اعتادت المدارس الإسلامية في هولندا على مواجهة العقبات بين الحين والآخر منذ بداياتها قبل ما يقرب من ربع قرن، في ظل الحاجة لوجود هذه المدارس لتقديم خدمة تعليمية للأطفال الصغار، وخصوصًا من أبناء الجاليات الإسلامية والعربية الذين يتزايدون عامًا بعد الآخر، وركزت تقارير إعلامية مؤخرًا على مقطع فيديو قديم يعود إلى ما يزيد على عام، ولكن اعتبره البعض فرصة لتوجيه انتقادات للمدارس الإسلامية.
وبدأت تتعالى داخل هولندا مؤخرًا أصوات تطالب بوضع حد للتسامح مع انتشار «المدارس الإسلامية»، وذلك بعد نشر مقطع فيديو يظهر إمامًا وهو يعلم تلاميذ صغارًا في مسجد الصلاة. ويطالب الإمام التلاميذ الذين يعتقد أن معظمهم ينتمون إلى عوائل مسيحية، بالركوع والسجود بعد فصل البنات عن الأولاد، تمهيدًا لتأدية الصلاة. ويشار إلى أن التلاميذ زاروا المسجد ضمن إطار برنامج التعليم الساري حاليًا في هولندا، والذي يقضي بأنه ينبغي أن يتعرف المدرسون والتلاميذ على ثقافات أقليات دينية تلعب دورًا ملحوظًا في حياة البلاد.
وعلى الرغم من أن مقطع الفيديو تم تسجيله في العام الماضي، حسب المعلومات الواردة، ولكنه لم ينشر إليه إلا قبل يومين. وترجح وسائل إعلام هولندية أن الفيديو تم تصويره في مسجد بمدينة زفوله يتردد عليه سابقًا عدد من الدعاة المتطرفين، بمن فيهم الباكستاني محمد أنس نوراني صديقي الذي يحظى بشهرة سيئة في هولندا لقوله إن تصرفات المواطنين غير المسلمين في هذه البلاد تشابه «تصرفات الكلاب والمومسات».
وأثار هذا الفيديو موجة من الانتقادات داخل المجتمع الهولندي، حيث يطالب المئات من المواطنين الغاضبين سلطات البلاد بإدخال تعديلات في برنامج التعليم بهدف حماية أولادهم من الدعاية الدينية. تجدر الإشارة إلى أن هذا الحادث الذي ليس الأول من نوعه قد يعزز مواقع الأحزاب اليمينية في هولندا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في مارس (آذار) المقبل.
ويعلق نور الدين العمراني، الباحث في شؤون الجالية المسلمة بهولندا على ملف المدارس الإسلامية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «تأسيس المدارس الإسلامية في هولندا يعود إلى ما يقرب من ربع قرن، وذلك في إطار حرية التعليم التي يضمنها الدستور الهولندي للجميع».
وأضاف: «إلى جانب المدارس العمومية، تأسست مدارس مسيحية ويهودية وإسلامية، تخضع كلها لنظام التعليم الهولندي مضمونًا وشكلاً، لكن الجانب الروحي والنظام الداخلي، متروكان للمدرسة لترتبهما بالطريقة التي تراها مناسبة».
وحول تقديره لعدد المدارس الإسلامية في البلاد قال: «هناك عشرات المدارس الإسلامية في هولندا، منها عدد قليل من المدارس الإعدادية في أمستردام وروتردام والباقي معظمه مدارس ابتدائية». واعتبرت مصادر إعلامية هولندية أن الجالية المسلمة في البلاد عندما فكرت في فتح مدارس إسلامية، اعترضتها عقبات كبيرة؛ منها صعوبة إقناع آباء وأولياء التلاميذ أنفسهم، ذلك أن الشكوك كانت تحوم حول الهدف من وراء إنشاء مدارس إسلامية من طرف أشخاص لا علاقة لهم بالتعليم من الناحية التربوية، ولا يتوفرون على كفاءات التسيير. وبعد تجارب اعتبرت «ناجحة» في روتردام وأمستردام وغيرهما من المدن الهولندية الكبرى، حذت مدن أخرى حذوها لتنتشر المدارس الإسلامية بعد ذلك، بشكل لفت إليه أنظار السياسيين، وخصوصًا ذوي الميول اليمينية منهم الذين حاولوا الربط بينها وبين اتهام بعض المسيرين بالتعاطف أو التبعية لتنظيمات الإسلام السياسي.
وكانت الاعتراضات تصب في الغالب على ما يمكن أن تحدثه المدارس الإسلامية من عرقلة الاندماج في المجتمع الهولندي، ونشوء تفاوت كبير في مستوى التعليم بينها وبين المدارس الهولندية الأخرى. إلا أن القانون كان واضحًا، كما أن وزارة التعليم كانت تخضع المدارس باستمرار للتفتيش، على غرار ما تقوم به مع المدارس الأخرى. وقد حدث أن أقدمت وزارة التعليم على سحب رخص بعض المدارس الإسلامية، وأغلقت أبوابها لأسباب متعددة، أهمها عدم الكفاءة في التسيير والتلاعب بالميزانية، أو أنها لم تحصل على العدد الكافي من التلاميذ. يذكر أن هناك ما يقرب من مليون مسلم يعيشون في هولندا، جاء الجيل الأول منهم في نهاية الخمسينات من القرن الماضي كعمال، للمساهمة في إعادة بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية. ويشكل المغاربة والأتراك النسبة الكبرى بين الجاليات الإسلامية في البلاد.
وقبل نهاية عام 2016 بأيام، اختير النائب الهولندي الشعبوي غيرت فيلدرز رجل العام في هولندا في ختام استطلاع متلفز، في حين حل حزبه، حزب الحرية، في الطليعة حسب استطلاعات الرأي مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في مارس . وحصل فيلدرز على 26 في المائة من نحو 40 ألف صوت ليصبح للمرة الرابعة رجل العام خلال هذا البرنامج الذي يقدمه التلفزيون الرسمي «إن بي أو وان».
وقد سبق وأن اختير رجل العام بين السياسيين خلال الأعوام 2010 و2013 و2015. وكتب فيلدرز تغريدة على حسابه قال فيها: «أشكر الهولنديين الذين انتخبوني رجل العام بين السياسيين للعام 2016». والمعروف عن فيلدرز تصريحاته المناهضة للإسلام، وأدين مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي بتهمة التمييز بين الأعراق حين وعد بعد الانتخابات البلدية في مارس 2014 بأن يكون هناك «مغاربة أقل» في هولندا.
هولنديون ينتقدون التسامح مع انتشار المدارس الإسلامية
اليمين المتشدد أكثر المستفيدين... وإمام يثير الجدل
هولنديون ينتقدون التسامح مع انتشار المدارس الإسلامية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة