يسوق الرعاة قطعانا مسودة من الأغنام في صحراء العراق ويسعل السكان وتصفر صدورهم بسبب سحب الدخان الكثيفة وتظهر صور التقطتها وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) أن التلوث النفطي يهدد باجتياح نهر دجلة وهو مصدر رئيسي للمياه. وما زالت حرائق النفط التي أشعلها مقاتلو «داعش» لدى فرارهم أمام تقدم القوات العراقية في أغسطس (آب) مشتعلة في مختلف أرجاء شمال العراق مما تسبب في مجموعة من المشاكل.
فتخيم سحابة سامة منذ شهور فوق بلدة القيارة على مسافة 60 كيلومترا فقط من الموصل حيث تقاتل القوات العراقية التنظيم. وهي بمثابة تذكرة بحكم التنظيم للمنطقة في الوقت الذي بدأ فيه السكان الذين يعانون من الصدمة في إعادة البناء.
وتظهر صور التقطت بالأقمار الصناعية في نوفمبر (تشرين الثاني) أن مساحة تزيد على 250 كيلومترا مربعا يغطيها الدخان منذ أكثر من 21 يوما. وأظهرت صور متابعة جديدة هذا الشهر أن النفط - اقترب بشدة - من أحد أفرع نهر دجلة وإن كان الدخان تراجع قليلا بعد إطفاء بعض الحرائق.
وتنفث حرائق النفط مواد قاتلة في الهواء والتربة ومصادر المياه كما حدث عندما أشعلت القوات العراقية المتقهقرة النار في أكثر من 650 بئرا نفطية في الكويت في عام 1991 مما تسبب في كارثة بيئية ضخمة.
وقال سرحان مزين (20 عاما) ويعمل في متجر للحلويات قبالة الطريق الرئيسية للقيارة «الدخان يؤذي أطفالنا ويؤذينا مع تقدمنا في السن وسيسبب لنا المزيد من المشاكل». وأضاف أنه بدأ يعاني من نوبات سعال وضيق تنفس.
وقال طبيب في مستشفى محلي طلب عدم نشر اسمه خوفا من انتقام مقاتلي «داعش» منه لـ«رويترز» إنه رأي أعدادا أكبر بكثير من المرضى الذين يعانون من مشكلات التنفس في الأشهر الأخيرة رغم أنه لم يورد أرقاما.
وقال رجل يرعى الغنم قرب نقطة تفتيش تابعة للجيش وجسر مهدم بسبب القصف إن حرائق النفط هي المسؤولة عن نفوق عشرة رؤوس أغنام من قطيعه الذي كان يضم 60 رأسا. وتحول لون صوف الأغنام المتبقية إلى الأسود.
وقال حميد أخمان (40 عاما) وهو شرطي سابق تحول إلى الرعي بعد أن قتل تنظيم داعش شقيقه وكان شرطيا كذلك «عندما بدأت غسلناها لكنها تحولت على الفور إلى هذا اللون الداكن». واستخدمت الأمم المتحدة والكثير من المنظمات البيئية والخيرية عبارات شديدة اللهجة وطالبت بإخماد الحرائق وبإجراء فحوص أكثر جدية.
وقال إريك سولهيم رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أكتوبر (تشرين الأول) «هذه الإبادة البيئية المستمرة هي وصفة لكارثة طويلة الأمد». والى جانب حرائق آبار النفط عانت القيارة التي يقطنها نحو 15 ألف نسمة من تسرب غاز الكلور من محطة مياه في أكتوبر تشرين الأول. وتشكلت سحابة سامة أخرى عندما اشتعلت النيران في كمية مخزنة من ثاني أكسيد الكبريت على مقربة.
وقال دوج وير مدير مشروع المخلفات السامة للحرب ومقره بريطانيا «القيارة تظهر بوضوح أن الضرر البيئي في الصراعات هو مسألة إنسانية لها تداعيات حادة ويحتمل أن تكون طويلة الأمد».
وكان حقلا النفط الرئيسيان في القيارة ويشتهران بالنفط الثقيل عالي الكبريت ينتجان 30 ألف برميل يوميا قبل أن ينتزع تنظيم داعش السيطرة على المنطقة. واستفاد التنظيم بعد ذلك من الآبار. واسم القيارة مستمد من كلمة قطران العربية.
وعلى مسافة بضعة كيلومترات تتصاعد السنة اللهب لعشرات الأمتار في الهواء من واحدة من نحو 20 بئرا أضرم التنظيم النار فيها في بادئ الأمر وما زال نصفها مشتعلا. ويعمل نحو مائة من رجال الإطفاء والمهندسين على إطفاء النيران في ظل ظروف في غاية الصعوبة ولكن ليس هناك ما يشير إلى متى يمكن أن ينتهي عملهم. وتتناثر الحفارات والشاحنات والخراطيم على الأرض المسودة قرب الآبار المشتعلة وسط حرارة مرتفعة إلى درجة تكفي لحرق الجلد. وقال عياد الجبوري المهندس الذي يقود المشروع «أحيانا يتغير الطقس فجأة فتحرق النار العمال وتتلف المعدات».
وأشار وهو يقف على مسافة نحو 20 مترا من ألسنة اللهب إلى أن الأرض تحت أقدامهم يمكن أن تنهار في أي لحظة.
وقال: «نحن نتعامل مع قوى الطبيعة... كما لو كنا نعد ليوم الحساب وما يمكن أن يكون عليه الجحيم».
خطر بيئي يحدق بشمال العراق
سعال ووجوه مصفرة جراء حرق «داعش» لآبار النفط
خطر بيئي يحدق بشمال العراق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة