من الناحية التاريخية، كان الناخبون الهنود، ولا سيما خارج المدن الهندية الكبرى، يجري تصنيفهم إلى «شرائح تصويتية»، تقوم على أسس الدين والعرق والطائفة واللغة، وهي الانقسامات أو «التقسيمات» التي يعتبرها الآباء المؤسسون للبلاد من المكونات الرئيسية في إدارة السلطة في دولة تحمل هذا القدر الهائل من التنوع الداخلي المعقد.
لكن أعلنت الحكومة الهندية حظر استخدام الدين أو العرق أو الطائفة في التصويت الانتخابي أو في الأنشطة السياسية واعتبرتها من الأمور غير القانونية في العملية الديمقراطية الهندية. وفي هذا الصدد أصدرت المحكمة العليا الهندية حكمًا تاريخيًا يقضي بأن أي التماس لأصوات الناخبين يقوم على أساس الدين فإنه يرقى إلى مستوى الممارسات الفاسدة قانونًا بموجب القوانين الانتخابية المعمول بها في البلاد. ولاحظت المحكمة العليا الهندية أن جوهر وروح النظام الدستوري الهندي هو العلمانية، وأفادت بأنه لا ينبغي الخلط بين الدين والسياسة.
يشكل الهندوس نحو 80 في المائة من تعداد سكان الهند البالغ 1.25 مليار نسمة، بينما يشكل المسلمون نسبة لا تتجاوز 14.2 في المائة من تعداد السكان، ونسبة الـ6 في المائة الباقية تشكل الأقليات الدينية الأخرى مثل المسيحية، والسيخية، والبوذية، واليانية.
ويفرض حكم المحكمة العليا العديد من المعضلات للأحزاب السياسية في خمس ولايات هندية كبرى بالنسبة للانتخابات المنتظرة خلال الشهر المقبل وما بعده، حيث اعتاد السياسيون استخدام الخطاب الانتخابي المكثف على أساس ديني أو طبقي في حملاتهم الانتخابية الأساسية. وهذا أيضًا من المعايير الغالبة في عملية اختيار المرشحين للتأثير على عمليات التصويت.
وفي بعض الولايات التي تعد الانتخابات فيها أكثر إثارة للجدل، مثل ولاية أوتار براديش، كان تشييد معبد هندوسي في مكان مسجد مشيد من القرن السادس عشر الميلادي بعد هدمه على أيدي المتطرفين الهندوس من أبناء الطبقة الأولى هنديًا هو أكثر ما يميز نتائج استطلاعات الرأي والانتخابات. أيضًا في ولاية البنجاب، كان الدين وتدنيس المقدسات لدى الطرفين من الأنشطة التي تجري بشكل ملحوظ خلال الحملات الانتخابية الرئيسية.
امتزج الدين والطائفة بقوة في خضم السياسة الهندية الداخلية لدرجة أن تصور فصل هذين العنصرين عن بعضهما البعض يبدو غير معقول أو غير متصور. وسواء كان الأمر يتعلق بالحزب الحاكم «بهاراتيا جاناتا» (تتعهد بيانات الحزب الانتخابية في غالب الأمر بتحقيق التطلعات الهندوسية التي طال انتظارها)، أو حزب «المؤتمر الهندي» المعارض (يلعب دور التهدئة السياسية المزعوم بين الهندوس والمسلمين في البلاد)، أو الأحزاب الإقليمية الأخرى مثل حزب «ساماجوادي» (تعهد الحزب بتوفير الرعاية الخاصة للمجتمع المسلم في البلاد)، أو حزب «باهوجان ساماج» (يسعى بشكل كبير إلى اجتذاب أصوات طوائف الأقلية ووصف الحزب نفسه بأنه مخلص المجتمع من الظلم والاضطهاد)، أو حزب «مجلس اتحاد مسلمي الهند»، أو حزب «راشتريا لوك دال»، أو أي حزب آخر ينشط في البلاد، فإن أغلبهم متهمون باستخدام الدين للحصول على المكاسب السياسية. وهذا مزيج شديد التعقيد والذي تتزايد حدته يومًا بعد يوم. وبالتالي، فإن حكم المحكمة العليا هو من الأهمية بمكان في مواجهة هذه السياسة، كما قال الصحافي المعروف أنيل أناند.
وأوضح الصحافي أناند: «لذا، ما موقف لجنة الانتخابات في الهند من هذه الملاحظات؟ من المؤكد أنها لن تكون مهمة سهلة. فأي انتهاك لحكم المحكمة العليا سوف يعتبر على الفور من الممارسات الانتخابية الفاسدة. وسوف يسفر هذا الانتهاك عن استبعاد المرشح المتنافس من السباق الانتخابي. وسوف تحتاج لجنة الانتخابات وبكل تأكيد إلى المزيد من الصلاحيات لاتخاذ الإجراءات الصارمة بحق المخالفين».
لجنة الانتخابات أعلنت أنها لن تقف موقف المشاهد وسوف «تتخذ الإجراءات الصارمة حيال أي انتهاك يحدث في ظل كافة الصلاحيات المخولة إليها».
وفي غضون أقل من أسبوع من إعلان الحكم القضائي الجديد جاء الانتقاد اللاذع عليه من جانب عضو البرلمان الهندي ساكشي ماهاراج، من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. ومن المعلوم أن ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي ينتمي إلى حزب هندوسي الشخصية والنزعة بشكل واضح وصريح.
وقال ماهاراج: «هناك مشاكل في البلاد بسبب النمو السكاني الكبير. ولا يمكن اعتبار الهندوس مسؤولين عن ذلك. بل إن المسؤولين هم الذين يتحدثون عن الزواج بأربع من النساء وينجبون 40 طفلا». كما أنه زعم أيضًا أن الأموال المكتسبة من ذبح الأبقار في الهند صارت تستخدم في تمويل الإرهاب.
وأحيطت لجنة الانتخابات في الهند علمًا بتعليقات ماهاراج الموجهة ضد المسلمين وأرسلت إليه إخطارا بإبداء الأسباب حول تعليقاته الأخيرة.
لاحظ أشوك مالك، من مؤسسة مرصد الأبحاث ومقرها في دلهي: «إذا ما تم تطبيق هذا الحكم حرفيًا، فسوف يتم استبعاد كل حزب من الأحزاب العاملة في الهند على نحو كبير». وأردف قائلا: «سيكون من السذاجة الاعتقاد أن الأحزاب السياسية لن تحاول الوصول إلى طرق ووسائل للالتفاف على توجيهات المحكمة العليا. وعلى الرغم من ذلك، سيكون على الأحزاب توخي المزيد من الحذر عند إعداد وإصدار بياناتهم السياسية وتقديم وتلاوة الخطابات الانتخابية».
وأعرب بي في دينيش، وهو من مؤيدي حكم المحكمة العليا الأخير عن رأيه قائلا: «إذا ما جرت الانتخابات اليوم، وتساءلت عما إذا كانت تتضمن ممارسات فاسدة، فإن الإجراءات القضائية بأكملها سوف تستغرق أكثر من ستة إلى سبعة أعوام كاملة. ولكن المدد الانتخابية، على المستويين الاتحادي والمحلي، لا تتجاوز خمسة أعوام».
لكن أعربت أغلب الأحزاب السياسية والجماعات الدينية عن سعادتها بالحكم القضائي الأخير.
ورحب حزب المؤتمر الهندي المعارض بقرار المحكمة العليا ولمح إلى إدانة الأحزاب التي اتخذت من الدين جزءًا من عقيدتها السياسية وسبيلا للارتقاء في المجال السياسي الهندي، مشيرًا إلى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.
وقالت بريانكا تشادورفيدي، المتحدثة الرسمية باسم حزب المؤتمر: «إنني أرحب بهذه الرسالة البرغماتية من المحكمة العليا في البلاد فيما يتعلق بالأوضاع السياسية الراهنة وما وصلت إليه في الهند من حيث هيمنة الخطاب الديني والطائفي، ولا سيما من جانب بعض الأحزاب التي جعلت من هذه المعتقدات جزءًا من آيديولوجيتها السياسية في مسعاها داخل السياسة العامة الهندية». أما المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا على الجانب الآخر فقد بدا وكأنه يحاول تفادي مثل هذه الاتهامات. وفي خطاب علني، طلب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من الناخبين الترفع عن السياسات الدينية أو الطائفية والتصويت لصالح التنمية. وعلاوة على ذلك، فإن هناك مسؤولين مثل وزير الداخلية راجناث سينغ صرح قائلا إن الحزب الهندي الحاكم كان منخرطا بالفعل في سياسات الاستقطاب وحذر الأحزاب العلمانية من الحكم القضائي الصادر، في إشارة خفية إلى حزب المؤتمر الهندي المعارض في المقابل.
وألقى الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) باللائمة في ذلك على كلا الحزبين الكبيرين – حزب المؤتمر والحزب الحاكم – في النزوع إلى مثل هذه الاستراتيجيات ووصف الحكم القضائي الصادر بأنه انتصار للعلمانية في البلاد. وأصدر الحزب بيانًا جاء فيه أنه يلتزم التزامًا كاملا بالحكم الصادر من المحكمة العليا، كما كان يفعل بصورة تقليدية على أية حال. وقال امتياز جليل، عضو «مجلس اتحاد مسلمي الهند»: «إنها خطوة مرحب بها من جانبنا، ولكنني أتساءل: إن طالبت بالتنمية في المناطق ذات الكثافة السكانية من المسلمين، والفتيات اللاتي في حاجة إلى التعليم، فهل سوف يرقى ذلك إلى مستوى انتهاك أو مخالفة الحكم الصادر؟ وهل المسلمون المطالبون بأحقيتهم في التصويت سوف تعتبر مطالبتهم تلك انتهاكًا أيضًا للقانون الجديد؟»
ولقد أيدت جماعة «فيسوا هندو باريشاد» الهندوسية قرار المحكمة، وطالب سوريندرا جاين، الأمين العام الدولي للجماعة بالتنفيذ الصارم والقوي للحكم القضائي الجديد.
وقال مولانا سيد جلال الدين عمري، رئيس «مجلس اتحاد مسلمي الهند»: «هناك احتمال قوي أن الأحزاب المتنافسة على قائمة هندوتافا (القومية الهندية) سوف تستخدم الحكم الجديد درعًا لدعواتها الطائفية حيال الناخبين وتزعم بأنها لا تسعى لاستمالة الأصوات على أساس الدين ولكن على أساس أسلوب الحياة».
وأضاف عمري يقول: «إن الحكم الأخير لا يجيب على تساؤلات حول كيفية معالجة المظالم المتعلقة بأوضاع بعض المجتمعات الدينية المعينة في أوقات الانتخابات. وليس هناك وضوح فيما يتعلق بالطريقة التي يجري الإعراب بها عن الظلم والاضطهاد التي تتعرض لها بعض الطوائف في أوقات الانتخابات».
الدين والسياسة في الانتخابات الهندية
المحكمة العليا تمنع الخلط بينهما وتحكم لصالح الخطاب العلماني
الدين والسياسة في الانتخابات الهندية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة