خريطة ولد الشيخ ليست وحدها المتغير في اليمن

تصاعد الخلافات الانقلابية الداخلية أمام تقدم عسكري سياسي اقتصادي للشرعية

المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد لدى زيارته صنعاء أكتوبر الماضي (غيتي)
المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد لدى زيارته صنعاء أكتوبر الماضي (غيتي)
TT

خريطة ولد الشيخ ليست وحدها المتغير في اليمن

المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد لدى زيارته صنعاء أكتوبر الماضي (غيتي)
المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد لدى زيارته صنعاء أكتوبر الماضي (غيتي)

يحزم المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، ملفاته وأوراقه مع حقائبه، استعدادا للوصول إلى اليمن خلال هذه الأيام، حاملا ورقة أممية جديدة.
ويبدو أن خريطة ولد الشيخ ليست الوحيدة التي طالها التغيير، فخريطة المعطيات السياسية والعسكرية والاقتصادية تغيرت منذ مغادرة المبعوث في آخر جولة (مكوكية كما يفضل تسميتها) في المنطقة، شهر ديسمبر (كانون الأول) 2016، تغيرت، وحتى العلاقات الانقلابية - الانقلابية تغيرت هي الأخرى، وباتت خلافات الانقلاب طافية على السطح.
سياسيا، الحكومة اليمنية ورئيسها عبد ربه منصور هادي يقيمون في عدن. اقتصاديا، وزعت الرواتب، وطبعت عملة جديدة. عسكريا، الحوثيون وصالح محاصرون في أغلب الجبهات، وتعز الصامدة بدأت تلفظ جيوب الميليشيات من الغرب، وشرعت في عمليات «الرمح الذهبي».
ويرى مسؤولون يمنيون وخبراء تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، أن الحكومة اليمنية بالفعل استطاعت أن تعد لجولة مفاوضات تحقق فيها السلام، واستقرار البلاد والالتزام والأمن.
يقول عبد العزيز جباري، نائب رئيس الوزراء اليمني وزير الخدمة المدنية: «نريد إنهاء الانقلاب وعودة السلام إلى البلاد».
ويضيف أن «الشرعية تساند أي جهود دولية تهدف إلى تعزيز السلام في البلاد». مشددا على أن خيار الحرب لا تطلبه الحكومة الشرعية، وليست من دعت إليه، «وإنما فرض عليها عبر السيطرة على أجهزة الدولة بقوة السلاح».
في حين يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الله إسماعيل، أن هناك تراجعا إلى حد ما عما أعلنه كيري، وهناك بالفعل متغير على الأرض لا يمكن أن يتجاوزه المبعوث الأممي. ويقول: «خريطة التواجد الفعلي سواء في الجوانب الاقتصادية والعسكرية والأمنية، تفرض نفسها على أي مسار للحل»، مضيفا: «إذا لم يكن هناك تغيير جوهري على الورقة السابقة، فإن الواضح أن هناك مرونة في كل الأحوال وتراجع عن تصريحات بأنها رؤية غير قابلة للتعديل... وننبه على أن هناك تسريبات تفيد بتأجيل المسار السياسي حتى يتم ضمان المسار العسكري والأمني».
وكانت آخر دولة زارها بعد السعودية، قطر، التي أعلنت دعمها للجهود الرامية لحل الأزمة اليمنية، والتوصل إلى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة مجلس التعاون ومخرجات الحوار الوطني اليمني.
والتقى الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري، إسماعيل ولد الشيخ في الدوحة قبل أيام، وجدد وزير الخارجية القطري، خلال اللقاء، دعم دولة قطر التام لوحدة اليمن وضرورة الحل السياسي للأزمة.
وبحسب مصدر قطري رفيع المستوى، فقد أطلع ولد الشيخ الجانب القطري على آخر المستجدات وناقش إمكانات استئناف محادثات السلام، وطلب دعم دولة قطر للاستمرار في جهودها في التواصل مع الحكومة الشرعية، وبحث إمكانات التعامل مع خريطة الطريق والبدء في محادثات السلام. وقال المصدر إن دولة قطر عبّرت للمبعوث الأممي عن «دعمها لجهود الأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي للأزمة في اليمن، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة مجلس التعاون ومخرجات الحوار الوطني اليمني».
من جانبه ذكر ولد الشيخ، في بيان نشره على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه «عقد اجتماعا مطولاً في قطر مع وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، لبحث أولويات المرحلة المقبلة، لضمان حل سياسي سلمي في اليمن».
إلى ذلك، تصاعدت الخلافات بين القوى الانقلابية في اليمن، وتمثل ذلك في عدة عوامل ظهرت على السطح، ومن بينها اختباء قيادات الانقلابيين، وتنافس الولاءات فيما بينهم، إضافة إلى حدوث انهيارات وهلع في صفوف القوات العسكرية التابعة للقوى الانقلابية.
وأشار الباحث السياسي اليمني نجيب غلاب إلى أن الحوثيين باتوا مقتنعين بأن سيطرتهم على قبائل أعلى اليمن والمؤسسة العسكرية تقتضي إضعاف كل القيادات المحيطة بصالح، منوهًا إلى أن الحوثيين قلقون من أي عمليات ثأرية داخل المجتمع اليمني ضدهم، مؤكدًا أن كل طرف من أطراف الانقلاب يقود معارك ضد الطرف الآخر، وسعوا أخيرًا إلى بناء توازن وحراك فيما بينهم، إلا أن التهور من طرف الحوثيين لن يساعد على بناء الشراكة فيما بينهم، وتمثل ذلك في تصفية كل الرموز التي تحسب على ما يسمى المؤتمر الشعبي العام، الموالي لصالح.
وأكد نائب رئيس الوزراء اليمني، «احتدام الخلافات والصراعات بين الحوثيين وأتباع صالح»، ومن ذلك ما فعله صالح «من إحداث تغييرات في حراساته وقيادات الحرس الجمهوري بهدف تأمين حياته وتشديد الرقابة على الحوثيين»، وهو أمر معلوم لدى الحكومة الشرعية، إذ إن بين تلك القوى الانقلابية عداء واضحا واختلافا في الأهداف والمشروعات.
وبطريقة أخرى، يرى عبد الله إسماعيل، الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أن الخلاف موجود منذ البداية، وهو نتيجة لاختلاف أهدافهم. صالح يريد الانتقام والعودة إلى المشهد السياسي، والحوثيون يريدون تحقيق أهداف خارجية. ويقول: «مهما اتفقوا فستتضح الفجوة بينهما. الحوثي يتعامل مع جماعة صالح على أنهم الحلقة الأضعف، فهم يتعرضون للاستهداف المباشر وأُقصي بعضهم عن المناصب الحكومية... ومن أبرز علامات الخلاف أن الحوثيين ذهبوا إلى مسقط ووقّعوا من دون علم صالح».
وأشار جباري إلى أن الحكومة الشرعية لا تراهن على عامل الخلافات بين القوى الانقلابية كعامل حسم في الصراع الدائر في البلاد، إذ إن الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح مختلفة فيما بينهم، وجمعهم هدف واحد في الوقت الراهن، هو الانقلاب على الشرعية.
وشدد الوزير في الحكومة الشرعية اليمنية، على أن المراهنة على خلافاتهم لا تجدي نفعًا، معولاً على العوامل العسكرية والسياسية والاقتصادية، لبسط سيطرة الشرعية في داخل الأراضي اليمنية أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن، منوهًا إلى أن تلك القوى حتى لو جمعها قاسم مشترك واحد، فإن الخلافات فيما بينهم متجذرة وقديمة، مبينًا أن تلك الخلافات صاحبها اختباء للقيادات الانقلابية، وتنافس الولاءات.
ويعود عبد الله إسماعيل بالقول إن «المصلحة إذا لم توائم اتفاقهما فستجمعهما الضرورة المتمثلة في المصير المشترك. وصالح يرى أن الحوثيين إذا انهزموا فسيُحسب انهزامهم عليه وعلى قواته».
ويصف نجيب غلاب الصراع بأنه بات «واضحا ومعلنا بين أطراف الانقلاب»، وتمثل بين ضباط الجيش الذين يتبعون الحوثيين من جهة، وكوادر المؤتمر الشعبي العام التي تعمل داخل مؤسسات الدولة من جهة أخرى، منوهًا إلى أن «حزب صالح تتم محاصرته وتصفية كل الكوادر الموالية له، وتعيين بدلاء لهم موالين للحوثيين، أو العمل على كسب ولاءات لقيادات ميدانية»، لافتا إلى أن الميليشيات الحوثية لديها تصور بأن التخلص من الدائرة المحيطة بصالح يؤدي إلى ذهاب القوة بالكامل في مناطق أعلى اليمن، وداخل المؤسسة العسكرية لصالحهم.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.