من الصعب أن نتخيل شكل «ستامفورد بريدج» قبل وصول أموال الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، لكن يمكننا القول إنه لم يكن بالشكل الرائع نفسه الموجود عليه الآن. وعلى الرغم من أن الملعب كان في الماضي يمنح اللاعبين والجمهور شعورًا نفسيًا مريحًا، فإنه كان غريبًا في حقيقة الأمر، ويكفي أنه كان الملعب الوحيد في إنجلترا الذي كانت توجد به مساحة كبيرة تمكن السائقين من ترك سياراتهم على حافة الملعب، وهو ما كان يعني إقامة المباريات وسط عرض من السيارات. وأتذكر، إن لم تخني الذاكرة، أنني شاهدت إحدى المباريات وسيارة من طراز «روبن ريلانت» تقف خلف المرمى. صحيح أن ذلك كان يمكن الجمهور من الخروج من الملعب بسرعة، لكنه كان ينطوي على كثير من المخاطر أيضًا، مثل أن تصطدم كرة طائشة بإحدى السيارات.
وإذا كان الملعب يبدو من الخارج وكأنه إحدى دور السينما الأميركية، فإن الأمر لم يكن بهذا الشكل من الداخل، إذ كان جمهور الفريق الضيف يجلس على شرفة متهالكة، تحولت الآن إلى مدرجات «ماثيو هاردينغ». ولم يكن هناك سوى المرافق الأساسية فقط، وكان هناك إحساس دائم بالخطر للدرجة التي جعلت المدير الفني السابق لنادي نوتينغهام فورست، برايان كلوف، يصف حجرة خلع الملابس المخصصة لفريقه بـ«الحظيرة»، ناهيك بقنبلة الدخان التي وجهت للاعبي فريقه عام 1977. وكان الأمر محرجًا للغاية لنادي تشيلسي للدرجة التي جعلت أحد أنصار الفريق، وكان رسامًا ومصمم ديكور، يبعث بخطاب إلى النادي يعرض عليه تجميل وتطوير المكان مجانًا.
لكن كل شيء قد تغير الآن، وأصبح «ستامفورد بريدج» يضم فندقًا وصالات مخصصة للمسؤولين التنفيذيين، وطهاة حاصلين على نجمة ميشلان، وجميع مظاهر الرفاهية التي يمكن أن تخطر ببالك عندما تعرف أن مالك النادي هو ملياردير روسي. ويسعى النادي الآن لتطوير الملعب الذي بني قبل 114 عامًا، ليسع 60 ألف متفرج بتكلفة تصل إلى 500 مليون جنيه إسترليني. وحصل النادي بالفعل على الموافقات اللازمة لإعادة البناء والتطوير الذي قد يكون ضروريًا، إذا كان تشيلسي يريد حقًا أن يصبح إحدى القوى العظمى في أوروبا.
دائمًا ما كان هناك شيء ما يقف في طريق النادي حتى يكون أحد أندية القمة في أوروبا. وقال جيمي فلويد هاسيلبانك، وهو لاعب سابق في الفريق، عام 2002: «تشيلسي ناد لطيف وجميل للغاية، لكن ينقصه شيء ما... يجب القيام بأشياء صغيرة حتى يصبح تشيلسي ناديًا أوروبيًا كبيرًا جدًا جدًا؛ إنه ناد كبير بالفعل، لكنه ليس كبيرا جدًا جدًا». وبعد 15 عامًا من تلك التصريحات، لا يزال النادي بحاجة إلى الأشياء الصغيرة نفسها، على الرغم من فوزه بكثير من الألقاب والبطولات، وكونه النادي الوحيد في لندن الذي فاز بدوري أبطال أوروبا.
ويكفي أن نعرف أن ملعب «ستامفورد بريدج» أصغر من ملاعب كل من بوردو وسانت إيتيان الفرنسيين، وريال بيتيس الإسباني، من حيث سعة الجمهور، إذ يسع ملعب تشيلسي لـ41.841 متفرج، ليأتي في المرتبة التاسعة والسبعين بين الأندية الأوروبية، والتاسعة بين الأندية الإنجليزية. ولا تتجاوز سعة «ستامفورد بريدج» نصف سعة ملعب ريال مدريد «سانتياغو برنابيو»، أو ملعب ميلان «سان سيرو»، أو ملعب دورتموند «سيغنال إيدونا بارك»، وأقل كثيرًا من نصف سعة ملعب برشلونة «كامب نو».
ولا يشكك أي شخص في جدوى أن يكون لدى تشيلسي ملعبًا أكبر وأفضل، أو يرى أن الملعب الجديد الذي صممته شركة «هرتزوغ آند دي ميرون» التي سبق أن صممت ملعب «عش الطائر» في بكين، الذي استضاف دورة الألعاب الأولمبية عام 2008، لن يكون أكثر ملاءمة لناد لديه هذا القدر من الطموحات. على الأقل، يحتفظ تشيلسي، مثل توتنهام، بموقعه الحالي، ولن يجبر أنصاره على الانتقال لمقر جديد، كما حدث لجمهور آرسنال خلال تغيير مكان الملعب من هايبري عام 2006، أو لجمهور وستهام عند انفصاله عن «أبتون بارك».
وفي الوقت نفسه، سيكون من العار أن نفقد ملعبًا آخر من ملاعبنا القديمة، أو على الأقل «ستامفورد بريدج» كما نعرفه، بهذه السرعة بعد «وايت هارت لين»، ومن الصعب التفكير في هذا التغيير الدراماتيكي الذي حدث للمشهد الكروي في لندن. فلن يخوض توتنهام هوتسبر سوى ثماني مباريات أخرى على ملعب «وايت هارت لين»، قبل أن يطفئ الأنوار للمرة الأخيرة، ويحول الملعب الذي استضاف مباريات النادي على مدى الـ117 عامًا الماضية إلى أنقاض، على الأقل حتى نرى الشكل الجديد للملعب.
وبحلول عام 2021، ستكون الأندية الأربعة الرئيسية في لندن إما شيدت ملاعب جديدة أو جددت ملاعبها القديمة، خلال فترة زمنية تصل إلى 15 عامًا. وبالمناسبة، سوف يحدث الأمر نفسه في «برينتفورد»، و«كوينز بارك رينجرز» و«ويمبلدون»، إذا سارت الأمور وفقًا للخطة الموضوعة. ويبدو أن كريستال بالاس وفولهام يفضلان الطراز القديم، وسيعملان بدلاً من ذلك على توسعة ملعبيهما الحاليين.
إنني أشعر بالأسف لأن تشيلسي وتوتنهام هوتسبر لم يفعلا مثل كريستال بالاس وفولهام، لأنه لن يكون من السهل على الناديين الاحتفاظ بتاريخهما السابق داخل ملعبين يشيدان من الصفر، وسيكونان مختلفين تمامًا عن الملعبين السابقين. في الحقيقة، يشع ملعب «ستامفورد بريدج» بعبق التاريخ، على الرغم من أي شيء آخر قد تسمعه في هذا الإطار، ويكفي أن تعرف أن المباريات النهائية لكأس الاتحاد الإنجليزي كانت تقام على هذا الملعب، قبل نقلها إلى «ويمبلي»، عام 1923.
ويفتخر تشيلسي بأنه كان صاحب أعلى متوسط حضور جماهيري في إنجلترا في عشر مناسبات مختلفة خلال الفترة بين 1908 و1955، وهو العام الذي شهد حصول النادي على أول بطولة للدوري. وكان «ستامفورد بريدج» أول ملعب يستضيف حضور جماهيري يتجاوز 40 ألف متفرج في المتوسط في موسم واحد.
وليس صحيحًا، كما يشاع حاليًا، أن ملعب «ستامفورد بريدج» قد اكتسب شهرته الكبيرة في العصر الحديث. وقال جوزيه مورينيو ذات مرة خلال ولايته الأولى بالنادي: «يمكن لجمهور ليفربول أن يستمر في غنائه، ويقول (أنتم بلا تاريخ)، لكن في الحقيقة لدينا تاريخ طويل»، مشيرًا إلى أن ملعب «ستامفورد بريدج» قد استضاف المباراة النهائية لبطولة الأندية الأوروبية أبطال الكؤوس عام 1971، قبل أن يستضيف ملعب «آنفيلد» أي بطولة أوروبية. وبالنسبة لتوتنهام هوتسبر أيضًا، يمتلك الفريق تاريخًا وذكريات تمتد لأكثر من 100 عام بين جنبات ملعب «وايت هارت لين»، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة هذا التاريخ عند إعادة افتتاح الملعب. وقد أعلن النادي أن الملعب الجديد سيسع 61 ألف متفرج، وسيصل سعر التذكرة الموسمية لمشاهدة المباريات على الملعب الجديد إلى 15 ألف جنيه إسترليني.
تشيلسي يفقد التاريخ والذكريات ببناء ملعب جديد
الحنين إلى الماضي يسيطر على جماهيره رغم حاجة الفريق لأن يصبح إحدى القوى العظمى في أوروبا
تشيلسي يفقد التاريخ والذكريات ببناء ملعب جديد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة