رواية تتعقب حكايا الإخوان المسلمين الفارين إلى تركيا

«اتجاه المرج»... لعبة لإعادة بناء الضمائر المفككة

ساحة «تقسيم» في إسطنبول حيث تجري بعض فصول الرواية  -  غلاف الرواية
ساحة «تقسيم» في إسطنبول حيث تجري بعض فصول الرواية - غلاف الرواية
TT

رواية تتعقب حكايا الإخوان المسلمين الفارين إلى تركيا

ساحة «تقسيم» في إسطنبول حيث تجري بعض فصول الرواية  -  غلاف الرواية
ساحة «تقسيم» في إسطنبول حيث تجري بعض فصول الرواية - غلاف الرواية

صراع شيق بين نمطين من الوعي الإنساني، يطرحه الكاتب الشاب علي سيد علي في روايته «اتجاه المرج» الصادرة حديثًا عن دار «روافد» بالقاهرة. في النمط الأول، ويتميز بطابع مهني، يفشل الكاتب نفسه، بطل الرواية، في إنجاز مهمة صحافية، سافَرَ تحت مظلتها إلى تركيا لإجراء حوارات وتقصي أحوال عدد من كوادر جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا إلى تركيا واتخذوا منها ملاذًا، عقب الإطاحة بهم من سدة حكم البلاد، وعلى هامش الزيارة نفسها التقى شقيقه المقيم هناك.
ورغم أن الكاتب يعمل صحافيًا، فإنه لا ينحاز لهذا النمط، ويرى أن القصة الحقيقية التي يسعى إليها أبعد من إطار تقرير أو تحقيق صحافي، وأنه ككاتب أصبح يمل من لعبة الضمائر المفككة، وكتابة بلا روح، محصورة في نطاق أسئلة وأجوبة، قد تكون مكرورة ومعادة، بل عديمة الصدق والواقعية. على عكس النمط الثاني، الذي نستشفه في طوايا الرواية، حيث ينتصر الكاتب لطموحه ككاتب مبدع، يريد أن يترك شيئًا يبقى، سواء في فضاء الرواية والقصة والشعر.
تستغرق الرحلة سبعة أيام، بينما يدور زمن الرواية كله على مدار يوم واحد، وتحديدًا من الصباح، لحظة خروج البطل من بيته للذهاب مستقلاً المترو من محطة المرج بضواحي القاهرة، إلى مكتب استشارات قانونية بوسط البلد، حيث يخضع لتحقيق قانوني معه، بعد اتهامه بالتقصير في إنجاز مهمته الصحافية، ثم عودته مساء إلى بيته.
يفاجأ الراوي السارد، بأن رئيس التحرير الجديد أمر بتجميد التحقيق معه وإعطائه فرصة أخيرة لينجر مهمته الصحافية، فيقوم من خلال يقظة الذاكرة والحواس، باستعادة شريط الرحلة، مستعينًا ببعض الصور ومقاطع الفيديو، التي سجلها لبشر عاديين بينهم مغنون وباعة جائلون، وأيضًا وقائع زيارته لبعض المعالم التركية، خصوصًا منزل الكاتب، عزيز نيسين، ومتحف الشاعر ناظم حكمت.
وعلى مدار الرواية، يتحول وعي البطل كصحافي إلى زمن طارد، يقيد طموحه ككاتب ومبدع، بل بحاصره دائمًا، تحت وطأة لقمة العيش وضروريات الحياة، فما فشل فيه هناك، هل يمكن أن يستعيده كواقع حي هنا، وهل تصلح هذه الحزمة المبعثرة من الوقائع والذكريات والمواقف واللقطات المصورة، في تقريب الصورة، أو رسمها بطريقة ما، مشكلة ما يشبه الفضاء البديل لعلاقة الأنا الساردة بالآخر المركزي في المهمة الذي أخفق في الوصول إليه. تحت هذه القشرة، من رجاء مخاتل، تتململ انفعالات ورؤى الكاتب بموضوعه مدركًا، في الوقت نفسه، أن لكن مركزية هذا الآخر (هناك) عارضة ومؤقتة وطاردة في الوقت نفسه، فحقائق الجغرافية والتاريخ تقول إنه فر من الرحم الأم (هنا)، من الواقع المصري، بعد أن عاث فيه خرابًا وإفسادًا، وهو ما يمنح إمكانية استعادته سرديًا نوعًا من المصداقية، تبدو ميسورة المنال، خصوصا لعين مدربة على التقاط ما وراء الأشياء، وردم فجوات المهمش، والغامض، في زواياها، وتعي بخبرة الكتابة كيف يصبح الخيال أحيانًا أكثر واقعية من الواقع نفسه.
تصور الرواية مناخ هذا الصراع الخفي على لسان بطلها، فيروي قائلاً: «أستمرُّ في النقر ببطء إلى أن تظهر أول صورة التقطها في إسطنبول، لاثنين من موسيقيي الشوارع، في شارع الاستقلال المواجه لميدان تقسيم، أحدهما يمسك غيتارًا، والآخر آلة إيقاعية، تشبه الصندوق، يضرب عليها بأصابعه، تعيدني الصورة إلى أجواء الشوارع الصاخبة بالموسيقى والرقص، فكأني أسمع صوت العزف من آلات مختلفة بعيدة، وأمتزج مع الطنطنة العالية، المحببة للأذن، والخفيفة على النفس، وألوم نفسي عن تجاهلي كتابة موضوع عن شارع الاستقلال وموسيقى الشوارع وأراه أهم من قضية الإخوان برمتها».
في غبار هذين الوعيين المتراوحين سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، وبضمير أنا المتكلم المفرد، تمضي الرواية في شكل «ريبورتاج» مطول، تتقاطع في خيوطه عادات، ومواقف ورؤى، وخبرات متنوعة لشخوص مقربين من الكاتب نفسه، وملامح بشر مهمشين، تلقي بهم المصادفة الرخوة في فواصل وتقاطعات السرد، فيبدو المشهد كله وكأنه مرثية، لزمن الرحلة والرواية معًا.
إنه حصاد رحلة هزيل وهش، ليس فيه شيء فارق واستثنائي، خلاصته مجموعة من الصور والمشاهد والزيارات العابرة معلقة فوق سطح الكومبيوتر، كل ما يرجوه الكاتب أن تصلح لسد فجوة مأزقه المهني، وفي مقابل ذلك ترصد الرواية، وفي إيقاع خاطف، مشهد حياة يومية فوارة بمواصلة العيش، والتشبث بالوجود رغم مفارقات الواقع وضغوطه الاجتماعية القاسية.
وسط كل هذا يولي الكاتب اهتمامًا لافتًا بالتفاصيل الصغيرة، المستترة في تقاطعات الأشياء، محولاً اللعب على وترها إلى مقوم سردي، يقوم بوظيفة شفيفة لتوثيق المشهد، والتعبير عنه دراميًا من زوايا كثيرة، ومباغتة أحيانًا. وهو ما يدفع المشهد بكل تقاطعاته وتجاوراته إلى صدارة البطولة في الرواية. إنه مشهد ساخر، لا يكف عن إثارة التأمل والتساؤل يعيشه الكاتب السارد، في عبله الواقعي الخام: في المقهى الشعبي، في عربة المترو، في «الباص»، في مناوشات أصدقائه في العمل، ومفارقات تحقيق مهني هزلي أجرته معه فتاة لعوب في مكتب استشارات قانونية، بدا أنها تتعاطف مع جماعة «الإخوان»، وأيضًا في مشاكسات طفليه وأسرته الصغيرة، وهواجس أمه التي لا تكف عن مطاردته هاتفيًا للاطمئنان عليه وشقيقه المقيم في تركيا.
ويسهم الحكي بضمير المتكلم، في التقريب ما بين الأشياء، ولملمة صخب هذا المشهد، الضارب في اتجاهات وأبعاد إنسانية ومعرفية شتى، فيبدو السرد حميميًا، ينمو ويتناسل بشكل طبيعي، ويشف ضمير المتكلم عن مهمته الأبعد، وهي كسر المسافة بين شخصية السارد (الكاتب) والمسرود عنه، وتعريتها بتلقائية، ليصبح التوغل في الأعماق دربًا من دروب البداهة، واللعب المغوي.
ويعمد الكاتب إلى دمج الفصحى بالعامية أحيانًا، لإضفاء الطزاجة على فضاء السرد، مما يساعد في تنمية النص دراميًا، وفي الوقت نفسه، نعيش حكاية، ونلمس تداعياتها في نمط حياتنا يوميًا، ونتأثر بها إلى حد الفرح والحزن معًا، من دون تمويه وتضليل، كثيرًا ما يصادفنا في نصوص روائية، تختلط فيها ضمائر الحكي، بشكل مربك، وكأننا إزاء مزق من الحكايات، بلا مبرر فني معقول. على عكس ضمير المتكلم الذي يوفر نوعًا من الحماية الفنية للذات الساردة، ويجعلها تلتصق بموضوعها بعفوية، فنراه من مرآته الخارجية والداخلية معًا. وهو ما يجعل الحكاية مفتوحة بحيوية على تخوم البدايات والنهايات؛ فمثلما بدأت الرواية بمشهد وقوف البطل أمام المرآة قائلا: «أقف أمام المرآة، ألقي نظرة أخيرة على نفسي قبل الخروج ومواجهة العالم»، تنتهي بالمشهد نفسه، حين يعود البطل إلى بيته، ولا ندري، مثقلاً بأعباء يوم مليء بالمفارقات، لنفهم مغزي إهداء الرواية لـ«المساجين»، ممهورًا بومضة من شعر والت ويتمان تقول: «إني الآن في السابعة والثلاثين، موفور العافية أبدأ، آملا ألا أنتهي حتى الممات». وهو ما يعني ضمنيًا أن صراع البطل مع العالم، سيظل دائمًا حول الخوف من أن يتحول العالم إلى سجن للرواية والكاتب معًا، وهو سؤال هوية ووجود، يتناثر في نسيج الرواية، مشكلاً الزمن الهارب، من وعي الكاتب والواقع معًا.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.