كانت الأزمة السورية موضوعًا وحيدًا لأهم إطلالات إعلامية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طيلة عام 2016، ونادرًا ما كان الموضوع السوري يغيب عن لقاءاته مع مسؤولين روس، أو ضيوف وقادة أجانب، أو عن مشاركته في فعاليات سياسية ما هنا وهناك. وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى التدخل الروسي في الأزمة السورية، الذي استغلته موسكو بمهارة لتجعل من دورها في التطورات السورية «مربطًا» لإدارة علاقاتها مع العالم، ودفة رئيسية في تحريك مزاجية الرأي العام المحلي. لذلك لا تغيب الأزمة السورية يوما عن الصدارة في نشرات الأخبار وتقارير وكالات الأنباء والصحف الكبرى في روسيا، كما لم تغب أيضًا عن إطلالات بوتين وبصورة خاصة تلك التي يمكن تصنيفها ضمن «إطلالة موجهة للشعب الروسي».
وبعيدًا عن التصريحات الصحافية للرئيس بوتين حول الشأن السوري، فإن الإطلالة الإعلامية الأهم له عبر الشاشات الروسية، التي تناقلتها بعد ذلك غالبية الشاشات العالمية، ونشرتها في اليوم التالي كبرى الصحف في دول العالم وروسيا، هي إطلالته في العاشرة مساءً يوم الثاني والعشرين من فبراير (شباط) في كلمة متلفزة، وإن لم تكن تحت عنوان «موجهة للشعب الروسي»، لكنها كانت كذلك بطبيعتها، حيث ظهر الرئيس الروسي وخلفه شعار الدولة الروسية، وبدأ الحديث الذي كان مثل رسالة موجهة للشعب، بعبارة «الأصدقاء الأعزاء»، ليدخل بعد ذلك في عرض تفاصيل مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتوصلا خلالها إلى بيان مشترك، أو ما أصبح يطلق عليه لاحقا «الاتفاق الأميركي - الروسي لوقف إطلاق النار في سوريا».
حينها وصف القسم الروسي في شبكة «آر تي» التلفزيونية الروسية (روسيا اليوم) الكلمة التي أطل بها بوتين بأنها «خطاب (كلمة) خاص»، وقالت: «أصدرت موسكو وواشنطن بيانا مشتركا يتضمن اقتراحا بوقف إطلاق النار في سوريا اعتبارًا من يوم 27 فبراير 2016. وعلى خلفية ذلك البيان أطل الرئيس الروسي بخطاب خاص». وبعد هذه المقدمة نشرت القناة على موقعها تسجيلا مصورا لكلمة بوتين، مرفقا بتقرير ركز على النقاط الرئيسية التي أشار إليها بوتين في كلمته، وهي تفاصيل ما اتفق عليه مع أوباما حول سوريا. وفعلت كل وسائل الإعلام الروسية المرئية والمسموعة والمكتوبة الأمر ذاته. على سبيل المثال لا الحصر نشرت صحيفة «إزفستيا» تقريرًا حول كلمة بوتين، بعنوان «بوتين وأوباما اتفقا على وقف الأعمال العدائية في سوريا»، كتبت في مستهله أن «الرئيس الروسي ألقى كلمة خاصة بخصوص تبني روسيا والولايات المتحدة بيانا حول سوريا». أما وكالة «تاس» فقد كتبت في عرضها لكلمة بوتين المتلفزة: «أعرب الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما، عن تأييدهما لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، الذي يجب أن يبدأ العمل به اعتبارًا من منتصف ليل 27 فبراير. هذا ما أعلن عنه الرئيس الروسي في كلمة متلفزة على موقع الكرملين». وكانت كل قنوات التلفزة الروسية قد نقلت كامل نص «كلمة بوتين الخاصة»، في الوقت نفسه تم نشر تسجيل تلك الكلمة على الموقع الرسمي للكرملين، لذلك يصفها مراقبون بأنها لم تكن مجرد كلمة خاصة، بل خطابا مثل الذي يلقيه الرؤساء في لحظات تاريخية مصيرية، وكان خطاب بوتين موجها للرأي العام المحلي والدولي عرض فيه «إنجازات مصيرية» حول الأزمة السورية «ثمرة التعاون بين موسكو وواشنطن».
الإطلالة السورية الثانية لبوتين جاءت بعد أقل من شهر على إعلانه عن الاتفاق مع أوباما، إلا أنه لم يلق كلمة متلفزة هذه المرة، بل جرى الأمر عبر نقل شاشات التلفزة لوقائع اجتماع الرئيس بوتين مع وزيري الدفاع سيرغي شويغو والخارجية سيرغي لافروف يوم الرابع عشر من مارس (آذار) 2016. يستهل بوتين ذلك الاجتماع قائلاً: «الزملاء المحترمون دعوتكم اليوم لأسمع منكم تقييماتكم للوضع في سوريا»، وبعد هذه العبارة يقدم وزير الدفاع تقريره، الذي يستعرض فيه «إنجازات القوات الروسية في التصدي للإرهاب في سوريا»، ومن ثم يقدم لافروف تقريره الذي يركز فيه على العملية السياسية للتسوية السورية. بعد سماعه لتقارير وزيريه يقدم بوتين نفسه عرضا لبنية القوات الروسية في سوريا وما قامت به، ويؤكد أن «القوات الروسية نفذت جميع مهامها في سوريا (...) وبذلك خلقت ظروفا مؤاتية لإطلاق العملية السياسية»، ليعلن بعد ذلك مخاطبا وزير الدفاع: «لهذا أصدر أمرا بالبدء اعتبارا من يوم الغد (15 مارس) بسحب الجزء الرئيسي من القوات الروسية في سوريا»، ويلتف بعد ذلك مخاطبا لافروف ويقول: «أرجو من وزارة الخارجية تكثيف المشاركة الروسية في تنظيم العملية السياسية لحل الأزمة السورية»، مؤكدًا أن «مقراتنا في طرطوس وحميميم ستواصل عملها كالسابق، ويجب أن تكون محمية بشكل جيد جوًا وبرًا وبحرًا».
وفي 29 ديسمبر (كانون الأول) 2016 عرضت شاشات التلفزة الروسية إطلالة ثالثة رئيسية ضمن «إطلالات بوتين السورية عبر الإعلام»، كانت كذلك نقلا لوقائع اجتماع له في الكرملين مع وزيري دفاعه شويغو وخارجيته لافروف، واستهل بوتين ذلك الاجتماع، الذي نقلته المحطات «مباشرًا» بالإعلان عن التوصل إلى اتفاق في أنقرة بين المعارضة والنظام، وقال بهذا الصدد: «ورد خبر للتو أن حدثًا مهمًا قد وقع صباح اليوم، حدثًا لم نكن ننتظره منذ زمن فحسب، بل وعملنا جاهدين لنقربه. تم اليوم التوقيع على ثلاث وثائق»، ويتابع شارحا تلك الوثائق التي تشكل معا نص الاتفاق الجديد بين المعارضة والنظام تمهيدا لمفاوضات آستانة. بعد تلك المقدمة يستمع بوتين إلى تقارير وزيريه حول المستجدات السورية، ويتوجه مخاطبا لافروف ويطلب منه «تنظيم اتصالات مع الزملاء قادة تركيا وإيران وسوريا»، لبحث الخطوات اللاحقة، ويلتفت نحو شويغو معلنا عن موافقته على اقتراح وزارة الدفاع الروسية بتقليص القوات الروسية في سوريا.
وتصنف تلك الإطلالات على أنها «إطلالات بوتين السورية الأهم عبر الإعلام الروسي»، لأنه في كل منها كان يعلن عن خطوة مفصلية بالنسبة لروسيا ودورها عسكريا وسياسيا في الأزمة السورية، كما أنها إطلالات يخاطب عبرها الرأي العام المحلي والعالمي، ليعلن بنفسه عن تلك المستجدات التي يبدو واضحًا أن بوتين يمنحها أهمية خاصة، وإلا فما كان ليطل شخصيا عبر الإعلام كي يعرضها بكل تفاصيلها.
8:17 دقيقة
الأزمة السورية الموضوع الوحيد لإطلالات بوتين الإعلامية
https://aawsat.com/home/article/825716/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%AF-%D9%84%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9
الأزمة السورية الموضوع الوحيد لإطلالات بوتين الإعلامية
لم تغب يومًا عن الصدارة في نشرات الأخبار والصحف الكبرى في روسيا
- موسكو: طه عبد الواحد
- موسكو: طه عبد الواحد
الأزمة السورية الموضوع الوحيد لإطلالات بوتين الإعلامية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة