شكلت خطوة انضمام خمس من أكبر فصائل المعارضة المسلّحة في شمال سوريا، إلى حركة «أحرار الشام»، في رأي خبراء، عملية فرز هي الأولى من نوعها بين القوى المعارضة والقوى ذات الأجندات الدولية. وشكلت أيضًا خطوة تمهد لمواجهة الحرب التي تشنها «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقًا) على كل التشكيلات المعارضة، واستفرادها الواحد تلو الآخر، خصوصًا في محافظة إدلب (أقصى شمال شرقي سوريا). بعدما قضت «فتح الشام» على «جيش المجاهدين»، وبعثت برسائل مبطنة للفصائل الأخرى بأن دورها آتٍ لا محالة. وفي حين ندد «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» بـ«انتهاكات جماعة (فتح الشام) الإرهابية» فإنه دعا الفصائل إلى «تأسيس جيش وطني سوري يخدم الثورة السورية وأهدافها».
كان كل من «ألوية صقور الشام» و«جيش الإسلام - قطاع إدلب»: «جيش المجاهدين» و«تجمّع فاستقم كما أمرت» و«الجبهة الشامية - قطاع ريف حلب الغربي»، قد أعلن في بيان واحد انضمامهم إلى حركة «أحرار الشام»، مؤكدين أن هذا القرار «جاء استجابة لنداءات أهل العلم، وتأكيدًا على الالتزام بأهداف الثورة، والتزام حمايتها». وأملوا في أن يكون هذا الانضمام «خطوة على طريق جمع الكلمة ووحدة الصف؛ لتحقيق أهداف الثورة السورية المباركة». من جهتها، رحبت حركة «أحرار الشام» في بيان مستقل بهذه الخطوة، وتعهدت بـ«مواصلة السير على النهج ذاته، والوفاء بأي التزام مترتب على أي من الفصائل المنضوية حديثًا للحركة، من خلال تقديمه للقضاء»، مؤكدة حمايتها «كل من انضم إليها، والدفاع عنه مهما تطلب الأمر من قوة». وأفادت تنسيقيات المعارضة بأن «(حركة أحرار الشام)، سيطرت (أمس) بالفعل على بلدة إحسم في جبل الزاوية بريف محافظة إدلب الجنوبي، بعد معارك خاضتها مع مقاتلي جبهة (فتح الشام)».
بيان «الائتلاف»
في المقابل، أعلن «الائتلاف» المعارض في بيان له أمس إدانته المطلقة «للانتهاكات المستمرة التي تقوم بها جبهة (فتح الشام) الإرهابية»، داعيًا الفصائل الثورية إلى «تأسيس جيش وطني سوري يخدم الثورة السورية وأهدافها». ودان من ثم كل «أعمال الاعتداء والمسِّ بالمدنيين وحقوقهم، والتعرض للحريات العامة، وانتهاك حقوق الإنسان من قبل تنظيم (فتح الشام) ومن يساندونه»، مؤكدًا أن ذلك «جزء من منظومة الإرهاب وسلوكه المرفوض، ويصبُّ في خدمة النظام وحلفائه المحتلين، ويقوِّض قدرات الشعب في التصدّي للهجمة الشرسة لاحتلال الأراضي السورية التي تحررت بدماء آلاف الشهداء». ودعا «الائتلاف» المعارض «كل الفصائل الثورية والعسكرية، إلى تبني المشروع الوطني الجامع بكل ما يمثله من قيم ومبادئ، والتأسيس لتشكيل جيش وطني سوري يخدم الثورة وأهدافها، ويعمل في إطار مظلتها السياسية الشرعية، ويستجيب لآمال الشعب وطموحاته في الوحدة والعمل المنسَّق وفق أسس وضوابط احترافية». وأكد أن «معركة الشعب السوري هي ضد نظام الجريمة الأسدي والاحتلال الإيراني المساند له، وقوى الإرهاب كافة». ثم دعا المجتمع الدولي «للعمل الجاد والدؤوب من أجل تحقيق الانتقال السياسي في سوريا، وفقًا لمرجعية جنيف وقرارات مجلس الأمن، بالتوازي مع مكافحة الإرهاب الرسمي والعابر للحدود، واستئصال شأفته». وطالب «الائتلاف» التحالف الدولي «برفض الإرهاب بكل أشكاله، الفكرية والطائفية والانفصالية، والعمل على طرد كل التنظيمات الإرهابية من سوريا، ورفض منحها أي ملاذ آمن مهما كان غطاؤها».
الفرز لا يخدم النظام
وتعليقًا على هذه التطورات، اعتبر المحلل السياسي السوري سمير التقي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما يجري يحدد هوية ودور عدد رئيسي من الفصائل في إدلب وغربي حلب، لجهة فك الاشتباك عمليًا وجغرافيًا مع (جبهة النصرة)». وشدد التقي على «أهمية هذا الفرز السياسي والعسكري بين قوى إسلامية وطنية، وقوى راديكالية ذات أجندة إقليمية ودولية». وتابع أنه «لا يرى في هذا الفرز أي مصلحة للنظام السوري وحلفائه»، مذكرًا بأن النظام «لم يقاتل يومًا تنظيم داعش ولا (القاعدة)، إنما واظب على محاربة قوى المعارضة المعتدلة فقط». واستطرد التقي «لا مصلحة لقوات الأسد بأن تأتي فصائل رئيسية وتتوحد بمواجهة الجماعات المتطرفة أو التنظيمات الراديكالية»، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن «مصلحة المعارضة تكمن في عدم ربط نفسها بجماعات تسمّى إرهابية، وهي بذلك تسحب من يد النظام ذريعة ربطها بهذه المجموعات».
ورغم الشكوك التي اعترت محادثات فصائل المعارضة والنظام في العاصمة الكازاخية آستانة، أوضح التقي، أن «مفاوضات آستانة نزعت عن قوى المعارضة المسلحة صفة الإرهاب، وسحبت الذرائع من يد النظام». وأردف «هذا النظام كان يحرص دائمًا على أن يكون الجميع في سلّة واحدة، في حين أن الفصائل التي توحدت تختلف عن (داعش) و(النصرة)؛ لأنها قوى وطنية تقبل بالتعددية، ولديها أجندة وطنية». ولم يبد المحلل السوري تخوفًا من جنوح هذه الجماعات نحو رفض التعددية، لافتًا إلى أن «القوى العلمانية لم تنتج تشكيلات مسلحة تقاتل الأسد، في حين انخرطت القوى الإسلامية في العمل المسلح لحماية نفسها وأهلها، وهؤلاء ليسوا متطرفين»، ومذكرًا بأن «معظمهم من أبناء الحارات والأحياء التي دافعت عن نفسها بمواجهة آلة القتل التي اعتمدها النظام في مواجهة الثوار». وشدد التقي على أهمية أن «تؤسس هذه الخطوة إلى استعادة (الجيش الحر) قوته ووجوده على الأرض».
مبادرة لحل النزاع
أخيرًا، قبيل إعلان انضمام الفصائل الخمس إلى «أحرار الشام»، أطلق عدد من الشخصيات الثورية والمشايخ مبادرة تهدف إلى حل النزاع والاقتتال القائم بين الفصائل في ريفي حلب وإدلب، ووقعت 22 شخصية على بيان حمل اسم «مبادرة إنقاذ الشمال السوري». وحضّ الموقّعون فصائل «صقور الشام» و«جيش المجاهدين» و«تجمع فاستقم» و«جيش الإسلام» و«الجبهة الشامية» و«فيلق الشام» على الانضمام إلى حركة «أحرار الشام». وطالبوا الحركة بـ«التعهد بعدم التفريط بمن ينضم إليها، وأن تكون معهم جسدًا واحدًا، وتحميهم مما تحمي نفسها منه، والحفاظ على ثوابت الثورة السورية ومبادئها، وحمايتها من الغلو والتفريط».