تسميته «شركة عائلية» وظف فيها تباعًا زوجته بينيلوبي واثنين من أبنائه بصفتهم مساعدين برلمانيين له. لكن القضاء المالي الفرنسي منكب، خصوصا، على التحري عن حقيقة عمل السيدة فيون التي حصلت على نحو مليون يورو من عملها «الوهمي» بصفتها مساعدة برلمانية لزوجها وللبديل الذي حل مكانه عندما أصبح وزيرا ورئيس وزراء. وكذلك حصلت بينيلوبي فيون على نحو مائة ألف يورو من عملها ناقدة أدبية في مجلة مغمورة زودتها بتقرير عن كتابين خلال أقل من عامين. واليوم، يجد فيون نفسه في وضع لا يحسد عليه، فمرشح اليمين كان «بطل النزاهة» وكوّن عن ذاته صورة الرجل العصامي، الضنين بالمال العام، والبعيد كل البعد عن الفساد. والحال أن هذه الصورة تهشّمت وليس من المستبعد أن يضطر للتخلي عن السباق، خصوصًا أن أصواتا أخذت تسمع في معسكره وتدفعه في هذا الاتجاه للمحافظة على حظوظ اليمين في استعادة السلطة من اليسار.
* مفاجآت الاشتراكيين
بيد أن المفاجآت ما كانت حكرًا على اليمين؛ ذلك أن اليسار الذي أنهكته خمس سنوات من الحكم بما حملته من إخفاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية وتكاثر الأعمال الإرهابية، واحتداد المنافسات والانقسامات، كان هو الآخر يعيش حالة من التفكك. وبعدما خرج وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرون من الحكومة الصيف الماضي ليطلق حركة سياسية سمّاها «إلى الأمام» ويعلن ترشحه للرئاسة، تزايدت الضغوط على الرئيس هولاند لمنعه من الترشح مجددا. واستفاد معارضوه من صدور كتاب بعنوان «لا يتعين على الرئيس أن يقول هذا الكلام» لصحافيين يعملان في جريدة «لوموند» المستقلة، يتضمن تسريبات ومعلومات وآراء نظر إليها كثيرون على أنها «غير جديرة» بالصدور عن رئيس للجمهورية.
وبالتالي، استفاد رئيس الحكومة مانويل فالس من الوضع ليحشر هولاند ويدفعه إلى التخلي عن فكرة الترشح لولاية ثانية. وليعلن عقب ذلك مباشرة، في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) الماضي دخوله ساحة المنافسة التمهيدية للظفر بترشيح الحزب الاشتراكي. وكان سبقه إليها أربعة وزراء سابقون، أحدهم بونوا هامون وزير التربية الأسبق الذي خرج من الحكم في صيف عام 2014؛ احتجاجًا على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية لحكومة فالس.
كان فالس يعتقد أن تتويج الاشتراكيين له وهو «رجل الدولة» الذي سبق له أن شغل منصب وزير الداخلية، ثم رئاسة الحكومة، وحارب الإرهاب و«التطرف الإسلامي» ودافع عن العلمانية وجسّد سلطة الدولة وثقافة الحكم، سيكون بمثابة تحصيل حاصل؛ ومن ثم، فإن حضوره سيسحق الآخرين بمن فيهم وزير الاقتصاد الأسبق أرنو مونتبورغ ونظيره وزير التربية الأسبق فانسان بيان. وكان كثيرون يرون أن الخطر «الجدّي» بالنسبة إليه يتمثل بمونتبورغ، الذي سبق له أن خاض المنافسة التمهيدية الرئاسية عام 2011 وحصل على نسبة أصوات فاقت ضعف ما حصل عليه فالس. غير أن نتيجة الجولة الأولى فاجأت الجميع؛ إذ حل بونوا هامون في المرتبة الأولى بحصوله على نحو 37 في المائة من الأصوات، في حين لم يتمكن فالس من اجتياز عتبة الـ32 في المائة. أما في الدورة الثانية، فإن الفارق بين الرجلين كان واسعًا؛ إذ حصل الأول على 58 في المائة من الأصوات وبقي الثاني تحت سقف الـ42 في المائة.
* انتصار الجناح اليساري
هذه النتيجة تعني انتصار الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي على «جناح الحكم» ممثلا برئيسي الجمهورية والحكومة وبالماكينة الحزبية. إذ كان هامون قد بنى دعايته السياسية على التنديد بالتوجهات اليمينية الليبرالية للعهد الذي حاربه من خلال تجمّع للنواب الاشتراكيين «المتمردين». وهكذا كان من الطبيعي أن يحظى بدعم مونتبورغ في الجولة الثانية، إذ إن كليهما ينتميان إلى المدرسة نفسها التي ترى أن «العهد الاشتراكي» أيام هولاند حفل بمجموعة من التراجعات والتنازلات في وجه اليمين ورأس المال وأرباب العمل، والتخلي عن الوعود الانتخابية، وعن الطبقتين الوسطى والدنيا وإنهاكهما بالضرائب والرسوم وتقديم المحفزات المالية للشركات مقابل وعود لم تتحقق.
ودافع هامون عن برنامج رئاسي يمكن تصنيفه تحت خانة «إلى اليسار دُر»، وأبرز ما تضمنه توفير راتب شهري لجميع الفرنسيين ممن هم فوق الـ18 سنة بدءا بالشباب ليمكّنهم من العيش الكريم، من منطلق أن فرص العمل سوف تتناقص بسبب الغزو التكنولوجي. ومع أن مقترح هامون تعدّل بسبب الهجوم الصاعق الذي شنّه عليه خصومه ومنافسوه، ووصف مقترحه بأنه مرتفع الكلفة (ما بين 300 و400 مليار يورو)، فإنه استفاد منه ليتفرد عن منافسيه. وبينما كان اليمين يقترح زيادة مدة العمل القانونية (35 ساعة في الأسبوع) ومد سن التقاعد، فإن هامون اقترح خفضها والمحافظة على سن التقاعد كما هو. فضلا عن ذلك، اقترح المرشح اليساري إلغاء قانون العمل الجديد المسمّى «قانون مريم الخمري» - وهي وزيرة العمل الحالية - الذي يحرم الموظف من بعض الضمانات ويعطي ربّ العمل مزيدا من التسهيلات في التسريح، كذلك يقترح هامون رفع قيمة الحد الأدنى للأجور بنسبة 10 في المائة وإصلاح القانون الضريبي لتخفيف عبئه عن الطبقتين الوسطى والدنيا.
ودعا هامون إلى التركيز على موضوع البيئة والمحافظة عليه معتبرا أن الاشتراكية يجب أن تكون أيضا بيئية. ومن مقترحاته في هذا السياق، إجراء إصلاحات دستورية، وتمكين الأجانب من الاقتراع في الانتخابات المحلية، وإدخال جانب من النسبية في الانتخابات، وخفض اعتماد فرنسا على إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية (النزول من 75 في المائة إلى 50 في المائة) وإغلاق المفاعلات النووية الهرمة، ووضع حد لاستخدام وقود الديزل نهائيًا بحلول عام 2025 بسبب أضراره الصحية. كذلك يدعو هامون إلى مناهضة استخدام المبيدات في الزراعة، أما في المسائل الاجتماعية، فإن توجهات هامون سباقة وليبرالية، منها مثلا السماح بوضع حد للحياة، وإتاحة الفرصة للنساء المثليات للإنجاب باللجوء إلى المساعدة، باستخدام القنب الهندي أو حشيشة الكيف. وأما على صعيد السياسة الخارجية، فإن الموقف الأبرز لبونوا هامون فهو دعوته إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية من غير تأخير، مستندًا لقرار صادر عن الجمعية الوطنية في عام 2014 يحث الحكومة الفرنسية على الإقدام على هذه الخطوة، ما سيفتح الباب أمام دول أوروبية أخرى لتحذو حذوها.
* يوم هامون
هامون سيستفيد بلا شك من صعوبات مرشح اليمين فرنسوا فيون، إلا أن ثمة مجموعة من الصعوبات ما زال عليه التغلب عليها ليكون مرشحا جديا يتمتع بحظ ولو ضئيل للوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات والتنافس للفوز بالمقعد الرئاسي. تتمثل الصعوبة الأولى في قدرته على رصّ صفوف الحزب الاشتراكي وراءه. والحال، أن نوابا اشتراكيين ينتمون إلى الجناح اليميني للحزب المعارض لبرنامج هامون يرفضون السير وراءه وتبني برنامجه، ويهددون بالالتحاق بإيمانويل ماكرون الذي يتبنى برنامجا قريبًا مما كان يقترحه فالس. وما يزيد من جاذبية ماكرون أن استطلاعات الرأي تبين أن صعوبات مرشح اليمين تصب في صالحه كما أنه يستفيد من فوز هامون ومن راديكالية برنامجه.
في الجانب الآخر، يواجه هامون صعوبة على يساره تتمثل في وجود جان لوك ميلونشون، مرشح اليسار المتشدّد، الذي أطلق حملته الانتخابية منذ أكثر من سنة. وحتى الأيام الأخيرة، كان ميلونشون «بطل» اليسار المقاوم الرافض للتوجهات الليبرالية اليمينية، الذي يحظى بدعم الشيوعيين واليسار المتشدد وكثيرين من الطبقة العمالية والمثقفين باعتباره يحمل مشروعًا يساريًا جديا. وهكذا، يبدو الوضع بالغ التعقيد بالنسبة لهامون داخل عائلته الاشتراكية، بالدرجة الأولى، حيث لا يحظى بدعم حماسي حار، والدليل أن الرئيس هولاند - الذي استقبل هامون لمدة ساعة يوم الخميس الماضي - لم تصدر عنه أي كلمة تشجيعية. كذلك يعاني هامون من صعوبات داخل «معسكر» اليسار. وجلّ ما يمكن أن يحققه هو انسحاب يانيك جادو، مرشح «الخضر» لصالحه، لكن الأخير لا يحوز إلا على نسبة ضئيلة من الأصوات غير الكافية في أي حال لقلب الموازين وتأهيله للجولة الثانية من الانتخابات.
وهكذا يبدو المشهد السياسي الفرنسي القابل للتحولات والتغيرات في الأيام والأسابيع المقبلة. ولعل التغير الأكبر - إذا حصل - سيكون تخلي اليمين عن ترشيح فرنسوا فيون الغارق في الفضائح حتى الأذنين. وفي اليومين الماضيين، ارتفعت بالفعل أصوات نافذة من صفوف اليمين تدعو للتخلي عن فيون كيلا يبقى اليمين خارج نعيم السلطة لخمس سنوات إضافية. أما في جانب اليمين المتطرف، فإن مارين لوبان عازمة على أن تكون حاضرة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وأن تخرق ما يسمى بالفرنسية «السقف الزجاجي» الذي يمنعها من الذهاب إلى أبعد من ذلك، أي الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
* بطاقة هوية
- ولد بونوا هامون في بلدة سان رونان (محافظة الفينيستير بإقليم البريتاني) بأقصى شمال غربي فرنسا، يوم 26 يونيو (حزيران) 1967.
- خريج جامعة غرب البريتاني في مدينة بريست.
- عضو في الحزب الاشتراكي منذ مطلع شبابه، وصار لاحقًا من أبرز قيادات جناحه اليساري.
- نائب في البرلمان الأوروبي عن شرق فرنسا بين 13 يونيو 2004 و7 يونيو 2009.
- نائب في مجلس النواب الفرنسي عن دائرة الإيفلين (مدينة فرساي وضواحيها) بجنوب غربي العاصمة الفرنسية باريس منذ 17 يونيو 2012.
- وزير الاقتصاد الاجتماعي بين 16 مايو (أيار) 2012 و31 مارس (آذار) 2014.
- وزير التربية الوطنية بين 2 أبريل (نيسان) 2014 و25 أغسطس (آب) 2014.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».