كتبنا عن رحيل عدد من كتابنا وباحثينا العرب في السنة الماضية 2016، ونستعرض هنا رحيل قسم من الكتاب والمفكرين والفنانين الذين تركوا بصمات واضحة على خريطة الثقافة العالمية، وضمنها العربية، مع سيرة حياتية قصيرة لكل منهم:
* أمبيرتو إيكو (مواليد 1932): العالم كأنه أحجية
فيلسوف إيطالي، ومفكر وباحث في اللغة، وناقد أدبي، وخبير موسوعي في فترة العصور الوسطى. اكتسب إيكو شهرته العالمية من خلال أعماله الروائية السبعة، بدءا من «اسم الوردة» التي تحولت عملاً سينمائيًا وترجمت إلى لغات عدة، باعت ملايين من النسخ حول العالم، فتحول في يوم وليلة إلى نجم ينتظر القراء أعماله بتلهف. تبدو روايات إيكو كلها وكأنها كاتدرائيات قوطية هائلة فيها معمار شديد التعقيد في حبكته الكلية، مع اعتناء بالتفاصيل إلى حد التطريز. كان إيكو يرى العالم وكأنه أشبه بأحجية، لكنه في أعماله انتقد كل المحاولات العبثية لإعطاء معنى ما لهذه الأحجية.
لإيكو أعمال منشورة كثيرة غير الروايات، إضافة إلى عشرات المقالات في النقد الأدبي والثقافي، وهو يعد صاحب مدرسة معاصرة في تحليل النصوص والأعمال الأدبية والسينمائية.
* زها حديد (مواليد 1950): ما بعد حدود الخيال
معمارية عراقية - بريطانية حصلت تصميماتها على شهرة عالمية، وفازت بأهم جوائز الهندسة المعمارية مرات عدة. كانت حديد أول امرأة تحصل على الميدالية الذهبية للمعهد الملكي البريطاني للعمارة، وتحولت تصميماتها الجريئة في تحديها منطق الفراغ والشكل والمادة إلى رحلة ضد المألوف ورقص دائم على حدود الخيال. متعت حديد الملايين عبر العالم بأعمال مماثلة لعمارتها الجريئة في مجالات التصميم المختلفة: المفروشات والأحذية وحتى السيارات.
تركت بصمة لها في معظم مدن العالم الرئيسة من خلال تصميم مبان رسمية وعامة، كالمتاحف والمعارض والملاعب عدت معالم مدينية بارزة، ما لبثت أن حولتها إلى أيقونة عمارة ما بعد الحداثة ومعمارية الليبرالية المدللة.
* إدوارد ألبي (مواليد 1928): مسرح العبث الذي لا عبث فيه
مسرحي أميركي بارز، أخذ تقاليد مسرح العبث واللامعقول الأوروبية إلى تجربة أميركية جريئة أعادت النظر في كل ثيمات الحياة المعاصرة. تحولت نصوصه إلى إعادة تأسيس للمسرح الأميركي ما بعد الحرب العالميّة الثانية، وحصل على جوائز دراما رفيعة. حولت إحدى مسرحيات ألبي الأشهر «من يخاف من ذئب فرجينيا؟» فيلما سينمائيا من بطولة إليزابيث تايلور حفظ في السجل القومي الأميركي للأفلام بوصفه تراثًا ثقافيًا وتاريخيًا مهمًا. صرف ألبي معظم عوائد مسرحياته الناجحة تجاريًا على مركز لإيواء الفنانين والكتّاب ليساعدهم للتفرغ لإبداعاتهم بعيدا عن هموم العيش المؤرق، وهو قضى وقتًا طويلاً يدرّس نظريات المسرح في الجامعات الأميركية؛ فكان له تأثير لا ينكر في جيل كامل من المسرحيين في الولايات المتحدة.
* هيلاري بوتنام (مواليد 1926): البحث الدائم عن تمثلات الحقيقة
فيلسوف أميركي، وخبير رياضيات وكومبيوتر ورائد المدرسة التحليلية في الفلسفة خلال النصف الثاني من القرن العشرين. كانت لبوتنام مساهمات مفصلية في فلسفة العقل وفلسفة اللغة وفلسفة العلوم، كما طبق أسلوب التحليل الفلسفي بحثًا عن مواضع الضعف التي تختزنها الأفكار دون أي رحمة، حتى حدود مواقفه بحد ذاتها التي وضعها تحت مجهر التحليل، فكان معروفًا بقدرته على تغيير أفكاره والانتقال بها نتيجة النقد الذاتي. كتب لاحقًا في الأخلاقيات والفلسفة الكلّية أو فلسفة الفلسفة وحدودها وموضوعاتها، داعيًا إلى تجديد الفلسفة والابتعاد بها عن الانشغال بالاهتمامات الضيقة والقضايا الفرعية.
عمل بوتنام في جامعة هارفارد ودرس تلامذتها في مجالات عدة، وهو كان أول من قال في فلسفة اللغة بأن المعنى ليس مرتبطًا بالكلمة كما هي في العقل وإنما تكتسب الكلمة معناها من خلال المحتوى أو الإطار الذي تطرح فيه، أي أن الفهم مرتبط بالمجتمع. وقد وصفه زميله في المدرسة الثانوية نعوم تشومسكي بأنه من أفضل العقول التي قابلها في حياته.
* ألفن توفلر (مواليد 1928): التكنولوجيا تشكل مجتمعًا جديدًا
كاتب أميركي بدأ من عالم الصحافة، لكنه اختص لاحقًا بالمستقبليات. حلل توفلر مبكرًا التأثيرات المحتملة لثورة التكنولوجيا والاتصالات على ثقافة المجتمعات في العالم، طارحا أفكارا ومصطلحات عدة ذاعت من بعده. بدأ توفلر تحليلاته المستقبلية من خلال عمله في مجلة «فورتشن» الأميركية قبل أن يصدر عام 1970 كتابه المشهور «صدمة المستقبل» الذي يرصد التحولات التي تتسبب فيها التكنولوجيا، متنبئا بتكون مجتمع جديد لا يراه الذين اختاروا العمى. لمع نجمه كالبرق؛ إذ باع كتابه ملايين عدة من النسخ. وفي 1980 نشر كتاب «الموجة الثالثة» الذي تنبأ فيه بانتشار تطبيقات تكنولوجية كثيرة صارت اليوم شأنًا مألوفًا كالكومبيوترات الشخصية والهواتف الجوالة والإنترنت والاستنساخ، ولاحقًا أصدر كتاب «تحولات القوة» الذي وصف فيه قدرة التطبيقات التكنولوجية العسكرية على تغيير معادلات القوة في العالم. وقد بيع من هذين الكتابين أيضًا ملايين النسخ، وترجما إلى عدد كبير من اللغات المحكية.
درّس توفلر أفكاره ورصده لتأثير التقدم التكنولوجي في جامعات أميركية مرموقة، وعمل مستشارًا لشركات كبرى وقادة سياسيين، بمن فيهم الزعيم الصيني زهاو زيانغ.
هناك توافق عالمي على أن توفلر من أكثر المفكرين تأثيرًا في القرن العشرين.
* ألان ريكمان (1946): الصوت والصورة والروح معًا
انطلق البريطاني ألان ريكمان من المسرح بعد أن درس في الأكاديمية الملكية للدراما، ولم يلبث أن سحر العالم بصوته الجميل كما طلته الساحرة وأدائه المعبر منذ أن قدّم أول أدواره في السينما عام 1982 فصار بمثابة نجم عالمي بعد أدواره الواسعة الشعبيّة في «داي هارد»، وأيضًا مجموعة أفلام هاري بوتر. لعب ريكمان فيما بعد دور البطولة في «روبن هود: أمير اللصوص» وأيضا في «راسبوتين: خادم القدر المظلم» الذي حظي أداؤه فيه على تكريم واسع، ليس أقله فوزه بجوائز الجولدن غلوب، وإيمي، ورابطة كتاب السينما معًا.
اعتبر صوت ريكمان من أكثر الأصوات الرجولية اكتمالاً في عالم السينما المعاصرة، وقد لعب بصوته أدوارًا في أفلام مهمة عدة، منها «أليس في بلاد العجائب» وأعمال غنائية عدة، كما سجل سونيتات لشكسبير بصوته. سياسيا كان ريكمان مناصرا تقليديًا لحزب العمال البريطاني، ورأس منظمة دولية تقدم المساعدة للفنانين الفقراء عبر العالم.
* ليونارد كوهين (مواليد 1934): الشعر كأنه نبض الحياة
كوهين فنان كندي متعدد المواهب، أبدع في منطقة التقاطع بين عوالم الشعر والغناء والموسيقى متأخرًا؛ إذ كان بدأ مسيرته من عالم الرواية والكتابة طوال خمسينات وستينات القرن الماضي، ولم يصدر أول ألبوم غنائي له قبل 1967، تتابعت بعدها أعماله الغنائية ذات النفس الخاص الذي يزاوج بين الجاز والموسيقى الشرقية مع مناخ حزين، آخرها كان قبل وفاته بثلاثة أسابيع. انحدر كوهين من عائلة يهودية متدينة، تأثرت أعماله بأجواء أسرته المحافظة وبأشعار غارسيا لوركا، اعتبر الشعر نبض الحياة وخلاصة التجربة الإنسانية، وقد عدّ تأثيره الفني الأوسع في جيل السبعينات في الغرب فلم يتفوق عليه ربما سوى بوب ديلان الحائز جائزة نوبل للآداب 2016.
* مايكل هير (مواليد 1940): الصحافة - الكتابة من خطوط النار
أُرسل هير مراسلا لإحدى المجلات الأميركية لتغطية حرب فيتنام من الخطوط الأمامية 1967 – 1969، فكتب مجموعة من المقالات تحولت فور نشرها في كتاب روائي عام 1977 (ديسباتشز) إلى عمل كلاسيكي في صحافة الحرب، وقد أعيد طبعها مرات عدة منذ ذلك الحين. نقل هير تفاصيل الحرب إلى كل قارئ قبل تطور النقل التلفزيوني، فصوّر بكلماته الحاذقة جل سورياليتها وجنونها بتفصيل مذهل. وصف الروائي الشهير جون لي كاري ذلك الكتاب بأنه أفضل ما قرأه في حياته عن الإنسان أيام الحروب، ووصفه آخرون بأنه رائد الصحافة الحديثة.
انتقل هير للكتابة في هوليوود، فشارك في كتابة نصوص أفلام حربية معروفة، منها «القيامة الآن» إخراج فرنسيس كوبولا، و«درع حديدية كاملة» للمخرج ستانلي كوبريك 1987.
شخصيات رحلت وتركت العالم أقل جمالاً
شخصيات رحلت وتركت العالم أقل جمالاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة