«السياحة المستدامة» على رأس اهتمام الشركات

توجهات السفر هذا العام

«السياحة المستدامة» على رأس اهتمام الشركات
TT

«السياحة المستدامة» على رأس اهتمام الشركات

«السياحة المستدامة» على رأس اهتمام الشركات

سيكون عام 2017 هو عام السياحة الخضراء المستدامة بامتياز وفقا لآراء الكثير من الشركات التي شاركت هذا العام في بورصة لندن للسياحة التي عقدت قبل أسابيع. من ناحية أخرى، انتشرت فرص السياحة البيئية بأنواعها من وجهات جديدة إلى أنشطة خيرية ووجهات خضراء للحفاظ على السياحة المستدامة. وأضافت الأمم المتحدة زخما للسياحة الخضراء بإعلان عام 2017 «العام الدولي للسياحة المستدامة».
من التوجهات التي تهم قطاعات كبيرة من السياح في عام 2017 ما يسمى السياحة البيئية أو «إيكو توريزم» ويشمل هذا التوجه الخدمات السياحية كافة من الفنادق إلى وسائل المواصلات إلى خدمات المنتجعات. والهدف النهائي لكل الجهود في هذا المجال هو تخفيض البصمة الكربونية، ومنها مثلا اختيار وجهات سياحية إقليمية بدلا من السفر عبر القارات.
وتقول ريباكا وارين، رئيسة مؤسسة لونلي بلانيت: إن رحلة طيران واحدة عبر المحيط الأطلسي تعادل إفراز الكربون من قيادة سيارة لمدة عام كامل. من ناحية أخرى، يجب اختيار فنادق ومطاعم وشركات توجه عناية خاصة للجوانب البيئية. كما يطلب بعض السياح من شركات السفر البحث عن وجهات يستفيد منها عامة الشعب، وليس فقط النخبة، من الدخل السياحي. وظهرت نيبال ضمن الشعوب الأكثر استفادة مباشرة من الدخل السياحي للبلاد.
من التوجهات السياحية الأخرى البارزة في عام 2017، رغبة السياح في زيارة موقع وآثار وظواهر تتعرض للاختفاء أو التآكل أو التغيير في العالم. وفي هذا التوجه يطلب سياح أحيانا زيارة القطبين الشمالي والجنوبي اللذين يتأثرا بالتغيير المناخي. كما يتوجه عدد متزايد من السياح إلى زيارة الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا الذي يتعرض إلى التآكل وفقدان بعض أجزائه الحيوية.
والغريب أن الإقبال المتزايد على بعض وجهات السياحة المتأثرة بالتغيير المناخي هو في حد ذاته تهديد مباشر لهذه الوجهات، حيث حذرت هيئة اليونيسكو أستراليا من أن زيادة أعداد السياح حول الحاجز المرجاني يزيد من عوامل الخطر عليه. وقالت اليونيسكو إنها قد تعلن أن هذا الأثر الطبيعي يقع ضمن الآثار المعرضة للخطر في العالم.
يتوجه سياح العام الجديد إلى أماكن يعتقدون أنها الأكثر حفاظا على البيئة وتفيد المجتمع المحلي وتكافئ جهود السياحة المستدامة. وحدد خبراء السياحة وجهات عدة تتناسب مع هذه المقومات، وتعد من وجهات السياحة المفضلة في عام 2017، وهي:
> كندا: تشتهر كندا في الأوساط السياحية بأنها بلد يركز على جهود المحافظة على البيئة وعلى حقوق الإنسان. ولذلك؛ يزداد الإقبال السياحي عليها من فئات متعددة حول العالم. واعترفت كندا مؤخرا بحقوق السكان الأصليين من الهنود الحمر، كما عدلت من برامج الدعم الاجتماعي للعناية بكل الفقراء في البلاد. ولكندا جهود كبيرة في مجال النشاطات الاقتصادية غير الضارة بالبيئة، كما أنها تتعاون مع منظمات دولية من أجل الحفاظ على الغابات والشواطئ والبيئة الطبيعية في البلاد.
- النرويج: تشتهر النرويج بأنها واحدة من أعلى الدول الأوروبية في مستويات المعيشة، كما أنها من الدول الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة. وتوفر النرويج الكثير من مواقع الإقامة السياحية في أكواخ طبيعية عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة ولا تؤثر سلبيا على البيئة الطبيعية المحيطة بها. وتجد شركات السياحة إقبالا متزايدا على النرويج من فئات سياحية تفضل هذا النوع من السياحة. وتوفر النرويج ضمانات اجتماعية جيدة للعمال في مجال السياحة، ومنها إجازات وضع للأبوين تصل إلى 46 أسبوعا. وتشتهر النرويج بالسياحة العائمة بين الفيوردات على سفن كروز تقليدية. ويمكن القيام بهذه الرحلات لزيارة الكثير من القرى النرويجية التي تعتمد على السياحة وصيد الأسماك في مناخ نظيف وطبيعة خلابة.
- أوروبا: وهي جزيرة تتبع هولندا في البحر الكاريبي تتعامل مع التغيير المناخي وكأنه خطر يهدد وجودها. وهي تسعى لكي تكون جزيرة خالية من الاحتراق الكربوني؛ ولذلك توجد بها أكبر مزارع الطاقة الشمسية في منطقة البحر الكاريبي. وتصدر الجزيرة أفكار الحفاظ على البيئة إلى بقية الجزر الكاريبية. وتسعى أوروبا لكي تكون جزيرة خالية من حرق الكربون تماما بحلول عام 2020. وتنتشر في الجزيرة الفنادق والمنتجعات البيئية التي تحافظ على البيئة بشتى الحلول المبتكرة، بالاعتماد المتزايد على الطاقة الشمسية، إضافة إلى مشروعات خيرية تعجب السياح الجدد، مثل وجود مأوى لرعاية الحمير.
> منغوليا: وبذلت فيها الحكومة جهودا كبيرة في السنوات الماضية من أجل توصيل الكهرباء إلى كل أرجاء البلاد، حتى في المناطق النائية التي يسكنها الرعاة. وتحصل المناطق على نسبة 100 في المائة من الكهرباء من الطاقة الشمسية. وتحافظ منغوليا على الأراضي الزراعية، وتمنع مشروعات التعدين والبناء فيها. وتهتم الدولة بالنساء وتحتفل باليوم العالمي للمرأة كما توفر برامج دعم اجتماعي للعجائز. وينتشر في منغوليا نوع جديد من السياحة، حيث توفر الشركات للسياح الزائرين فرصة المعيشة الطبيعية، مثل الرعاة من أهل منغوليا طوال فترة الزيارة، ويطوف السياح خلال هذه الزيارة داخل محمية طبيعية اسمها تيريل مع عائلات من الرعاة. ويجد هذا النوع من السياحة غير العادية إقبالا متزايدا.
> بوتان في جنوب آسيا: وهي دولة وفرت فيها الحكومة خطة سياحية تعتمد على الاستدامة في التطوير السياحي ومراعاة البيئة في المشروعات السياحية كافة وحماية التراث المحلي وتوفير عوائد اقتصادية واجتماعية ملموسة للمجتمع المحلي، مع حماية التنوع البيئي والموارد الطبيعية للأجيال المقبلة. وتفضل بوتان المشروعات السياحية التي لا تؤثر على البيئة المحلية سلبا، وتفضل المشروعات التي تعود على الأفراد المحليين بالنفع المباشر. وتطوف الجولات السياحية في بوتان بمعالم الحضارة القديمة فيها، ويمكن تنظيم رحلا ت إلى بوتان تستغرق عشرة أيام يكتسب فيها السائح فكرة شاملة عن البلاد، من دون أن يترك خلفه بصمة كربونية كبيرة.
> غرانادا: وهي تعتمد على الالتزام بالحفاظ على البيئة في مناحي النشاط السياحي كافة، ويتوجه فيها الدخل السياحي لدعم المجتمع المحلي من خلال المشروعات السياحية صغيرة الحجم. وعلى رغم حجم الجزيرة الصغير فإنها نجحت في تخصيص ميزانية لرفع الوعي البيئي حول التغير المناخي وتوجيه الدعم إلى فئات الشعب. وبذلت الجزيرة جهودا إيجابية في الحفاظ على الشعاب المرجانية على شواطئها باستخدام أساليب إدارة جيدة للمنتجعات السياحية، ورفع الوعي بأهمية الحفاظ على سلامة الأحياء البحرية والبيئة الطبيعية. وتلتزم مدارس الغطس بأرقى معايير الحفاظ على البيئة؛ مما يجذب إليها السياح عاما بعد عام.
> كوستاريكا: تتمتع كوستاريكا بمناخ استوائي وغابات استوائية تغطي معظم أراضيها، وهي أيضا موطن للكثير من فصائل الحيوانات البرية، وبها الكثير من مواقع تراثية مصنفة من منظمة اليونيسكو. وهي مقصد سياحي رئيسي لهؤلاء الذين يفضلون الاندماج مع البيئة الاستوائية والطبيعة، ويعشقون مراقبة الحيوانات البرية. وبدأت السياحة البيئية في كوستاريكا منذ الثمانينات، حيث انتشرت منذ هذا العقد مشروعات بيئية صغيرة وجدت الإقبال السياحي المتزايد من السوق الدولية. ولكن التحول الذي حدث بعد ذلك كان في بناء سلاسل من الفنادق الدولية المعروفة، وتوقف سفن الكروز على موانئ كوستاريكا؛ مما جلب مع هذه التغييرات عمالا أجانب، وحرمت العمال المحليين من الاستفادة من الطفرة السياحية. وتحاول كوستاريكا الآن استعادة التوازن بتوفير الضمان الاجتماعي وتدريب العمال المحليين على الوظائف السياحية. وتبذل الفنادق جهودا ملحوظة في الحفاظ على المياه واستخدام ألواح الطاقة الشمسية بحيث تخفض بصمتها الكربونية وتأثيرها على البيئة المحلية.
> كولومبيا: هناك الكثير من المبادرات في كولومبيا من أجل خفض البث الكربوني والحفاظ على الغابات الاستوائية ودعم المجتمعات المحلية. وتقود كولومبيا الآن حملة من أجل تغيير توجهات الأعمال والشركات من أجل الحفاظ على البيئة، وبعد عقد اتفاق سلام مع قوات الثوار المحليين تتوقع البلاد أن يعود ذلك بآثار إيجابية على السكان المحليين، مع طفرة سياحية من جموع السياح الذين يريدون زيارة هذا البلد اللاتيني. وتستقبل كولومبيا حاليا أفواجا من السياح الذين يطوفون في أرجاء البلاد يبحثون عن مدينة مفقودة اسمها تيونا، ويعيشون أسابيع في المناخ الطبيعي داخل الغابات الاستوائية وما تحويه من حيوانات وطيور نادرة.
> بيليز: وهي تمتلك ثاني أكبر حاجز مرجاني في العالم بعد أستراليا، كما توفر لسياحها فرص الغوص والسباحة في مياه صافية، كذلك تنتشر فيها أكواخ سياحة بيئية تساهم هي الأخرى في الحفاظ على البيئة البحرية. وهي تتيح للسياح فرصة المساهمة في جهود دعم البيئة المحلية ومشروعاتها. وتوفر بيليز أيضا مناخ غابات استوائية وبيئة متوازنة محمية. وتوجد برامج لتعريف الأطفال على طرق الحفاظ على البيئة والتعرف إلى الكائنات البحرية المختلفة. وتقام دورات لطواف معالم بيليز بالدراجات الهوائية؛ إمعانا في المحافظة على البيئة وتحجيم البصمة الكربونية.
> فيجي: توفر فيجي لسياحها كل ما يبغونه في بيئة استوائية من شعاب مرجانية، وشواطئ هادئة ومعزولة، ومياه بحرية شفافة، وغابات استوائية. وتعمل بها الكثير من شركات السياحة التي تتوجه إلى جوانب المحافظة على البيئة. وتحاول فيجي الاعتماد على نفسها في الموارد كافة، خصوصا الغذاء والمشروبات الموجهة للسياح. وتهتم فيجي بجوانب تدوير النفايات والطاقة الشمسية، كما تمنع الصيد البحري بالقرب من الشعاب المرجانية.
هذا التوجه الجديد نحو السياحة البيئية انعكس على زيادة نشاط شركات السياحة في هذا المجال التي تتطلع إلى المزيد من النشاط في العام المقبل، الذي هو عام السياحة المستدامة.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».