مع بدء ممارسة دونالد ترمب ممارسة مهامه الرئاسية، تكثفت تحليلات الخبراء حول ما سيقدم عليه الرئيس الأميركي الجديد من قرارات سواء كانت داخلية أو خارجية خاصة مع إصراره على انتهاج سياسات مغايرة لإدارة سلفه، باراك أوباما، في بعض الملفات الخارجية.
ولاحظ خبراء أن إدارة أوباما كانت قد اعتمدت على مدار السنوات الثماني الماضية على التخلي عن فكرة التدخل العسكري المباشر والتركيز على منطقة آسيا بدلاً من منطقة الشرق الأوسط، مشيرين إلى أن هذه السياسة قد أخفقت على ما يبدو في ظل تصاعد الدور الروسي في المنطقة، وهو ما تجلى كثيرًا في الأزمة السورية وفي مساعيه للتقارب مع إيران وإبرام صفقة الاتفاق النووي مع عجز إدارته عن تحجيم النفوذ الإيراني، مما انعكس سلبا على العلاقات الأميركية مع دول الخليج.
ويرى هؤلاء الخبراء أن إدارة ترمب قد تراجع الكثير من الإرث السياسي للإدارة السابقة، وعليه سيكون عليها تحديد رؤيتها تجاه الأزمة السورية والاتفاق النووي الإيراني وأيضا التوجهات مع الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط والصراعات في المنطقة ومكافحة الإرهاب.
يقول البروفسور ديفيد دي روش الأستاذ بجامعة الدفاع الوطني بواشنطن إن «متطلبات الرئاسة كبيرة لكن هناك بعض المؤشرات التي يمكن التنبؤ بها حول الكيفية التي سيكون عليها حكم الرئيس ترمب وكيف سيتعامل مع منطقة الشرق الأوسط». ويرى روش في تحليل له صدر بدورية «مركز المستقبل للأبحاث» ومقرها أبوظبي، أن ترمب رجل أعمال وليس دبلوماسيا، مضيفًا أنه «ينبغي الأخذ بالحسبان خلفية ترمب كرجل أعمال». ويضيف «الدبلوماسيون والسياسيون يعملون في عالم يعتبر فيه كلامهم بمثابة مقترحات سياسية لها تداعيات ويتعين اختيار كلماتهم بعناية. لكن فيما يخص ترمب القادم من مجال الأعمال التجارية، فإن مناقشة (الملفات) قبل التوقيع على العقود تهدف إلى إحداث تأثير تكتيكي وليس لها أي وزن سياسي ولذا عدم الاتساق والتحريف والخداع وتقديم مقترحات غير نهائية تدخل جميعها ضمن الممارسات التجارية المعروفة ولا تشكل أي منها أهمية ما لم ينص عليها العقد النهائي. التهديد والوعيد والانفعال تعد أدوات تكتيكية (في عالم رجال الأعمال)».
ويؤكد البروفسور روش أن ترمب لن يكون رئيسا تقليديا وهو يهاجم المؤسسة السياسية الأميركية، معتبرًا أن هذا الأمر ستكون له تداعيات على السياسات أكثر من مجرد دعايات انتخابية أهمها أن ترمب لا يدين بالولاء أو الإذعان للتقاليد السياسية التي تتبعها واشنطن، ومنها الالتزام بالتجارة الحرة العالمية والاعتماد على الحلفاء والتحالفات في الشؤون الأمنية. وتابع أنه كون ترمب لا يمثل جزءا من التقليد السياسي الأميركي، فإن هذا يجعله غير ملزم بالتقيد بهذه العقيدة. واعتبر روش أن ما أثاره ترمب من شكوك حول التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي ربما يمكن النظر إليه كتكتيك تفاوضي لتحفيز الدول الأوروبية لدفع نصيبها من تكاليف الدفاع.
كيف ستكون سياسات ترمب الخارجية؟
يحذر البروفسور روش من الإفراط في التدقيق في خطابات ترمب خلال حملته الانتخابية ويشدد على ضرورة أخذ المصالح الأميركية المحلية في الاعتبار عند النظر لأي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية. فرفع ترمب خلال حفل التنصيب شعار «أميركا أولاً»، يعني أن على الدول الحليفة زيادة مساهمتها في الدفاع عن نفسها، وأن الولايات المتحدة تقوم بمهام أكثر مما ينبغي في الخارج. لكن ترمب يبدو في الوقت نفسه مصرا على مواجهة تنظيم داعش الإرهابي ومخاطر إيران في المنطقة، مما يدفعه إلى الابتعاد عن النهج التصالحي الذي تبناه أوباما تجاه إيران.
وفيما يتعلق بعزم ترمب التقارب مع روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، يقول أليكسي دونسكي الخبير بمؤسسة «كابستون كولكشنز» لتحليل السياسات، إن العلاقات الثنائية بين البلدين متراجعة بشكل ملحوظ إلى حد دفع كثيرين بتوقع نشوب حرب عالمية ثالثة، ولذلك فإن هناك إدراكا لدى البلدين بضرورة تجنب الاندفاع في هذا الاتجاه وضبط التوتر. ويذكر دونسكي في تحليله لمجلة «اتجاهات المستقبل» أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي لا تزال محافظة على التكافؤ الاستراتيجي مع الولايات المتحدة بسبب ترسانتها النووية الضخمة ونظرا لطبيعة النظام الدولي الفوضوي واتسامه بعدم اليقين، وهذا يحول دون إقامة علاقات قائمة على الثقة بين البلدين لكن في الوقت نفسه يحد من إمكانية دخولهما في صراع شامل.
ويؤكد دونسكي أن فرص التقارب بين إدارة الرئيس ترمب وحكومة بوتين، قد تكون كبيرة لأن المطالب الروسية تقتصر على رفع العقوبات الغربية التي جرى تبينها بعد ضم موسكو للقرم، وهو ما يراه الرئيس ترمب مطلبا غير مبالغ فيه. كذلك فإن موسكو تسعى إلى تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة عبر بناء علاقة شخصية جديدة مع الرئيس ترمب، وفق دونسكي الذي يضيف أنه «على الرغم من تلك النوايا الطيبة فإن انعدام الثقة بين موسكو وواشنطن والتاريخ الطويل من الخلاف والاستفزازات المتبادلة، كلها أمور تشير إلى أن فرص تحسين حقيقي للعلاقات على المدى الطويل تكاد تكون معدومة».
بدورها، تشير كارن أبو الخير الباحثة السياسية في تحليلها لمستقبل النظام الدولي الليبرالي في عهد ترمب، إلى أن العوامل الداخلية سيكون لها تأثير مهم في سياسات ترمب الخارجية، خاصة أن فوزه بالرئاسة جاء نتيجة تأثير شرائح مجتمعية تتبنى قيم القومية وتؤمن بأهمية الحدود وترى أن التجارة الحرة أضرت بالطبقة الوسطي وقوضت البنية الصناعية الأميركية. وتضيف الباحثة أبو الخير: «هذه الشرائح المجتمعية ترى أن تجربة الولايات المتحدة في تغيير النظم في الخارج كانت محاولة فاشلة وأنه لا ينبغي للولايات المتحدة محاولة الهيمنة بل تدشين عهد جديد من العلاقات الدولية تهيمن فيه القيم والتوجهات القومية على نشر القيم الليبرالية». وتابعت أن إدارة ترمب في حال تراجعت بالفعل عن تعهدات الولايات المتحدة التقليدية مع حلفائها، فإن ذلك سيدفع إلى تراجع مصداقية الولايات المتحدة في مجال الردع، وهو ما ينقل النظام الدولي من حالة يسودها التنافس السلمي إلى حالة من الصراع المسلح.
محللون يرصدون ملامح السياسة الخارجية لترمب
ديفيد روش: الرئيس الجديد سيتخلى عن النهج التصالحي مع إيران ويصعد الحرب ضد «داعش»
محللون يرصدون ملامح السياسة الخارجية لترمب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة