الاشتراكيون الفرنسيون اختاروا مرشحهم لكن «الإليزيه» يبدو حلمًا بعيدًا

آمون يسعى لرص صفوف اليسار... وصعوبات تعترض طريقه

الاشتراكيون الفرنسيون اختاروا مرشحهم لكن «الإليزيه» يبدو حلمًا بعيدًا
TT

الاشتراكيون الفرنسيون اختاروا مرشحهم لكن «الإليزيه» يبدو حلمًا بعيدًا

الاشتراكيون الفرنسيون اختاروا مرشحهم لكن «الإليزيه» يبدو حلمًا بعيدًا

اكتملت ملامح المعركة الرئاسية المقبلة في فرنسا بفوز النائب بونوا آمون، ممثل الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي، على منافسه رئيس الوزراء السابق مانويل فالس، في الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية.
وكما أطاحت انتخابات اليمين برئيس جمهورية سابق (نيكولا ساركوزي) ورئيس حكومة أسبق (آلان جوبيه)، وأوصلت فرنسوا فيون، المرشح الذي لم يكن أحد مستعدًا للمراهنة عليه قبل ثلاثة أشهر، فإن انتخابات اليسار التمهيدية حملت مفاجأة كبرى عندما مكنت النائب آمون من أن يحتل المرتبة الأولى في الجولة الأولى، ثم أن يكتسح الجولة الثانية، بحصوله على 58.87 في المائة من أصوات المليونين من الاشتراكيين وأصدقائهم الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع أول من أمس.
وانضم مانويل فالس بـ41.13 في المائة، صاحب الخبرة الحكومية والخط الإصلاحي الاقتصادي والموقف المتشدد في موضوع العلمانية والإسلام، إلى مجمع الضحايا التي سقطت على درب الانتخابات التمهيدية يمينًا ويسارًا. وبعد أن اعتمد سلاح المناورة لحرمان الرئيس هولاند من الترشح لولاية رئاسية ثانية، في بادرة هي الأولى من نوعها في الجمهورية الفرنسية الخامسة، كان يظن أن الاشتراكيين واليسار المعتدل بشكل عام سيعطونه وكالة ليحمل لواءهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، وجاءت نتيجة الأحد مخيبة لآمال فالس السياسية وخطه الإصلاحي الليبرالي، وبينت أن يسار الحزب الاشتراكي قد «انتقم» من السياسات اليمينية التي قادها هولاند وحكوماته المتعاقبة، ومنها تلك التي رأسها مانويل فالس منذ عام 2014 حتى الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
بيد أن فوز بونوا آمون الفاصل ليس سوى بداية «درب المشقات» للمرشح الاشتراكي. ويجمع المراقبون على أن الصعوبة الأولى التي يتعين عليه مواجهتها تتمثل في رص صفوف الحزب خلفه، كما فعل فرنسوا فيون عقب فوزه بترشيح اليمين الكلاسيكي والوسط.
والحال أن هدفًا كهذا لا يبدو سهل المنال بالنسبة لآمون بسبب الانقسامات العميقة سياسيًا واقتصاديًا وآيديولوجيًا بين خطين يصعب الجمع أو التقريب بينهما. ومنذ ما بعد إعلان النتائج مباشرة، بدأت شخصيات من الحزب الاشتراكي «الهجرة» نحو المرشح إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد السابق الذي يتبنى مشروعًا انتخابيًا إصلاحيًا ليبراليًا في الجوانب الاقتصادية، ولكنه يأخذ بعين الاعتبار الشواغل الاجتماعية للطبقتين الوسطى والدنيا.
ويرى البعض أن بونوا آمون الذي يحمل مشروعًا انتخابيًا جذريًا ليس في وضعية تسمح له بإقناع الفرنسيين، وليس الحزب الاشتراكي أو اليسار، للفوز في الانتخابات المقبلة، وبالتالي فمن «الأجدى» السير في ركاب المرشح ماكرون، خصوصًا أن استطلاعات الرأي تبين أنه اقترب كثيرًا من إمكانية التأهل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
وتفيد الاستطلاعات نفسها أن مارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرف، أخذت تتربع على الموقع الأول، مع نسبة أصوات تتراوح ما بين 25 و26 في المائة، يليها فرنسوا فيون الذي تراجعت شعبيته بشكل حاد، ووصلت إلى 22 في المائة، فيما يحصل ماكرون على 21 في المائة، وهي أعلى نسبة أصوات تعطيها إياه استطلاعات الرأي. أما آمون، فإنه يحل في الموقع الرابع بـ15 في المائة، يليه مرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون الذي تراجع إلى المرتبة الخامسة، بحيث يمكن أن يحصل على 10 في المائة من الأصوات.
وقبل إعلان النتائج، سارع فالس إلى تأكيد أنه سيحترم توقيعه، وما توافق عليه مرشحو اليسار، من الوقوف وراء المرشح الذي يخرج فائزًا من صناديق الاقتراع. بيد أن فالس حذر في الوقت عينه من أنه سيكون «صعبًا» عليه أن يروج لمشروع منافسه الانتخابي، ويدافع عنه، خصوصًا بعد الانتقادات العنيفة التي وجهها إليه، ومنها وصفه آمون بـ«بائع الأحلام» و«باني القصور الرملية». وإذا كان آمون سيلاقي صعوبة في تأليب أهل بيته، فإن مهمة تجميع اليسار والخضر ستكون أكثر صعوبة. ومنذ إعلان فوزه، قال آمون إن «اليسار يرفع رأسه، ويرنو للمستقبل ساعيًا للفوز» في الانتخابات.
ومد آمون يده لليسار المتشدد وللخضر، وذلك من أجل «بناء أكثرية منسجمة ودائمة» لمواجهة «اليمين المحافظ» واليمين المتطرف «المدمر»، لكن دعوة آمون يرجح أن تبقى «صيحة في واد». فمن جهة، رفض جان لوك ميلونشون سلفًا أي تقارب أو انسحاب لصالحه. ويتشكل جمهور مرشح اليسار المتشدد من الناخبين الشيوعيين وناخبي مجموعات أقصى اليسار، ومن خليط من الشباب الذين يستهويهم خطاب ميلونشون اليساري المتجذر الشعبوي بعض الشيء. لكن ثمة نقاط تلاقٍ كثيرة بين آمون وميلونشون. ورغم ذلك، فمن المؤكد أن أيا منهما لن يكون مستعدًا للانسحاب للطرف الآخر. كذلك، فإن مرشح الخضر يانيك جادو، رغم النسبة القليلة جدًا من الأصوات التي قد تصب لصالحه، مستمر هو الآخر في ترشحه، الأمر الذي من شأنه أن يحرم آمون من 12 إلى 15 في المائة من الأصوات التي يمكن أن تصب لصالح ميلونشون وجادو.
أما في المعسكر المقابل، فإن الأمور ليست أفضل حالاً، بسبب تفاعلات «فضيحة العمل الوهمي» لزوجة المرشح اليميني بينلوبي فيون، كـ«مساعدة» لزوجها عندما كان نائبًا، الذي من أجله حصلت على نصف مليون يورو في عدة سنوات.
وتستمر الشرطة المالية في تحقيقاتها التي بدأتها الأسبوع الماضي، وتتناول إلى جانب هذه المسألة قضية أخرى، قوامها حصول بينلوبي على 100 ألف يورو في عام ونصف من عملها في مجلة أدبية لم يظهر منه سوى تقريرين عن كتابين ليس إلا. وأمس، خضع ناشر المجلة، وهو رجل أعمال ثري صديق لمرشح اليمين فرنسوا فيون، لتحقيقات مطولة لتبيان حقيقة عمل بينلوبي. ويوم الأحد، عقد مهرجان انتخابي حافل شمال باريس لإطلاق حملة فيون، وتأكيد التأييد له، بحضور كبار الشخصيات اليمينية، وذلك عقب التساؤلات التي سرت حول مستقبل ترشحه بسبب الفضائح المشار إليها، لكن المشاركين استفادوا من المناسبة لتوجيه سهامهم ضد المرشح ماكرون الذي أخذ يشكل تهديدًا جديًا لفرنسوا فيون. وتركز الحملة على ماكرون باعتباره «فقاعة إعلامية»، وكونه مرشحًا «لا من اليمني ولا من اليسار».
ويوم الأربعاء الماضي، أثارت مجلة «لو كنار أونشينيه» الساخرة زوبعة سياسية بالكشف عن «فضائح» عائلة فيون. وتكاد هذه الزوبعة تقضي على مستقبله الرئاسي، إذا تفاعلت، وإذا عجز المرشح اليميني عن إبراز «حقيقة» العمل الذي تقاضت زوجته هذه المبالغ الطائلة من أجله. لكن سريعا جدًا، بدأت تظهر الآثار المدمرة لهذه الفضيحة على صورة فيون (الرجل العصامي) الذي «يقدم المصلحة العامة على مصالحه الشخصية».



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».