تصور كثيرون أن يايا توريه انتهى وأن بريقه قد خفت، لكنه كان المحرك الأساسي لإعادة فريقه مانشستر سيتي إلى المسار الصحيح حتى ولو كانت النتائج ليست دائمًا على ما يرام.
ربما لم تشاهد الجزء الأخير الذي يعرض الآن من سلسلة «حرب النجوم» الشهيرة، لكن هذه الملحمة الكبيرة تعتمد في الأساس على ما إذا كانت شخصية دارث فيدر المحورية في الفيلم أقرب إلى الأساطير الخارقة منها إلى البشر أو العكس.
كما كانت روايات الكاتب الإنجليزي الكبير تشارلز ديكنز دائمًا ما تركز على المشاعر والأحاسيس والمشاهد الخيالية المذهلة التي تجعل المباني تنبض بالحياة، كما تلقي الضوء في المقابل على تحول البشر إلى آلات بفعل عالم الصناعة الذي ألقى بظلاله على طبيعة الإنسان. وكان السؤال الحقيقي في كل قصة يكمن فيما إذا كان يمكن للناس أن تبقى على قيد الحياة وتحتفظ بآدميتها وبشريتها في الوقت ذاته.
أردت بهذه الطريقة غير المباشرة أن ألقي الضوء على عودة النجم الإيفواري يايا توريه للمشاركة بصفة أساسية مع نادية مانشستر سيتي. في الحقيقة، كان ذلك واحدًا من أبرز التحولات غير المتوقعة التي حدثت في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسم الحالي، وربما أبرز عنصر مثير للاهتمام خلال الفترة التي قضاها المدير الفني الإسباني جوزيب غوارديولا مع مانشستر سيتي.
وبعدما كان يرى كثيرون أن توريه قد انتهى وأن بريقه قد خفت، عاد الفيل الإيفواري الشهر الماضي ليكون المحرك الأساسي في إعادة فريقه إلى المسار الصحيح حتى رغم الخسارة أمام ليفربول في ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة. ولعل الشيء الأبرز في كل ما حدث هو أن توريه ظهر وكأنه لاعب مختلف تمامًا، ليس فقط لأنه عاد أكثر قوة وأقل وزنًا و«عاشقًا لكرة القدم مرة أخرى» كما أعلن بنفسه خلال الأسبوع الحالي، ولكن لأنه أظهر مرونة تكتيكية هائلة في وسط الميدان أعادت إلى أذهاننا السنوات الرائعة التي دافع خلالها عن قميص برشلونة الإسباني.
«أنا لست ماكينة، أنا رجل»، كانت هذه هي الكلمات التي أكد عليها توريه مرارًا قبل موسمين شهدا تراجعًا كبيرًا في مستواه. لكن حتى خلال الأداء الرائع الذي قدمه على مدار السنوات الست الماضية، كان يبدو أن هناك جانبًا من الارتباك في هذا الشأن، وخصوصًا إذا ما أشرنا إلى أن شبكة الإنترنت تعج بمقاطع فيديو تمتدحه بعبارات مثل «الماكينة» أو «آلة الحرب» أو «القطار» أو «مركز النفوذ» أو «الجرار» و«لاعب خط الوسط الذي لا يمكن إيقافه».
قد يوصف توريه بعبارات تشبهه بالآلات بسبب قوته البدنية الهائلة، ناهيك بأسلوبه في اللعب وتلك اللحظات التي ينطلق فيها بكل قوة والكرة تحت قدميه العملاقتين ودفاعات الفرق تتقهقر من أمامه وكأنه يقاتل في معركة حربية.
أما في الحقيقة وبعيدًا عن المستطيل الأخضر فإن أكثر ما يميز النجم الإيفواري هو العكس تمامًا، فهو يتسم بكل الصفات البشرية الرائعة والذكاء والقدرة على التكيف، وهو ما يجعله أبرز عنصر في عناصر بناء إمبراطورية مانشستر سيتي. كان هذا بالطبع خلال الفترات الأولى له مع الفريق، وإذا ما ابتعدت الإصابات والإيقافات عن النجم الإيفواري فإنه سيكون بالطبع أحد العناصر الهامة التي يعتمد عليها غوارديولا خلال الفترات القادمة لإعادة الفريق إلى مساره الصحيح.
لقد غادر توريه برشلونة بسبب تفضيل غوارديولا للاعب الشاب سيرجيو بوسكيتس في وسط الملعب، لكن الآن وبعد مرور ست سنوات كاملة عاد الفيل الإيفواري ليلعب دور بوسكيتس مع غوارديولا نفسه ولكن هذه المرة في إنجلترا. وخلال الثلاث مباريات التي حقق خلالها الفريق الفوز على كل من واتفورد وآرسنال وهال سيتي، كان توريه أكثر لاعب في الفريق تصل إليه الكرة ووصلت نسبة تمريراته الصحيحة إلى 90 في المائة، وكان بمثابة صمام الأمان أمام خط دفاع فريقه، وأظهر قدرات ومهارات لاعب فذ سبق وأن حصل على بطولة الدوري في أربعة بلدان مختلفة، وهو رقم قياسي لهذا اللاعب العملاق.
والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا الآن هو: هل رأيتم من قبل لاعبًا في الدوري الإنجليزي الممتاز يتمتع بمثل هذا الذكاء والقدرة على التكيف مع الأجواء المحيطة به؟ للإجابة على هذا السؤال يكفي أن نعرف أن اللاعب الإيفواري قد شارك من قبل في دوري أبطال أوروبا في مركز قلب الدفاع، وبعد ذلك بثلاث سنوات سجل 20 هدفًا في الدوري، وهو ما جعل كثيرين يطلقون عليه لقب «لاعب خط الوسط الهداف القوي» أو «ماكينة الاندفاع نحو المرمى». والآن يظهر توريه كعملاق فولاذي وكأنه النسخة الجديدة من الإسباني تشابي، ليذكر العالم بقوته الكبيرة وإيقاعه الرائع في المباريات، في الوقت الذي يقدم فيه أداءً قويًا في الناحية الدفاعية ويقف حاجزًا منيعًا في وجه مهاجمي الفرق المنافسة ويقطع الكرات ويتدخل بكل قوة، متفوقًا في ذلك على أي لاعب آخر في مانشستر سيتي في آخر ثلاث مباريات. ويكفي الإشارة إلى أن مانشستر سيتي قد حقق الفوز في أخر ثماني مباريات شارك فيها توريه لمدة 90 دقيقة، ولم يكن هذا بالطبع من قبيل الصدفة.
ويمكننا القول بكل حيادية إن توريه كان عنصرًا فعالاً في إضفاء الطابع الإنساني على مرحة التحول الحالية التي يشهدها مانشستر سيتي. فمن الناحية النظرية دائمًا ما تكون مشروعات الأندية العملاقة بلا قلب ولا رحمة وتجري بصورة مملة للغاية، لا سيما إذا كانت تستعين بأغلى مدير فني في العالم وتمول بثروات هائلة، بشكل يتنافى كليًا مع الهدف من الرياضة.
وبدلاً من ذلك، فإن الصعوبة الكبيرة لكرة القدم والمتغيرات الإنسانية اللامتناهية هي التي جعلت محاولات مانشستر سيتي ليصبح أعظم فريق على وجه الأرض قد تُختزل، حتى الآن على الأقل، في العلاقة الشخصية المتوترة إلى حد ما بين لاعب في الثالثة والثلاثين من عمره يمثل الجزء الموروث القديم من النادي وبين مدير فني كبير يبدو أنه لم يعتد بعد على أجواء كرة القدم الإنجليزية. صحيح أن توريه قد لا يشارك بصفة أساسية إذا ما فضل غوارديولا الاعتماد على فرناندو وفرناندينيو في خط الوسط، لكن الشيء المؤكد هو أن دور القيادة الذي يلعبه توريه يبقى محورًا أساسيًا، بعد مرور ست سنوات، في مشروع مانشستر سيتي الكبير.
يايا توريه يعيد الحيوية لمانشستر سيتي
أثبت أنه من أبرز التحولات غير المتوقعة في الدوري الإنجليزي
يايا توريه يعيد الحيوية لمانشستر سيتي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة