منذ أقل من أسبوعين، وتحديدا اليوم التالي لسحق مانشستر يونايتد لمنافسه وستهام يونايتد خارج ملعبه بنتيجة 5 – صفر في كأس إنجلترا، شاهدنا أروع صفحات الرياضة في الموسم الحالي، وكان ذلك في صحيفة «الصن» التي كالت المديح على جمال الأداء. وجاء العنوان الصارخ بالخط العريض ليقول: «مانشستر سيتي يدق وستهام» مصحوبا بصورة لديفيد سيلفا يقول: «لن تستطع حتى أن تلمسها»، في إشارة للكرة بين أقدام لاعبي مانشستر سيتي.
بدا كل شيء منظما؛ ففريق جوسيب غوارديولا خرج بأقوى تصريحاته لاستعادته ذاكرة الانتصار التي ضاعت في العام الجديد عندما تسببت الهزائم في إثارة الكثير من الجدل، ناهيك عما سببه الفوز الباهت على فريق بيرنلي. فالمدرب الذي شاهدناه في مقابلة شخصية تلفزيونية يدافع عن نفسه باستماتة، شاهدناه هو نفسه مشرقا ومليئا بالثقة، ويعد بأن فريقه سيكون في أحسن حالاته في لقائه المقبل أمام إيفرتون.
فربما تكون قد سمعت أن تلك الخطة لم تسير بالشكل المتوقع؛ ففريق إيفرتون أدى بشكل رائع واستحق الفوز بنتيجة 4 – صفر التي حققها، فيما بدا فريق مانشستر سيتي بصورة تعيسة مرة أخرى بعد فشله في استثمار ثلاثة أمور مهمة، وبدا وكأنه اكتفى بالفوز الذي حققه على وستهام. أول ما فشل فيه الفريق كان عدم استغلال الفترة في الشوط الأول عندما كان الفريق متفوقا، ورغم ذلك أضاع فرصتين أو ثلاثا سهلة لافتتاح التسجيل. قد يحدث هذا لأي فريق، لكن فريق سيتي يحتاج إلى تفسير أسباب أن اللاعب المفروض أن ينهي هجمات فريقه بصورة إيجابية هو سيرجيو أغويرو. ليس هناك شك في أن أغويرو هو أفضل من ينهي الهجمات في فريقه على نحو إيجابي، وبفارق كبير عن زملائه، والدليل على ذلك إضاعة زميليه سيلفا ورحيم ستيرلنغ الفرص السهلة.
ثانيا، لم يبد خط دفاع فريق سيتي أي مقاومة تذكر، خصوصا في الأسابيع الأخيرة، فعندما افتتح المهاجم البلجيكي روميلو لوكوكو التسجيل كانت تلك هي المحاولة الأولى لإيفرتون على المرمى، وكان ذلك مشهدا مكررا في جميع المباريات السابقة، ولم تكن هي المرة الأولى التي رأينا فيها اللاعب نفسه يفعل ذلك بملعب الاتحاد. لم يكن ما حدث خطأ حارس مرمى مانشستر سيتي كلاوديو برافو وحده، رغم أنك لو نظرت إلى إجمالي أهم الكرات التي أنقذها الحارس الموسم الحالي ستجد أنها جميعا كانت قريبة من المرمي، لكن عندما يرتكب الفريق خطأ دفاعيا، فإنه يؤدي إلى تفكك خط الدفاع بصورة كاملة. فلوكوكو الذي لم يكن يراقبه أحد أحرز هدفه بسهولة مطلقة.
ثالثا، يسقط فريق سيتي صريعا بمجرد تخلفه بهدف، وإن كان هذا لم يحدث مباشرة عقب هدف لوكوكو، لكن حدث بعد أن أضاف الجناح كيفين ميرالاس هدفا ثانيا في بداية الشوط الثاني. وليس صحيحا تماما أن الفريق لا يتمتع بشخصية أو بقدرة على الكفاح، فقد شاهدنا مانشستر سيتي متأخرا بهدف، وبعدها استطاع الفوز على آرسنال في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. لكن ما حدث لاحقا أن الفريق لم ينجح في العودة لجو المباراة والوقوف على قدميه بملعب إيفرتون، وبدوا وكأنهم في انتظار صافرة النهاية ليغادروا الملعب.
بسؤال غوارديولا السؤال المعتاد نفسه عما إذا كان طموحه في اللقب قد تبخر نجده قد نطق بهذا المعنى للمرة الأولى، وربما شعر بأنه ما كان عليه أن يشير إلى تلك النقطة. فالفرق التي تنافس على اللقب لا تخسر بنتيجة 4 – صفر وبتلك الصورة المخزية، وبخاصة أمام فرق ليست من ضمن الفرق الستة الأولى، وبالكاد تتصارع على المركز السابع في القائمة.
يسير بنا الحديث تجاه اللقاء المقبل لفريق مانشستر سيتي من بين 6 لقاءات قوية مقبلة، والذي سيكون اليوم على ملعبه أمام توتنهام هوتسبير الذي يبدو متجها بقوة لتحقيق فوزه السادس على التوالي. فالكثير من الفرق الستة الأوائل حققت سلسلة من الانتصارات المتوالية الموسم الحالي (وحتى مانشستر يونايتد حقق ذلك إلى أن أوقفه ليفربول نهاية الأسبوع الماضي)، لكن الانتصارات الستة المتوالية التي حققها فريق سيتي في الدوري، التي حققها الفريق في بداية الموسم إن لم تسعفك الذاكرة لاستدعائها، أوقفها فريق توتنهام هوتسبير نفسه بالتغلب عليه بنتيجة 2 – صفر بملعب توتنهام بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
من الواضح أن فريق سيتي لم يعد كما كان من قبل سواء من ناحية تغيير الشكل بصورة كبيرة، ومن ناحية كفاءة الأداء. ولم يحافظ الفريق على نفس ثبات مستواه، فأفضل المرات التي حافظ فيها على ثباته كان الفوز ثلاث مرات متتالية شهر ديسمبر الماضي، كان أحدها أمام آرسنال، وإن كانت صحوته المتواضعة جاءت عقب أدائه الهزيل أمام ليستر سيتي بنتيجة 4 – 2، ناهيك عن تراجع مستوى أداء معظم اللاعبين في مباراتهم التي هزموا فيها من تشيلسي قبل ذلك بأسبوع. وليس هناك شك في أن غوارديولا يعاني كغيره لكي يعمل على أن يكون هناك معنى لموسم مانشستر سيتي. فمن ناحية، فإن الفريق الذي يتمكن من الفوز على فريق برشلونة يجب أن يكون الفريق القادر على فعل الصواب، لكن بدا وكأن الشك قد تمكن من الجماهير التي باتت تظن أن برشلونة هو الفريق الوحيد الذي عرف غوارديولا كيف ينتصر عليه. فالحقيقة، أن فرق مثل ليستر سيتي، وإيفرتون، وميدلسبرا وساوثهامبتون هي التي عجز غوارديولا أمامها الموسم الحالي.
ربما مر فريق توتنهام هوتسبيرز بحالة تذبذب مشابهة أيضا، لكن مدرب توتنهام ماوريسيو بوكيتينو أظهر قدرا من العناد في الدوري بعد خروجه من منافسات دوري أبطال أوروبا. ففريق توتنهام سبيرز الذي أوقف سلسلة انتصارات تشيلسي التي واصل الفريق الركض بعدها. الانتصارات الستة المتتالية حققها الفريق بتسجيله 19 هدفا، مقابل 3 أهداف هزت شباكه.
بمقدور فريق توتنهام الدفاع والاحتفاظ بنظافة شباكه أمام فريق بقوة تشيلسي والتشبث بالمقدمة. لن يكون توتنهام بالخصم الضعيف بملعب الاتحاد، وإن كان لا أحد يعلم في هذه المرحلة أي نسخة من فريق سيتي سيلتقيه في المباراة. فهل سيكون فريق سيتي هو نفسه الذي شاهدناه أمام تشيلسي، أم هو الفريق الذي احتفظ بهدوئه بعد تقدم آرسنال عليه بهدف؟ لكن أهم ما يمكن أن يقال هو أن ملعب الاتحاد معقل مانشستر سيتي لم يعد هو الملعب الذي أدخل السرور على قلوب مشجعي مانشستر سيتي في المواسم الماضية، ولم يعد هو الحصن المنيع أمام الفرق المنافسة على اللقب أو حتى الفرق الستة الأولى في ترتيب الجدول.
استمتع فريقا ليستر وليفربول كثيرا على حساب فريق مانشستر سيتي الموسم الماضي، وحقق تشيلسي انتصارات كبيرة هذه المرة، وبصرف النظر عن الانتصار بنتيجة 3 - 1 على برشلونة، فنادرا ما تألق لاعبو غوارديولا على ملعبهم. قد تكون مباراة اليوم هي الموعد لتحقيق ذلك، فإن حقق فريق توتنهام هوتسبيرز انتصاره السابع، فستستمر سفينتهم في الإبحار بقوة إلى نهاية الموسم، بالضبط كما فعل ليستر الموسم الماضي، فيما ستتسبب الهزيمة السادسة على التوالي في الدوري العام في تعقيد مهمة مانشستر سيتي في إنهاء الموسم وسط الأربعة الكبار. فبعد التألق والفوز بنتيجة 5 - صفر على وستهام، نستطيع القول إن تلك المباراة كانت أمام فريق لا يعاني سوى من مشكلات بسيطة، ولم تكن سوى مباراة في كأس إنجلترا.
حان الوقت لفريق مانشستر سيتي ليقول كلمته في الدوري، فمن غير المعقول أن يستمر الفريق في منح النقاط لخصومه على هذا النحو. فهذا هو الوقت الحاسم لغوارديولا أيضا؛ نظرا لتذبذب مستوى فريقه، وبالتأكيد لن يدع الفرصة لماوريسيو بوكيتينو أن يستغل لقاء اليوم ليعزز مزاعمه بأنه أصغر وأنجح مدرب بالدوري الإنجليزي. فالجميع اتفق على أن الموسم الحالي سيكون الأروع في الدوري الممتاز في ظل اشتعال المنافسة بين ستة من كبار المدربين على المراكز الأربعة الأولى. لكن السباق لن يكون سهلا حتى وإن كان الموسم الحالي هو الأفضل على مدى تاريخ البطولة.
كان توتنهام هوتسبير أول ناد يكشف ثغرات مانشستر سيتي وسيتطلع الفريق اللندني المتألق مؤخرا لإلحاق المزيد من الضرر بمنافسه في استاد الاتحاد اليوم. وحين لعب سيتي باستاد وايت هارت لين في أكتوبر فعل توتنهام ذلك بينما كان غوارديولا مدرب برشلونة السابق ينذر بتحويل موسمه الأول في إنجلترا إلى مهمة سهلة بعدما افتتح الموسم بستة انتصارات متتالية. غير أن الهزيمة بنتيجة 2 - صفر - التي كان يمكن أن تكون أكبر، لم تكن مجرد عثرة، لكن عودة للواقع بالنسبة للمدرب الإسباني الذي لم يعد فريقه بعدها كما كان.
وبينما ظهر توتنهام كمنافس حقيقي على اللقب بفوزه في آخر ست مباريات في الدوري ليتقدم للمركز الثاني بفارق سبع نقاط وراء تشيلسي المتصدر تراجع سيتي للمركز الخامس عقب هزيمته الثقيلة 4 - صفر أمام مضيفه إيفرتون في الجولة السابقة. ويحتاج غوارديولا، الذي أكمل 46 عاما الأربعاء الماضي، إلى رد سريع من تشكيلة هشة دفاعيا ومتقدمة في السن وتعاني من أجل التأقلم على أسلوب لعبه المعتمد على الاستحواذ على الكرة. وحافظ سيتي على نظافة شباكه في 25 في المائة فقط من مبارياته تحت قيادة غوارديولا، وحصل الحارس كلاوديو برافو، الذي انتزع مكان جو هارت حارس إنجلترا، وقلب الدفاع المنضم في صفقة ضخمة جون ستونز على نصيبهما من الانتقادات. وفي ظل تأخره بعشر نقاط وراء تشيلسي اعترف غوارديولا تقريبا بأن سيتي خرج من سباق المنافسة على اللقب بعد السقوط باستاد جوديسون بارك.
ثمة علامة استفهام كبرى تحوم فوق محور غوارديولا - تشيكي بيغريستين، الذي يسيطر على صفقات شراء اللاعبين داخل مانشستر سيتي. المعروف أن الأخير يتولى منصب مدير الكرة بالنادي، ويتجاوز دوره، في حقيقة الأمر، مجرد التوقيع بالموافقة على ما يطلبه المدرب. في الواقع، يتمتع بيغريستين بنفوذ كبير في رسم استراتيجية الانتقالات داخل مانشستر سيتي وتنفيذها، وإن كان يحرص على أن تبقى الكلمة الأخيرة لغوارديولا؛ كي يتحمل هو المسؤولية الكبرى حال وقوع أي خطأ.
وعند النظر إلى فريق مانشستر سيتي، نجد أن المشكلات التي يعانيها تتركز في تقدم عمر اللاعبين، والإخفاق المحير في إصلاح خط الدفاع. عندما أعلن مانشستر سيتي عن الاستعانة بغوارديولا في منصب المدرب، أشار النادي إلى أن هذا يأتي بعد أربع سنوات ظل يطارد خلالها المدرب. وبطبيعة الحال، تبدو تلك فترة كافية تمامًا لتقييم متطلبات الفريق التي يمكن إيجاز أولوياتها في: ظهير أيسر وظهير أيمن، وقلب دفاع واحد على الأقل، بجانب الدفع بعناصر ناشئة في صفوف الفريق.
مع هذا، نجد أنه بحلول الأول من سبتمبر (أيلول)، لم يكن النادي قد اشترى سوى قلب دفاع، جون ستونز؛ ما ترك خط الدفاع في حالة أشبه بحادثة مروعة في انتظار اللحظة المناسبة للوقوع خلال غالبية المباريات التي خاضها الفريق. ويمكننا أن نضيف إلى ذلك نظرة غوارديولا إلى هارت باعتباره أقل مستوى عن برافو. في الواقع، قدم اللاعب التشيلي أداءً أقرب ما يكون إلى الكارثة، ولم يبد مهارة كافية فيما يتعلق بالمطلب الرئيس الواجب توافره في حارس المرمى: منع الكرة من اقتحام المرمى.
والتساؤل المطروح الآن: هل بإمكان غوارديولا تناول أي من هذه المشكلات خلال موسم الانتقالات الحالي؟ وهل سيسعى في الصيف نحو التخلي عن بعض اللاعبين المتقدمين في العمر مقابل ضم عناصر أخرى أكثر شبابًا ونشاطًا إلى الفريق؟
في الواقع، يستحق غوارديولا الثناء عليه؛ لإيمانه بأسلوب اللعب المتألق المعتمد على التمرير والحركة، لكن في الوقت ذاته ثمة تساؤلات تفرض نفسها حول أسباب إصراره عدم المساس بهذا الأسلوب لتعديله. جدير بالذكرن أن سلفه، مانويل بيليغريني سبق وأن تعرض لانتقادات حادة بسبب افتقاره إلى المرونة التكتيكية ورفعه شعار التمسك بأساليبه إلى الأبد. والحقيقة أن «أسلوب غوارديولا» المميز أسهم بوضوح في النجاحات المبهرة التي حققها برشلونة تحت قيادته، علاوة على نجاحه الفائق مع بايرن ميونيخ. وعليه، يبدو من المنطقي ألا يفكر في إدخال تغيير راديكالي الآن مع مانشستر سيتي.
حان الوقت لمانشستر سيتي ليقول كلمته
«ملعب الاتحاد» الذي كان يومًا حصنًا منيعًا أمام أكبر الأندية أصبح «مطمعًا» حتى للفرق الصغيرة
حان الوقت لمانشستر سيتي ليقول كلمته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة