قبل ساعات قليلة من وصول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أنقرة في زيارتها القصيرة لتركيا أمس الخميس انتقد رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم ما أسماه بـ«سياسات ألمانيا الناعمة تجاه حزب العمال الكردستاني وحركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو (تموز) 2016. يلدريم الذي كان يتحدث ليل الأربعاء أمام اجتماع للجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم قال إنه: «ينبغي عدم تهميش ملايين الأتراك الذين يعيشون في المدن الألمانية ويعملون لصالحها، من أجل إسعاد حفنة من الانفصاليين (أتباع حزب العمال الكردستاني)».
وقال يلدريم في إشارة إلى لقائه مع ميركل التي كان هو من وجه إليها الدعوة لزيارة عمل لتركيا إنه سيطرح عليها مسألة إعادة آلاف المطلوبين من قِبل أنقرة والموجودين حاليًا في المدن الألمانية: «تقدّمنا بكثير من طلبات الإعادة لكن الألمان لم يستجيبوا لها إلى الآن، وهذه المسألة ستكون على رأس المواضيع التي سنناقشها مع ميركل... أنصار العمال الكردستاني وغولن يسعيان عبر بعض وسائل الإعلام الألمانية شن حملة مغرضة ضدّ تركيا، وعلى الحكومة الألمانية وضع حد لمثل هذه التصرفات على اعتبار أنّ أنقرة وبرلين تربطهما علاقات تجارية وثيقة وصداقة قديمة».
يذكر أنّ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وصلت اليوم الخميس، إلى العاصمة التركية أنقرة في إطار زيارة عمل.
تصريحات يلدريم تعد الترجمة الصحيحة لمناخ انعدام الثقة بين أنقرة وبرلين بسبب كثير من الملفات تبدأ برفض أنقرة مطالبات ألمانيا بتعلم الأتراك اللغة الألمانية كشرط من شروط الاندماج في مجتمعهم الجديد وتعتبر أن ذلك نوعًا من تذويب الهوية، مرورًا بالتوتر حول ما يقال إنه أنشطة استخباراتية يقوم بها أتراك داخل ألمانيا، إضافة إلى اتهامات تركيا لألمانيا بدعم أنصار حزب العمال الكردستاني وحركة الخدمة، فيما تشعر برلين بالقلق تجاه مناخ الحريات والديمقراطية في تركيا، وهي نقطة ركزت عليها ميركل في تصريحاتها عقب لقاء إردوغان أمس في أنقرة.
تهتم برلين بلا شك بملف اللاجئين وتسعى للحفاظ على الاتفاق الموقع بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 مارس (آذار) من العام الماضي حول اللاجئين وإعادة القبول، ويرى خبراء ومحللون أتراك أن حكومة ميركل تسعى لضمان استمرارية اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، الذي يلعب دورًا محوريًا في منع تدفق المهاجرين إلى أوروبا، في ظل استعدادها للترشح مجددًا للانتخابات البرلمانية.
ورأت بيرجول دميرتاش، الأستاذة في جامعة الاقتصاد والتكنولوجيا التابعة لاتحاد الغرف والبورصات في تركيا أن زيارة ميركل تتمتع بأهمية كبيرة لأنها تجري عشية الاستفتاء الشعبي المنتظر إجراؤه في تركيا في أبريل (نيسان) المقبل، والانتخابات البرلمانية في ألمانيا في سبتمبر (أيلول) المقبل».
وأضافت دميرتاش: «تحتاج تركيا وألمانيا إلى التعاون في كل مرحلة رغم اختلاف سياساتهما الأمنية والخارجية، بسبب وجود مصالح مشتركة بينهما».
ولفت خبراء إلى أن ألمانيا لديها هواجس إزاء التطورات المتوقعة في المنطقة على خلفية انتخاب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة وتوتر العلاقات التركية اليونانية وتلويح تركيا بالتراجع عن اتفاق اللاجئين.
وتعد ورقة اللاجئين واحدة من أهم نقاط القوة لدى تركيا في مواجهة الاتحاد الأوروبي، حيث تؤوي تركيا نحو 3 ملايين لاجئ من سوريا والعراق، وفي حال سماحها بتدفقهم مجددًا عبر اليونان سيضطر الاتحاد الأوروبي للتدخل من أجل منع التدفق، وهذا الأمر يشكل ضغطًا على ألمانيا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر المقبل.
كما أن التطورات في سوريا، وبخاصة عملية «درع الفرات» التي أطلقها الجيش التركي في أغسطس (آب) 2016 من أهم المسائل التي تُثير قلق ألمانيا، التي لا تُخفي تعاطفها تجاه الأكراد وتؤيد استقلالهم الذاتي.
ومؤخرًا طرأت قضايا جديدة تزيد من ملف التوتر بين البلدين منها طلب 40 من العسكريين الأتراك العاملين ضمن قواعد الناتو اللجوء لألمانيا ومطالبة أنقرة بتسليمهم إضافة إلى القضايا المفتوحة في ألمانيا بشأن المتهمين بالتجسس لصالح أنقرة ومنهم من يعملون أئمة تابعين لهيئة الشؤون الدينية التركية.
ويعتقد بعض المحللين أن التقارب الأخير بين تركيا وبريطانيا يقلق ألمانيا لأن ألمانيا لا تريد أن تواجه خطر تحول استثماراتها في تركيا إلى استثمارات بريطانية».
من جانبها أثارت المعارضة التركية جدلا إضافيا حول زيارة ميركل لتركيا واعتبر كمال كليتشدار أوغلو أنها تشكل دعما لإردوغان قبل الاستفتاء على تعديل الدستور الذي يعطيه صلاحيات مطلقة كما كانت هناك أصوات مماثلة في ألمانيا وجهت انتقادات للزيارة.
وفي تلخيص لسمات العلاقات التركية الألمانية أوضح الخبير التركي في العلاقات الدولية كمال إيناط، في دراسة أكاديمية بعنوان «مشكلة ثقة بين تركيا وألمانيا» أنه «من غير الصحيح تقييم العلاقات السياسية بين عناصر المجتمع التركي على أساس الثقة لأن هذا الأساس لا محل له في تلك العلاقات أصلاً لأن جميع العلاقات السياسية المتبادلة بين الدول تُبنى على أساس الحذر المتبادل، ولكن تبقى بعض الدول تضع علاقاتها على مستوى، محدود جدا، من الثقة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وألمانيا». وأرجع إيناط مشكلة انعدام الثقة بين تركيا وألمانيا إلى دعم ألمانيا للعناصر المُضادة لمصالح تركيا، قائلا إنه كان يمكن لألمانيا بناء علاقات سياسية واقتصادية وتعاونية بينها وبين تركيا المتطورة وليس علاقات تنافسية كما تقوم بذلك اليوم؛ هل ألمانيا على قناعة بأنها ستستطيع تحقيق هدفها في إخماد تطور وتقدم تركيا من خلال العلاقات التنافسية؟ وأوضح أن أسلوب التعاون المتبادل بين الدول في العلاقات الدولية السياسية المبنية على الأسلوب المُكمل والأسلوب المُعتمد على لعبة «1+1» واللذين يكفلان الفائدة المتبادلة والمُتكاملة للدول التي تتبعه وتحاول تطبيقه. وأضاف أن «على ألمانيا قبول تركيا مثلما قبلت عدوها اللدود فرنسا من قبل، ولتعلم بأنها استطاعت التطور وفرنسا من خلال التعاون الاتحادي المتبادل للمصالح وليس التنافس المتبادل للضرر والخسران لبعضهما بعضًا، يجب على ألمانيا القبول بتطور تركيا والتحرك معها على أساس دولة متطورة تسعى إلى الاتحاد مع الدول الأخرى لترجع الثقة المتبادلة بينها وبين تركيا وإلا فإن التنافس المُضر الذي تقوده ألمانيا سيعود بالضرر الكبير عليها قبل أن يعود على تركيا».
تركيا وألمانيا... علاقات عنوانها انعدام الثقة
رغم تعدد المصالح ومجالات التعاون والأبعاد التاريخية
تركيا وألمانيا... علاقات عنوانها انعدام الثقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة