يرى رئيس «الهيئات الاقتصادية» اللبنانية، الوزير السابق عدنان القصار، أن المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي تشكّل «عصب الاقتصاد اللبناني»، مشيرا إلى «أننا نعول كثيرا على الزيارة ببعديها السياسي والاقتصادي»، آملا في أن تساهم الزيارة في طي الصفحة السوداء التي سادت علاقة لبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الماضي، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يدرك أهميّة ودور المملكة الإيجابي تجاه لبنان واللبنانيين، ولهذا اختارها أن تكون أولى زياراته الخارجية بعد انتخابه رئيسا للبلاد الخريف الماضي. وفيما يأتي نص الحوار:
* ماذا تتوقعون من نتائج زيارة الرئيس عون إلى المملكة العربية السعودية على الاقتصاد اللبناني؟
- زيارة الرئيس ميشال عون هي الزيارة الأولى الخارجية له منذ انتخابه رئيسا للجمهورية، على رأس وفد لبناني رفيع المستوى إلى المملكة العربية السعودية، تعدّ في هذا التوقيت بالذات، تحولا مهمّا في مسار العلاقة التاريخية التي تجمع المملكة ولبنان، وخصوصا أنها تأتي تكملة لزيارة التهنئة التي قام بها أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل موفدا من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مما يدل على أنّ العلاقة بين البلدين الشقيقين راسخة ومتجذّرة، بعيدا عن كل المحاولات الهادفة إلى تشويهها.
وإننا في الواقع نعوّل كثيرا على نتائج هذه الزيارة التاريخية التي تحمل بعدين مهمين، البعد الأول سياسي، وفيه تأكيد على أنّ المملكة العربية السعودية وما تمثّله من رمزيّة دينية وعربية كانت ولا تزال إلى جانب باقي دول مجلس التعاون الخليجي عمق لبنان الاستراتيجي، وأنّ لبنان ليس متروكا من قبل هذه البلدان التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان ودافعت عن مصالحه تجاه ما يتهدده من أخطار. أما البعد الثاني فهو اقتصادي، حيث تشكّل المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي عصب الاقتصاد اللبناني، إنْ لجهة التحويلات التي يرسلها المغتربون من هذه الدول والتي تمثّل محركا وداعما أساسيا للاقتصاد الوطني، أو لجهة المشروعات الاستثمارية الضخمة التي تنفّذها المملكة والمستثمرون السعوديون في لبنان.
* هل سيتجاوز لبنان العقبات التي سادت العلاقة إثر المواقف اللبنانية السابقة العام الماضي؟
- تصبّ الزيارة في إطار طي الصفحة السوداء التي سادت علاقة لبنان مع أشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الماضي، وبالتالي إننا مع العهد الجديد نأمل في أن تكون سحابة الصيف التي مرّت على العلاقة بين لبنان والمملكة وسائر دول مجلس التعاون الخليجي قد ولّت إلى غير رجعة، حيث يدرك الرئيس عون وباقي الفرقاء في لبنان أهميّة ودور المملكة الإيجابي تجاه لبنان واللبنانيين، الذين يريدون أفضل العلاقات الأخوية مع المملكة العربية السعودية وسائر الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي.
إنّ لبنان لم ولن يكون يوما خارج الإجماع والتضامن العربي، وبالتالي فإنّ بعض المواقف التي كانت تصدر من هنا وهنالك بحق المملكة ودول مجلس التعاون، لم تكن يوما تمثل على الإطلاق اللبنانيين الذين لم يجدوا سوى الخير والدعم اللا متناهي من قبل المملكة، التي وقفت في جميع المراحل والظروف والأحداث التي عصفت بلبنان إلى جانب اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم.
* ما آثار التوتر في العلاقة العام الماضي على الاقتصاد اللبناني بالأرقام؟
- شهد الاقتصاد اللبناني على مدى السنوات الثلاث الماضية تراجعا غير مسبوق، ولا شكّ أنّ توتّر العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، زاد من معاناة وأوضاع الاقتصاد اللبناني، حيث حقق لبنان خلال عام 2016 نموّا لم يتجاوز 1.6 و2 في المائة على أبعد تقدير. ولقد كان قطاع السياحة على رأس القطاعات التي تأثرت بقرار دول مجلس التعاون الخليجي لجهة تحذير الرعايا الخليجيين من زيارة لبنان، حيث بلغ إنفاق السياح الخليجيين نحو 80 في المائة من إجمالي الإنفاق السياحي في لبنان قبل نحو ثلاث سنوات تقريبا، كما أن أعداد السياح السعوديين بلغت عام 2010 نحو 191 ألف شخص، لكن هذا العدد تراجع إلى نحو 47 ألفا خلال عام 2015، بينما يكاد الرقم لا يذكر عام 2016. هذا إلى جانب أنّ لبنان لم يستقبل أي استثمارات سواء من المملكة العربية السعودية أو باقي دول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الماضي.
* كيف تتحضرون إلى مرحلة ما بعد زيارة الرئيس عون إلى المملكة العربية السعودية لناحية تحسين العلاقات مع المملكة ودول الخليج؟
- خلقت الزيارة المرتقبة، نشاطا متوازيا بين السفارة السعودية في بيروت ورجال الأعمال اللبنانيين في السعودية، الأمر الذي يعكس أجواء إيجابية، تمتد على مساحة الوطن وصولا إلى الجالية اللبنانية في المملكة العربية السعودية خصوصا والخليج العربي عموما، وخصوصا أن زيارة الرئيس عون تندرج في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين وتطويرها في المجالات كافة.
ومن هذا المنطلق فإننا نراهن على هذه الزيارة من أجل فتح صفحة جديدة في العلاقات ورفع الحظر المفروض على لبنان ليستعيد أبناء الجالية اللبنانية الشعور بالاطمئنان كما في السابق، لذلك نأمل في أن تحقق هذه الزيارة الأهداف المتوخاة منها، وأن يكون لها دور كبير في إعادة العلاقات اللبنانية – السعودية إلى سابق عهدها، وبخاصة أن المملكة مهتمة بهذه الزيارة بشكل كبير، كما أنّ الرئيس عون أرادها أن تكون أول زيارة إلى الخارج، وهذا الأمر لا شك سينعكس إيجابا على لبنان واللبنانيين.
* ما الاستعدادات للمرحلة الجديدة من الناحية الاقتصادية؟
- يشهد لبنان منذ انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، ومن ثمّ تشكيل حكومة برئاسة دولة الرئيس سعد الحريري، تطورا سياسيا واقتصاديا إيجابيا ملحوظا، حيث برز ذلك من خلال الزيارات لأهم المسؤولين العرب والدوليين إلى لبنان، مما يدل على أنّ لبنان عاد إلى مسرح الاهتمامات الدولية به.
في الوقت ذاته، شهدت الجلسة الأولى للحكومة إنتاجية استثنائية، حيث تمّ إقرار مراسيم النفط والغاز العالقة منذ أكثر من 3 سنوات، وهذا تطوّر إيجابي جدّا ومن شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد اللبناني والاستثمارات في لبنان، فضلا عن أنّه من شأنه أن يساهم في خلق مئات، لا بل آلاف من فرص العمل. من هنا فإنّه في ظل الأجواء السياسية الداخلية الإيجابية والمترافقة مع عودة العلاقات اللبنانية – الخليجية إلى سابق عهدها، فإنّ لبنان مقبل على مرحلة تطور وازدهار، سيكون بالتأكيد مردودها إيجابيا على اقتصاد لبنان واللبنانيين.
* ما رؤيتكم لتعزيز الاستقرار المالي في لبنان وإعادة تفعيل النمو الاقتصادي وجذب المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية؟
- حافظ لبنان بفضل السياسة الحكيمة التي انتهجها مصرف لبنان بقيادة سعادة الحاكم رياض سلامة، على استقراره المالي والنقدي، وذلك على الرغم من الظروف السياسية والأمنية التي مرّ بها على مدى السنوات الماضية. وقد استطاعت المصارف اللبنانية أن تحقق خلال العام الماضي 2016 نموا تجاوز 7 في المائة، وهو نمو لم يتمكن كثير من الدول العربية والأجنبية أن يحققه، على الرغم من أنّ ظروفها كانت أفضل من لبنان.
واليوم مع انتظام عمل المؤسسات الدستوريّة بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة مصلحة وطنيّة، وفي ظل أجواء الهدوء السياسي التي تطبع الأوضاع الداخليّة، وحرص الفرقاء اللبنانيين على تعزيز مناخ التهدئة وتخفيف حدّة الاحتقان السياسي، إلى جانب الشروع بورشة إصلاح حقيقية، فإننا متفائلون بأنّ المرحلة المقبلة ستساهم في تفعيل النمو الاقتصادي وجذب المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية.
رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية: العلاقة بين الرياض وبيروت راسخة رغم محاولات تشويهها
القصار قال لـ«الشرق الأوسط» إن الزيارة تطوي الصفحة السوداء خلال العام الماضي
رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية: العلاقة بين الرياض وبيروت راسخة رغم محاولات تشويهها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة