استطاع المصري أكرم شعبان طوال سنوات عمله الـ18 مع مؤسسة «بي بي سي» البريطانية أن يتدرج في المناصب القيادية داخل مقر المؤسسة في لندن وصولاً إلى توليه مكتبها بالقاهرة.
وهو يقدم برنامجًا حواريًا أسبوعيًا (بتوقيت مصر) حقق نجاحًا كبيرًا في الشارع المصري، من خلال المقابلات الجريئة التي يجريها، والقضايا المصرية الحساسة التي يطرحها، لا سيما مقابلته مع السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة. وهو يقود العمل الإعلامي الإلكتروني والإذاعي والتلفزيوني في مكتب المؤسسة البريطانية في القاهرة، مع فريق مكون من 103 إعلاميين... وفيما يلي حوار معه عن تجربته مع «بي بي سي»:
* كيف بدأت مسيرتك الإعلامية؟ وهل كانت في الصحافة أم التلفزيون؟
- تخرجت في كلية الإعلام جامعة القاهرة، شعبة إذاعة، عام 1994، وعملت في قناة المعلومات المرئية مترجمًا، ثم في قطاع إنتاج التلفزيون رقيبًا، ثم التحقت بإذاعة الشرق الأوسط مذيعًا عام 1996، ثم تقدمت للالتحاق بإذاعة «بي بي سي» عام 1999. وهناك، قدموا لي عرضًا للعمل في لندن، وما زلت حتى الآن في «بي بي سي»، وقد تدرجت من منتج أخبار إلى قائد فريق عمل إلى «Newsroom Editor» في الإذاعة، وعملت مذيعًا ومقدمًا للبرامج الإخبارية. وحينما فتحت وظيفة مدير مكتب «بي بي سي» بالقاهرة، وجدتها فرصة جيدة للعودة لمصر، وكان ذلك بعد أيام من عزل محمد مرسي. وبالفعل، منذ 3 سنوات ونصف السنة، أتولى المكتب، وأقدم برنامج «بتوقيت مصر» الأسبوعي منذ عامين ونصف العام، بالمشاركة مع زملاء آخرين.
*تدرجت إذن في جميع فروع العمل الإعلامي، فأي منها تعتبره الأقرب إليك؟
- أنا من عشاق الراديو لأن متعته تكمن في أن الإعلامي يعكف على كل مراحل إنتاج المادة؛ إعدادها وتحضيرها وترجمة التقرير وتحريرها وعمل المونتاج وكتابة مقدمة لها، ويكون الإعلامي متحكم في كل شيء في المنتج الإعلامي؛ إني اعتبر الراديو أو الإذاعة مدرسة كبيرة جدًا، وهو الأقرب إلى قلبي. أما التلفزيون، فهو عمل جماعي يكون الإعلامي فيه ترس من التروس التي تعد العمل على الهواء، والنجاح مرتبط بفريق العمل وكل عنصر فيه، ولكن أنا فخور بتجربتي بوصفي مقدم برامج، ونجاح البرنامج، وتفاعل الجمهور معه.
* هل تعتبر التفاعل المباشر مع الجمهور عبر الـ«سوشيال ميديا» أمر إيجابي أم عنصر ضغط؟
- هي وسيلة مهمة، وفرصة إضافية واسعة للتواصل مع فئة الشباب، لأنه نادرًا ما نجد شابًا يتصفح الجرائد أو يتابع الراديو، ونحن في «بي بي سي» لدينا كتاب أسلوب يحدد المعايير التي تحكم علاقة الصحافيين بها، وكان لنا السبق بين الوسائل الإعلامية في عمل صفحات لكل البرامج وجميع الفقرات للتواصل مع الجمهور، والتعرف على استفساراتهم، ولكي نصل لقطاع كبير من الشباب المستهلك للـ«سوشيال ميديا»، ونحن نحرص على نشر مقاطع من برنامج «بتوقيت مصر». وبشكل شخصي، أنا حريص جدًا على التواصل مع الجمهور بشكل مباشر، وأسعد بكل التعليقات الناقدة قبل المشيدة لكي أبني عليها، ولكي يمكن لفريق العمل أن يحسن المنتج الإعلامي.
* ما المحاذير التي حددتها «بي بي سي» لتعامل الصحافيين مع الـ«سوشيال ميديا»؟
- أولها، ألا يعلن الصحافي عن رأيه بشكل مباشر في القضايا الشائكة والخلافية، وعدم تبني وجهة نظر معينة عبر الـ«سوشيال ميديا» حتى لا تضر بمصداقيته عبر الشاشة، لأننا ملتزمون بفكرة الحيادية والموضوعية. وأيضًا، إلى جانب القواعد العامة، عدم التحريض على العنف أو الكراهية على أساس الجنس أو الدين أو اللون. وبالطبع، السب والقذف، وعدم نقل أو مشاركة خبر يحتوي على ذلك.
* هل ترى أن «صحافة المواطن» ساهمت في مزيد من المصداقية للمؤسسات الإعلامية أم العكس؟
- لدينا برنامج «أنا الشاهد»، وهو قائم بشكل أساسي على تصوير تقارير من قبل المواطنين في أي مكان في العالم، فأي إنسان حتى لو كان في مجاهل أفريقيا ومعه كاميرا موبايل، بإمكانه أن يكون مراسلاً عبر شاشتنا، ولكن «بي بي سي» من أعمدتها الأساسية الدقة والحيادية والموضوعية، ونتعامل بحذر كبير مع كل ما يرسل لنا قبل مجرد التفكير فيها، والتيقن من أن كل شيء يسير بشكل دقيق، لأنه في كثير من الأحيان تنتشر على الـ«سوشيال ميديا» أشياء ليس لها واقع على الأرض.
* ما القصة الإخبارية التي تعتز بها؟
- هذا سؤال صعب. ولكن أعتبر برنامج «بتوقيت مصر» جاء في توقيت مناسب جدًا، حيث كان في مصر استقطاب شديد جدًا في الإعلام المصري، وما زال، ما بين معسكر «25 يناير» و«30 يونيو» و«الإخوان». وقد استطعت في البرنامج تقديم مجموعة مقابلات حصرية ومختلفة، ولم يكن متاحًا لأي قناة سوى «بي بي سي» أن تقدمها، ومنها مقابلتي مع السفير الإسرائيلي السابق في مصر الذي دعاه النائب توفيق عكاشة لمنزله، التي أثارت ضجة كبرى وقتها. وحينما رفض عكاشة الحديث عن الواقعة، فكرنا لماذا لا نقابل السفير؟! أي مؤسسة إعلامية أخرى لم تكن تجرؤ على التواصل مع السفارة الإسرائيلية للتنسيق للمقابلة، وقد كان لهذه المقابلة أصداء واسعة. وأيضًا مقابلة هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات في مصر، بعد قرار عزله، كان لها ردود فعل قوية جدًا، على مستوى الجمهور أو وسائل الإعلام العربية والعالمية، لأن الجميع يعرف أننا لا نعمل لحساب أحد، ولكن نعطي فرصة لكل الأطراف للتعبير عن وجهة نظرها.
* أحيانًا يلوم البعض على «بي بي سي» أن لها توجه ضد مصر... خصوصًا بعد «30 يونيو».
- إطلاقًا، لأنه مثلاً «بي بي سي» لا تقول عما حدث في مصر أنه «انقلاب»، ولا تقول عنه أنه «ثورة»، لأنه كان هناك خلاف، وكان لا بد أن نكون حياديين، فقلنا «مصر بعد 30 يونيو» أو «مصر بعد 3 يوليو». ومثلاً، في تغطية الأحداث في فلسطين، لا نقول عن عمليات الفصائل الفلسطينية «عمليات استشهادية» ولا «عمليات إرهابية»، ولكن نقول عليها «هجمات»؛ نحن نتبنى لغة حيادية قدر الإمكان. وهناك سوء فهم كبير جدًا فيما يخص عمل «بي بي سي» لأنها ممولة من الشعب البريطاني، وهو من يدفع ميزانية المؤسسة من خلال ضريبة التلفزيون، وكل بيت في بريطانيا يدفع ضريبة نحو 146 جنيهًا إسترلينيًا، وتنفق منها «بي بي سي» بهدف الإعلام والترفيه والتثقيف. بكل صراحة، أعمل 18 سنة في «بي بي سي»، ولم يتصل بي أحد ليملي ما يجب عليّ فعله، وإنما كلنا نسير وفق المعايير الإعلامية للمؤسسة، وبالتأكيد كل مؤسسة بها أخطاء من وقت لآخر، ولكن نحن نعتذر عن أي أخطاء نرتكبها، ونوجه الزميل الذي ارتكب الخطأ، وإذا كان بحاجة لتدريب نوفر له ذلك لأنه في النهاية هذا جهد بشري يحتمل الخطأ والصواب.
* هل تجد نفسك أحيانًا في صراع بين كونك مصريًا وتعمل لحساب مؤسسة أجنبية؟
- إطلاقًا، بل أصبح الحياد أو الموضوعية جزءًا من تكويني الشخصي حتى في أصعب اللحظات بعد ثورة 2011، وكانت المشاعر حينها مضطربة، وكنت في غرفة الأخبار الرئيسية في لندن، وكنا نعمل 24 ساعة لتغطية الأحداث المتتالية؛ كنا نحرص على الحديث لكل الأطراف من شباب في الميدان أو المقربين من نظام مبارك أو الإخوان بهدف توضيح الصورة والمعلومات أولاً بأول للناس، دون أي آراء شخصية. وكنا نسمع أن البلد تنهار، وأن هناك أناسًا تموت، ولكن كنا حريصين على أن نقدم عملنا بعيدًا عن أي مشاعر شخصية.
* هل تعتبر أن فترة ثورة يناير أصعب فترة مرت عليك في المجال الإعلامي؟
- أعتقد ذلك لأن الأمور كانت تتطور كل ساعة، وكانت الثورات مشتعلة في كل أنحاء العالم العربي؛ في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن ضد الأنظمة والديكتاتوريات العربية، وخلق هذا ضغطًا رهيبًا جدًا على جميع غرف الأخبار في العالم، وكان لدينا عجز في فريق العمل، من حيث العدد في «بي بي سي»، ولكن تمكننا من نقل الصورة بكل دقة، وبأكبر قدر من الموضوعية.
* برأيك، لماذا لا توجد قناة مصرية تنافس القنوات الإخبارية العالمية أو العربية؟
- الإعلام المصري يعاني من أزمات كثيرة جدًا، ومن دخول عناصر ليست على مستوى المهنة، ويعاني من مشكلات مالية رهيبة، وهناك تداخل رهيب بين الإعلان والإعلام، وأصبح الإعلان هو الذي يقود الإعلام، ولا بد من وجود فصل تام، وأيضًا أن يكون هناك فصل بين الإدارة والملكية، فهو تداخل مخل أدى لوجود إعلام رجال أعمال له مواقف معينة، بعيدًا عن الموضوعية والقواعد والضوابط الحاكمة للعمل الإعلامي.
* بالنسبة لقانون تنظيم المؤسسات الإعلامية الجديد الذي سيتم صياغته، هل ترى أنه سيكون مفتاح الحل؟
- بحسب اللقاءات التي أجريتها مع عدد من الخبراء والمتخصصين، أعتقد أنه لا يوجد تفاؤل كبير، وهناك قلق كبير بخصوص إمكانية تقييد حرية الإعلام، ولكن ربما يجب الانتظار لرؤية كيفية تطبيق القانون ونتائجه على الأرض.
* هل لديك قدوة في مجال العمل الإعلامي؟
أعتقد أنني تأثرت جدًا بالمذيع جيمي ميتاكسمان، ومذيع في القناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني يدعى جون سنو، وكنت من المتابعين لهما، وأُعجبت بالحرية التي يتمتعان بها في طرح الأسئلة. ولكن أعتقد أن كل فرد بتجربته ومشواره المهني يخلق بداخله معلمه الخاص لأنني في أثناء المسيرة وجدت أشخاصًا أخطأوا أخطاء كبيرة، ويمارسون انتهاكات صارخة في حق المهنة، ودائما أحمد الله على أنني لم أرتكبها.
* ما النصيحة التي توجهها للمراسلين البريطانيين في أثناء عملهم في مصر؟
بشكل عام، نحن نعمل بحرية تامة في مصر، ولا توجد علينا أي ضغوط، ونمارس عملنا بحرية تامة في إطار القواعد والضوابط الحاكمة لعملنا، ونقول ما نقول بكل دقة، وعلاقتنا بالسلطات المصرية علاقة جيدة جدًا. صحيح أننا نختلف معهم بين الحين والآخر، لكنهم يعرفون أننا نعرض الرأي والرأي الآخر. ودوما أقول للزميلة المراسلة الإنجليزية التي تغطي أحداث مصر أنه ما دمنا نؤدي عملنا بالمهنية والدقة والتوازن والحرفية المطلوبة، فإنه لا داعي للقلق.
* ما أهم قاعدة تنطلقون منها في عملكم؟
- أهم قاعدة لدينا «الصحافي أهم من السبق»، ودائمًا ما أحرص على الإنسان أو الصحافي، خصوصًا في مناطق الاشتباكات أو العنف أو المظاهرات، وألا يضع نفسه أبدًا في طريق الخطر، وألا يعرض نفسه أو فريقه لأي خطر من أجل السبق، لأن الأهم هو الإنسان.
* من خلال خبرتك الإعلامية، كيف كنت ستتصرف لو كنت في المؤتمر الصحافي الأول لترامب؟
- أعتقد أنه لا يوجد ما يمكن أن يمنع الصحافي من أداء عمله، وجميعنا نحاول أن نؤدي دورنا وسط ظروف صعبة حيثما كنا، وأينما كنا، وفقًا لما يمليه علينا ضميرنا، وخصوصًا في الوطن العربي حيث إن هناك أوضاعًا سيئة، ولكن في النهاية الصحافي يجب أن يؤدي دوره بغض النظر عن أي شيء.
* كيف توازن بين عملك الإعلامي بوصفك مدير مكتب ومقدم برنامج وحياتك الشخصية؟
أعمل من 8 إلى 10 ساعات في المكتب، ويومي يبدأ من العاشرة صباحًا حتى الثامنة مساء، ودائمًا ما أتابع العمل من المنزل، عبر نظام البريد الداخلي. ولديّ نحو 103 صحافيين من أفضل الصحافيين؛ على أعلى مستوى من الكفاءة. وكلنا مع فريق لندن نعزف في أوركسترا واحدة لتقديم أفضل منتج تلفزيوني وإلكتروني وإذاعي.