خلعت «جبهة النصرة» ثوبها الجديد «فتح الشام»، لتلبس ثوبا جديدا هو «هيئة تحرير الشام»، في محاولة للسيطرة على الشمال السوري، وذلك بعد أيام من المواجهات العنيفة مع فصائل المعارضة السورية في أكثر من منطقة. وكان أول تداعيات هذا الثوب الجديد اهتزاز عنيف ضرب حركة «أحرار الشام» كبرى الحركات المسلحة المعارضة، التي كانت احتمت فيها الفصائل الصغيرة قبل أيام هربا من حملة «النصرة» العسكرية.
وبعد ساعات قليلة على إصدار «فتح الشام» وأربع فصائل أخرى بيانا يعلن الاندماج في جسم جديد يحمل اسم «هيئة تحرير الشام»، أعلن القيادي البارز في «الأحرار»، أبو جابر الشيخ، استقالته من التنظيم تمهيدا لتوليه مسؤولية قيادة الهيئة الجديدة. وقالت المعلومات إن قائد «فتح الشام»، أبو محمد الجولاني، سيكون القائد العسكري العام لـ«الهيئة»، ثم توالت بعدها إعلانات مشابهة لقياديين آخرين يمثلون القوة العسكرية الكبرى في «الأحرار».
والآن يهدد سقوط «الأحرار» بأن يكون الكيان المتشدد الجديد هو المسيطر شبه الوحيد لضعف فصائل الجيش السوري الحر مقارنة بـ«النصرة» وحلفائها، ما قد يؤدي إلى صبغ منطقة المعارضة في الشمال السوري بـ«اللون الأسود» أي لون تنظيم القاعدة، كما حذر معارضون سوريون. وهذا الأمر يجعل منطقة عمل قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا تحت اسم «درع الفرات» هي المنطقة الوحيدة التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
من جهة أخرى، مع أن هذا السيناريو لا يزال بعيدا عن التطبيق، يراهن المعارضون السوريون على قدرة ما تبقى من تنظيم أحرار الشام على الصمود واندماجه مع بقية أطياف المعارضة السورية لتحقيق التوازن المنشود.
وكانت خطوة الاندماج في «الهيئة» الجديدة قد خرجت إلى العلن أمس ببيان لتشكيلات «جيش الفتح» و«حركة نور الدين زنكي» و«جيش السنة» و«لواء الحق» و«جبهة أنصار الدين». وبرّر البيان التشكيل الجديد بأنه أنشئ لمواجهة «المؤامرات التي تعصف بالثورة السورية والاحتراب الداخلي الذي يهدد وجودها»، ودعوا التشكيلات المعارضة الأخرى للانضمام إليهم من أجل «أن يكون هذا المشروع نواة تجمع مقدرات الثورة وتحفظ خط سيرها وتحقق أهدافها المنشودة بإسقاط النظام المجرم، وليعش أهل الشام بعزة وكرامة في ظل شريعة الرحمن».
ويأتي الاندماج بين المكوّنات الخمسة تحت قيادة هاشم الشيخ في «أحرار الشام»، الذي كان قد أسس سابقًا «جيش الأحرار»، ثم ألغاه، ليعود فينشق مجددا أمس. ويضم «جيش الأحرار» عددًا من الفصائل والكتائب في الحركة أبرزها «لواء التمكين» المهيمن على مدينة بنش ومحيطها في محافظة إدلب. وفي حين لم يعلن «جند الأقصى» انضمامه إلى التشكيل الجديد، إلا أنه رحب به بما قد يمهد لانضمامه إليه، كما الحزب الإسلامي التركستاني، الذي تردد أنه في طريقه للانضمام إلى «الهيئة» أيضا.
وبعد ساعة واحدة من قيام «الهيئة»، أعلن قائدها أبو جابر الشيخ عن وقف إطلاق النار الجاري بين «فتح الشام» والفصائل الأخرى، كما أعلن الإفراج عن نجل قائد «صقور الشام» الذي أسرته «فتح الشام» في المعركة تعبيرا عن «حسن النية». في المقابل، اتهم رئيس المكتب السياسي لتجمع «فاستقم» زكريا ملاحفجي، الجبهة بـ«محاولة السيطرة على إدلب ومناطق أخرى، لتحويلها إلى إمارة خاصة بها، وهذا يتوافق تمامًا مع فكر (داعش)». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الجبهة «ترفض كل الحلول، لأنها تعرف أن أي حلّ سياسي يقود إلى إنهاء أصحاب الفكر المتطرف، ولذلك هم يقاتلون القوى الوطنية التي تختلف معهم فكريا وسياسيا».
وتابع ملاحفجي، الذي انضمّ تجمعه إلى «أحرار الشام» مؤخرا، أن «الأمور ذاهبة نحو التصعيد، فهم (فتح الشام)، إذا سيطروا على مناطق الشمال، بالتأكيد سيتصالحون مع (داعش)، لأنهم أصحاب فكر واحد»، مبديًا أسفه، لأن «جماعة نور الدين الزنكي تقف معهم في هذه الحرب»، مذكرًا بأن «خلاف الجولاني (أمير النصرة) وأبو بكر البغدادي (أمير «داعش») خلاف على السلطة والإمارة، وليس خلافًا فكريًا».
هذا، وتحاول «فتح الشام» حل أغلب الفصائل العسكرية في محافظتي إدلب وحلب، حيث استولت على مستودعات التسليح التابعة لـ«جيش المجاهدين» و«الجبهة الشامية»، كما أنها تواصل هجماتها على مواقع «ألوية صقور الشام» بجبل الزاوية، رغم إعلان الأخير موافقته على المبادرة الداعية للتحاكم الشرعي.
إلى ذلك حذّر قيادي عسكري في الجيش السوري الحرّ من «إمكانية سيطرة (النصرة) على مناطق واسعة في شمال سوريا». وأكد القيادي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «رفض (النصرة) مبادرة (أحرار الشام) يعني حربًا مفتوحة، وقد وضعت الجميع أمام خيار من اثنين، إما قضاء الجيش الحرّ على هذا التنظيم، وإما أن تنجح (النصرة) في تحقيق هدفها، بتفكيك الجيش الحر وطرده من المنطقة»، مبديًا أسفه لأن «فرصة نجاح مشروع (النصرة) أكبر، لأن المعطيات لا تخدمنا، خصوصًا بعدما خرجنا من معركة حلب منهكين، وانخراطنا في قوات (درع الفرات)». وللعلم، كانت حركة «أحرار الشام»، قد أطلقت ليل الجمعة مبادرة بعنوان «إنقاذ وترشيد مسار الثورة»، بهدف وقف الاقتتال بين الفصائل في محافظتي حلب وإدلب. وقالت في بيان لها: «بعد اعتداءات عناصر (فتح الشام) على بقية فصائل المعارضة، من دون أي مبرر شرعي أو عقلي، فإن الحركة تطرح رؤيتها، قبل أن يغرق مركب الثورة في قتال لا طاقة لأحد به»، داعية إلى «وقف جميع أشكال التحشيد العسكري والاقتتال في جميع المناطق على الفور، ومن ثم العمل الفوري على احتواء جميع مقاتلي الفصائل المنضمة للحركة حديثا، ودمجهم داخل مكونات الحركة بشكل كامل، بما يحفظ المخزون البشري للثوار الشرفاء، من حصول ردات الفعل والتسرب، ومنع بقاء التكتلات وعودة الشتات».
وشددت «أحرار الشام» في بيانها، على «القبول بمبادرة أهل العلم، التي تنص على دعوة قادة الفصائل الموجودة حاليا في الشمال السوري إلى اجتماع عاجل خلال يومين، يتمخض عنه قيادة موحدة للمناطق المحررة تتمثل بمجلس شورى أعلى من قادة الفصائل وأهل العلم، وتمثيل سياسي وقيادة عسكرية ومرجعية شرعية وقضاء». وأوكلت الحركة إلى مجلس الشورى المشكل «مسؤولية إزالة العقبات وردم الفجوات التي أحدثتها الاعتداءات الأخيرة، لينتهي عمله بإعلان اندماج كامل للساحة خلال فترة زمنية قصيرة جدًا، والاتفاق مع قيادة (فتح الشام) على تشكيل محكمة شرعية فورًا، من أجل النظر في أي خصومات أو دماء أو حقوق لأحد طرفي الاقتتال».
وأكدت قيادة «أحرار الشام»، أنه «في حال استمرت الجبهة في تحشيدها العسكري والهجوم على مقرات الحركة في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، وغيرها ورفضها المبادرة المطروحة، فإن الحركة ستبدأ في رد الصيال على دماء عناصرها ومقراتها»، مشددة على أن «النتائج وتبعاتها ستكون على الجبهة التي من تسببت بهذه الحال».
ولم يتأخر ردّ «فتح الشام»، حيث سارعت إلى رفض مبادرة «أحرار الشام». واعتبرت أن «الحل الصحيح هو بتشكيل قيادة عسكرية وسياسية واحدة بقيادة (أمير واحد) توضع بها كل المقدرات المادية والبشرية، ويذوب فيها أغلب الفصائل والتجمعات العسكرية».
ميدانيًا، شهد جبل الزاوية في ريف إدلب، ليل الخميس الجمعة ويوم أمس السبت، معارك عنيفة، بين «فتح الشام» من جهة، و«ألوية صقور الشام» وفصائل أخرى انضوت مؤخرًا تحت راية «أحرار الشام» من جهة أخرى. وأعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أن الجبهة «تمكنت من السيطرة على إحسم بعد طردها سابقًا من المنطقة، إضافة إلى سيطرتها على أجزاء من الدانا»، مشيرًا إلى أن «المعلومات لا تزال متضاربة حول صحة سيطرتها على دير سنبل التي ستمكنها من الوصول إلى قرية سرجة، مسقط رأس قائد ألوية صقور الشام». وأكد أن «الجبهة اعتقلت نجل قائد (صقور الشام) مع عدد من المقاتلين الذين كانوا برفقته، قرب بلدة حرش بينين بريف إدلب».
«النصرة» في طريقها لأن تصبح اللاعب الأكبر والمعارضة السورية تخشى سيطرتها على الشمال
«هيئة تحرير الشام» كيان جديد يضمها مع فصائل معارضة... وحركة «الأحرار» مهددة بالتفكك

«النصرة» في طريقها لأن تصبح اللاعب الأكبر والمعارضة السورية تخشى سيطرتها على الشمال

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة