أهالي الفلوجة بعد ويلات «داعش»... منازل مدمرة ورايات سوداء

الحكومة العراقية تواجه تحديات لإعادة الحياة إلى المدينة المنكوبة

فتى عراقي يمر بالقرب من أبنية مدمرة في مدينة الفلوجة (أ.ف.ب)
فتى عراقي يمر بالقرب من أبنية مدمرة في مدينة الفلوجة (أ.ف.ب)
TT

أهالي الفلوجة بعد ويلات «داعش»... منازل مدمرة ورايات سوداء

فتى عراقي يمر بالقرب من أبنية مدمرة في مدينة الفلوجة (أ.ف.ب)
فتى عراقي يمر بالقرب من أبنية مدمرة في مدينة الفلوجة (أ.ف.ب)

تواجه السلطات العراقية تحديات أبرزها مخاوف الاستهداف المذهبي وإعادة الأعمار لإعادة الاستقرار وتسهيل الحياة في مدينة الفلوجة ذات الغالبية السنية والتي لا تزال تعيش ظروفا قاسية بعد 6 أشهر من استعادتها من سيطرة «داعش»، بعد أن استعادت القوات العراقية بدعم من التحالف الدولي المدينة التي كانت أحد أهم معاقل تنظيم داعش في العراق نهاية يونيو (حزيران)، بعد نحو عامين ونصف العام من سيطرته عليها.
وقال العقيد جمال الجميلي قائد شرطة المدينة لوكالة الصحافة الفرنسية أمس إنه لا يوجد في الفلوجة نهائيا أي من أفراد «داعش» الإرهابي (...) ولا حتى الجيوب الصغيرة في داخل المدينة» التي أكد الجميلي أنها «مدينة آمنة اليوم».
كان ثمن انتصار القوات العراقية على «داعش» في المدينة باهظا إذ عمدوا خلال المواجهات إلى تفجير عدد كبير من المنازل ولا تزال آثار الرصاص والدمار ماثلة على الغالبية العظمى من منازل ومباني المدينة التي ما زال بعض أحيائها مغلقا خوفا من وجود عبوات ومنازل مفخخة. وأشار تقرير للمجلس النرويجي للنازحين في ديسمبر (كانون الأول)، إلى أن «نحو 10 في المائة» من المنازل صالحة للسكن في هذه المدينة الواقعة على طريق رئيسي إلى الغرب من بغداد.
وما زالت الحركة محدودة وغالبية المحال التجارية مغلقة في الفلوجة التي كانت إحدى أجمل مدن محافظة الأنبار.
وقال فراس محمود (25 عاما) وهو عاطل عن العمل أمام منزله المتضرر وسط المدينة «لا شيء هنا، لا ماء ولا كهرباء ومنازلنا مدمرة».
وقال مصطفى الذي يسكن حي الضباط وهو مثله يبحث عن عمل وقد عاد قبل أيام إلى منزله: «لا توجد كهرباء ولا ماء. نطالب الحكومة المحلية بتوفير الخدمات».
ودافع رئيس المجلس البلدي لمدينة الفلوجة عيسى آل ساير عن جهود إعادة أعمار المدينة لكنه قال: «نحتاج إلى مساعدة الدول المانحة والمجتمع الدولي لمساعدة أبناء الفلوجة للاستقرار والعيش في مدينتهم». وأضاف أن «الدمار واضح وكبير جدا خصوصا في البنى التحتية ويصل إلى 100 في المائة في بعض المرافق وخصوصا شبكات المياه والكهرباء».
وأشار ساير إلى أنه «ما زال هناك بين 70 إلى 80 ألف نازح من أهالي الفلوجة التي كان يعيش فيها 275 ألف نسمة، أغلبهم في إقليم كردستان» الشمالي.
ويقول عمر لامراني، المحلل في مؤسسة «ستراتفور» للاستطلاع والتحليل إن «موارد (الحكومة العراقية) تأثرت بانخفاض أسعار النفط وتكاليف الحرب» ضد تنظيم داعش، وتحدث كذلك عن مشكلات «الفساد والمحسوبية التي تؤثر على توزيع الأموال المتوفرة لديها».
وكانت الفلوجة بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، أبرز مراكز التمرد خصوصا ضد وجد القوات الأميركية في البلاد.
وشهدت محافظة الأنبار عموما مظاهرات معارضة لحكومة رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي امتدت لعدة أشهر بين عامي 2012 و2013، ثم في 2014 سيطر تنظيم داعش على الفلوجة. في إطار عمليات استعادة مدن ومناطق سيطر عليها تنظيم داعش، اعتمدت القوات العراقية على قوات الحشد الشعبي الذي يضم فصائل شيعية مدعومة من إيران. وأثار الدور الكبير الذي لعبته قوات الحشد الشعبي لاستعادة مناطق مهمة مخاوف لدى بعض الأطراف العراقية من التعرض لتهديدات.
لكن قائد شرطة الفلوجة العقيد الجميلي أكد أنه «لا يوجد سوى قوات الجيش والشرطة» اليوم في الفلوجة، مشيرا إلى وجود لقوات الحشد الشعبي على الأطراف الشرقية خارج المدينة.
وأكد العقيد الجميلي أن «القوات الأمنية كافية داخل مدينة الفلوجة لتوفير الأمن والأمان والحشد الشعبي والعشائري تم وضعهم خارج المدينة».
ودعا المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، زيد بن رعد الحسين، بعد أيام من استعادة الفلوجة، الحكومة العراقية إلى بذل جهود لمنع احتمال وقوع عمليات انتقام ضد المدنيين.
ويمكن في بعض شوارع الفلوجة مشاهدة رايات شيعية وعبارات شيعية بين رايات وعبارات تؤيد قوات الأمن وغيرها لتنظيم داعش.
ويرى محللون أن على الحكومة العراقية بذل جهود لتعزيز الثقة مع أبناء المناطق السنية في المدن التي تمت استعادتها من «الجهاديين».
ويقول المحلل والأستاذ الجامعي عصام الفيلي إن «على الحكومة تشكيل قوات يكون غالبيتها من أبناء المناطق على أن يتم مراجعة أدائها بشكل دوري». وينطبق الحال على مدينة الموصل، ثاني مدن العراق وآخر أكبر معاقل «داعش» فيه، وحيث بدأت القوات العراقية منذ ثلاثة أشهر عملية واسعة لاستعادتها من سيطرة تنظيم داعش. ويرى لامراني أن زج الحشد الشعبي في المعارك داخل الموصل يعد خطرا كونه «يعبئ مقاتلي تنظيم داعش وقد يدفع الأهالي (السنة) لاتخاذ نهج متطرف».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».