دعم فرنسي «مشروط» لاجتماعات آستانة حول سوريا

إيرولت لـ «الشرق الأوسط»: لن نعطي قرشًا واحدًا لإعادة الإعمار من غير عملية انتقال سياسية حقيقية

أطفال يطلون من نوافذ أحد الأبنية القليلة التي بقيت سالمة نسبيا من القصف المتواصل الذي انتهى بدخول قوات النظام وميليشياته إلى أحياء حلب القديمة والشرقية قبل شهر (أ.ف.ب)
أطفال يطلون من نوافذ أحد الأبنية القليلة التي بقيت سالمة نسبيا من القصف المتواصل الذي انتهى بدخول قوات النظام وميليشياته إلى أحياء حلب القديمة والشرقية قبل شهر (أ.ف.ب)
TT

دعم فرنسي «مشروط» لاجتماعات آستانة حول سوريا

أطفال يطلون من نوافذ أحد الأبنية القليلة التي بقيت سالمة نسبيا من القصف المتواصل الذي انتهى بدخول قوات النظام وميليشياته إلى أحياء حلب القديمة والشرقية قبل شهر (أ.ف.ب)
أطفال يطلون من نوافذ أحد الأبنية القليلة التي بقيت سالمة نسبيا من القصف المتواصل الذي انتهى بدخول قوات النظام وميليشياته إلى أحياء حلب القديمة والشرقية قبل شهر (أ.ف.ب)

قبل ثلاثة أيام من انطلاق اجتماعات آستانة، المفترض بها أن تضع لأول مرة وجها لوجه ممثلي النظام السوري والقسم الأكبر من المعارضة، أعربت باريس عن دعمها «المشروط» لها، مع أنها لم تدع رسميا إليها. بيد أن «الشرق الأوسط» علمت من مصادر رسمية أن دبلوماسيا فرنسيا رفيع المستوى سيكون موجودا في العاصمة الكازاخية آستانة لمواكبة الاجتماعات، وتقديم النصح للمعارضة. ولقد عرض وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، صباح أمس، في الكلمة التي ألقاها أمام الصحافة بمناسبة العام الجديد رؤية بلاده لاجتماعات الاثنين المقبل في العاصمة الكازاخية، كذلك سيكون الملف السوري موضع مباحثات بين إيرولت والمسؤولين السعوديين في الرياض يومي 23 و24 الحالي ومع المسؤولين الإيرانيين في زيارته الأولى إلى طهران منذ تسلمه حقيبة الخارجية نهاية الشهر الحالي.
تعتبر باريس أن أي مفاوضات بين النظام والمعارضة السوريين يجب أن تستند إلى بيان «جنيف 1» وإلى القرار الدولي رقم 2254 الذي يحدد مسار عملية الانتقال السياسي. ورغم الغموض والنواقص التي تعتري مفاوضات آستانة والمتمثلة بغياب أجندة واضحة لها، فإن باريس، كما أفادت مصادرها، «لم تتوان يوما عن تشجيع المعارضة على الحضور، حتى وإن لم يتوافر الوقف التام لإطلاق النار ولم تكن كل فصائل المعارضة ممثلة». وفي حين تتخوف فرنسا من سعي روسي ــ إيراني في آستانة إلى تعديل المرجعية الدولية وإبعاد «الهيئة السورية العليا للمفاوضات» عن المسار الجديد، فإن الوزير إيرولت شدد أمس على أمرين: الأول، رغبة فرنسا في «إعطاء فرصة» لآستانة من أجل إعادة إطلاق المفاوضات من جهة. والآخر اعتبارها اجتماع آستانة «محطة» يجب أن تقود قطار المفاوضات مجددا إلى جنيف حتى تعود العملية إلى مسارها الأول وتحت رعاية الأمم المتحدة. وقال الوزير الفرنسي إنه «من الأساسي أن يندرج اجتماع آستانة في الإطار الذي أقرته الأمم المتحدة، وأن يضم وفد المعارضة (السورية) أطرافها كافة».
جدير بالذكر، أنه في الأيام الأخيرة، كثفت باريس اتصالاتها مع الأطراف التركية والروسية والإيرانية لفهم المسار الذي ستسلكه الأزمة السورية على ضوء ما تقوم به الأطراف الثلاثة. وقال إيرولت أمس إن نظراءه، مولود جاويش أوغلو ومحمد جواد ظريف وسيرغي لافروف «يؤكدون له» أن ما يسعون للقيام به في الملف السوري يندرج في إطار المرجعيات الدولية المعروفة. لكنه يضيف «ما يقولونه مهم، ولكن الأهم هو الأفعال». ويضيف الوزير الفرنسي، أن المطلوب في سوريا هو «توفير الظروف للوصول يوما إلى دولة سوريا موحدة، تعيش بسلام وتحترم التعددات وتحارب الإرهاب حقيقة». أما في حال لم يتحقق هذا الهدف، فإن سوريا ستغدو «مكانا للفوضى ومرتعا للإرهاب ومصدر تهديد مباشر لآمننا».
وتشدد فرنسا في موضوع محاربة الإرهاب على أن الغرض المطلوب «ليس فقط تحقيق النجاحات العسكرية ضد (داعش)؛ لأنها لا تكفي؛ إذ إن المطلوب أيضا أن يرافقها ويكملها العمل الإنساني والسياسي والأمني». ويضيف الوزير الفرنسي، أن الانتصار الميداني غير كافٍ «بل علينا أيضا أن نربح معركة السلام (في سوريا والعراق) من خلال توفير الأمن وطمأنة الناس والحكم النزيه». وفي هذا السياق، اعتبر أنه «لا يمكن بناء مستقبل سوريا على رجل مسؤول عن مقتل ما يزيد على 300 ألف شخص، وتهجير نصف سكان البلاد، ولم يتردد في منهجة التعذيب واستخدام السلاح الكيماوي وتدمير سوريا» وذلك في إشارة إلى رئيس النظام بشار الأسد. ولذا؛ فإن باريس، كما أوحى، لن تكون مستعدة للتعامل معه «انطلاقًا من وفائها لمبادئها» علما بأن أصواتا تسمع أكثر وأكثر في فرنسا تدعو إلى فتح صفحة جديدة والتعامل مع النظام السوري مجددًا.
على صعيد ثانٍ، إزاء ما يبرز من رغبة روسية ــ إيرانية بالانفراد بالملف السوري رغم التناقضات القائمة بين موسكو وطهران، تعتبر باريس أن «الورقة الرابحة» التي يملكها الغربيون والخليجيون تتمثل في موضوع إعادة سوريا بعدما تنتهي الحرب. وتتساءل مصادر فرنسية: هل روسيا أو إيران قادرتان على إعادة إعمار سوريا؟ ومن أين ستأتيان بالأموال؟ وبما أن الإجابة سلبية، فإن الأنظار ستستدير باتجاه أوروبا والبلدان الخليجية، وربما الولايات المتحدة أيضًا. وهنا، قال الوزير إيرولت لـ«الشرق الأوسط» إن الأوروبيين «لن يعطوا قرشا واحدا لإعادة الإعمار من غير وجود عملية انتقال سياسية». وفي رأيه، فإن عملية إعادة الإعمار «يمكن أن تكون ورقة ضغط كبيرة ومؤثرة في مسار الأحداث في سوريا». وفي أي حال، يعتبر الوزير الفرنسي أن «مصلحة روسيا اليوم» تكمن في الدفع في اتجاه حل سياسي وإلا «فسيكون عليها أن تحمل العبء السوري لسنوات».
وعند هذه، تبدو باريس متيقنة من وجود افتراق بين موسكو وطهران بشأن مصالح كل طرف ورؤيته مآل الحرب في سوريا. وبحسب أيرولت، فإن من انتشى بفرحة الانتصار في حلب «يجد اليوم أن ما أمامه ليس سوى الفوضى» وبالتالي فإن الحل السياسي وحده يمكن أن يضع حدا للحرب.
أخيرًا، نقلت مصادر فرنسية عن مسؤولين روس قولهم إن الأكراد «سيكونون بالطبع، وبناء على طلب تركيا، مستبعدين من آستانة» ولكنهم «سيدعون لاحقا إلى طاولة المفاوضات».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».