في بطولات الإسكواش للمحترفين، يتلقى اللاعبون التعليمات من مصدر موثوق به أثناء فترات الراحة التي تصل مدتها لدقيقتين بين المباراة والأخرى. وعادة ما يكون هذا المصدر هو مدرب أو لاعب محترف آخر أو شخص لعب مباريات وبطولات على أعلى المستويات.
لكن هناك بعض الاستثناءات، فأفضل لاعب في العالم حاليًا هو شاب مصري رشيق يبلغ من العمر 25 عامًا واسمه محمد الشوربجي، والذي يلقب أيضًا بـ«وحش الإسكندرية». وبين المباريات يحصل الشوربجي على النصائح والتعليمات من سيدة محجبة يبدو عليها علامات القلق والتوتر.
وهذه السيدة هي والدة محمد، بسمة الشوربجي، والتي لم تلعب الإسكواش من قبل.
وأصبح لقاء الشوربجي بوالدته هو أحد أكثر المشاهد المحببة للجمهور الذي يتابع المباريات، إذ تميل الأم على نجلها الذي يتصبب عرقًا وهو يجلس على كرسي ويتنفس بسرعة بسبب المجهود الذي بذله خلال المباراة، وتقدم له التعليمات وهو يمسح عرقه ويستمع بكل عناية.
وقال الشوربجي في مقابلة مع نيويورك تايمز: «أنا لست ذلك الرجل الذي يمكنك توجيه التعليمات إليه بسهولة بين المباريات، لكنها تفهمني بشكل أفضل من أي شخص آخر في العالم، وتعرف كيف تحفزني وكيف توجه لي الكلمات المناسبة في اللحظة المناسبة بالضبط».
وصل الشوربجي ووالدته إلى مانهاتن هذا الأسبوع للمشاركة في بطولة نيويورك الدولية للإسكواش، التي تقام سنويًا في قاعة غراند سنترال. قد تكون هناك بطولات أخرى أكثر أهمية، لكن يمكن القول إن بطولة نيويورك هي أبرز حدث في العام من حيث الاهتمام الإعلامي والجماهيري، لأن المباريات تجذب عددًا كبيرًا من الركاب الذين يحضرون المباريات في المحطة مجانًا عند الجهة الأمامية، في حين يبدأ سعر التذكرة على الأطراف الثلاثة الأخرى من 10 دولارات للمباريات الأولى ويصل إلى 450 دولارًا في المباريات النهائية.
ويدافع الشوربجي، الذي فاز في مباراة الجولة الأولى يوم الخميس الماضي، عن اللقب الذي فاز به عامي 2015 و2016. لكن هذا العام هناك عدد كبير من المتنافسين الأقوياء، بما في ذلك كريم عبد الجواد، وهو لاعب مصري أيضًا سبق وأن حقق الفوز على الشوربجي مرتين في أواخر عام 2016، أحدهما في نهائي بطولة قطر الدولية للإسكواش.
يتذكر داريل سيلبي، وهو لاعب إنجليزي يحتل المركز الخامس عشر في التصنيف العالمي للاعبي الإسكواش، أنه كان يجلس مع مجموعة من اللاعبين خلال إحدى المباريات التي كان يلعب بها محمد الشوربجي، ويقول: «كان في طريقه لخسارة إحدى المباريات، وتوجهت إليه والدته، وكان بإمكانك أن ترى أنها كانت غاضبة للغاية. كنا نضحك، لأن رجلاً في العشرين من عمره وأفضل لاعب في العالم يحصل على تعليمات من والدته، ويبدو وكأنه على وشك البكاء. وبغض النظر عن التعليمات التي قالتها الأم، فقد نجحت في إعادته إلى المباراة والفوز بها».
وكانت الأم قد تطوعت منذ سنوات للقيام بهذا الدور المحوري في حياة ابنها المهنية. وكانت معه في نادي الإسكواش في الإسكندرية في اليوم الذي شوهد فيه محمد، وهو لا يتجاوز التاسعة من عمره، من قبل البطل المصري السابق جمال عوض.
تحكي الأم ما حدث في ذلك اليوم وتقول: «قال لي: نجلك سيكون أفضل لاعب في العالم. أريد أن أدربه مجانًا». وأضافت: «لقد أقنعني المدرب، وكان علي أن أصدقه».
قد تبدو والدة الشوربجي عنيدة وصارمة بعد الشيء خلال البطولات، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الكاميرات دائمًا ما تركز عليها عندما يكون نجلها في موقف لا يحسد عليه. لكنها في الحقيقة تتسم بخفة ظل قد لا يتوقع المشاهد أن تكون عليها لأنه دائما ما يراها وهي متوترة. وعندما سئلت عن التعليمات التي توجهها لنجلها بين المباريات، رفضت في البداية التعليق وهي تضحك ثم قالت: «إنه سر».
ثم تحدثت بجدية قائلة إن عملها كمهندسة مدنية جعلها تؤمن بأنه يمكن حل أي مشكلة إذا تمت دراستها بما فيه الكفاية، بما في ذلك كيفية لعب الإسكواش بطريقة رائعة. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك بسمة الشوربجي قاعدة هائلة من المعرفة نتيجة استماعها إلى ساعات لا تحصى من الاستراتيجيات التي كتبها مدربون على مستوى العالم، من بينهم جونا بارينغتون، الذي فاز بلقب بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش ست مرات، ودرب بمدرسة «ميلفيلد» الداخلية للنخبة في إنجلترا، والتي درس بها محمد الشوربجي في منحة دراسية.
وعندما لعب الشوربجي في صفوف الناشئين، كانت معظم تعليمات والدته تتعلق بالتركيز، لكنها الآن تقدم نصائح وتعليمات تتعلق بالنواحي التكتيكية، مثل الوقوف في مكان جيد ورفع الكرة لأعلى واستغلال نقاط ضعف اللاعب المنافس، لكن يبدو أن العامل الأكبر يكون نفسيًا في الأساس.
يقول محمد، الذي يتحدث بنفس سرعة تحركه داخل الملعب: «سأضرب لكم مثالاً: كنت ألعب المباراة النهائية لبطولة الجونة في أبريل (نيسان) الماضي أمام غريغوري غوتييه، المصنف الثاني على العالم. وكنت خاسرًا بشوطين مقابل لا شيء، قبل أن تأتي والدتي وأقول لها: «لا أعتقد أنني قادر على العودة، فأنا أشعر بضغط كبير وأشعر بأن قدميي ثقيلتان». لكنها ردت قائلة: «لا تفكر في الفوز أو الخسارة. لكن في كل مرة تنتهي من نقطة، يتعين عليك التفكير في القتال من أجل الحصول على النقطة التالية. لو لعبت بالطريقة نفسها التي تلعب بها الآن فسوف تندم، وأنت لا تريد ذلك بالطبع. واصل القتال، وإذا خسرت في هذه الحالة فلن تندم. لذلك واصل القتال على كل نقطة». وفاز محمد الشوربجي بالثلاثة أشواط التالية على التوالي وفاز باللقب.
وتجد بسمة الشوربجي نفسها في مأزق كبير عندما يواجه محمد الشوربجي شقيقه مروان، الذي انطلق بصورة مذهلة في تصنيف لاعبي الإسكواش على مستوى العالم، ويحتل حاليًا المركز السادس.
وتقدم بسمة النصائح والتوجيهات لمروان أيضًا بين المباريات، لكن ما الذي يتعين عليها أن تفعله عندما يلتقي محمد ومروان وجهًا لوجه، وهو الأمر الذي حدث بالفعل خمس أو ست مرات، وفاز محمد فيها جميعًا.
تقول الأم: «لا يمكنك أن تتخيل موقفي في هذه اللحظات. لأن محمد يحتل المركز الأول على العالم، فأنا لا أريد لأي شخص أن يهزمه. لكن في الوقت نفسه أريد أن يصبح مروان رقم واحد، وهذا شيء مستحيل».
*خدمة نيويورك تايمز*