«الكريب» طبق البهجة بحلاوته وملوحته

أشهر أصنافه «سوزيت» الذي أطلق اسمه إدوارد السابع

كريب سوزيت - (في الإطار) كريب بورتون.
كريب سوزيت - (في الإطار) كريب بورتون.
TT

«الكريب» طبق البهجة بحلاوته وملوحته

كريب سوزيت - (في الإطار) كريب بورتون.
كريب سوزيت - (في الإطار) كريب بورتون.

لا يتقيّد طبق «الكريب» بطعم أو نكهة أو مكوّنات مسطّرة باسمه، فهذا الطبق الفرنسي الأصل (من مدينة بروتاني)، يتمتّع بآفاق واسعة جعلته يتفوّق على نفسه، إن في طريقة تحضيره أو في غزارة الأسماء التي يحملها.
فـ«الكريب» الحلو أو المالح والبارد أو الساخن يعدّ من الأطباق المشهورة في العالم أجمع، وهو من الأطباق المحبّبة لجميع أفراد العائلة. فعملية تحضيره سهلة إلى حد يجعل ربّة المنزل تقوم به مع رشّة فرح، وأصنافه المنوعة تدفع بالأولاد إلى التهامه مع جرعة سعادة إضافية.
وتكثر أسماء هذا الطبق لتترافق بين حين وآخر مع قصة خاصة به، أو بالمكوّنات التي يتألّف منها، فيما تنطبع مرات كثيرة باسم البلد أو المدينة التي ابتكر فيها.
وتختلف أسماء طبق «الكريب» المالح، لتحمل في غالبيتها أسماء أنثوية مثل «جوسلين» و«جان» و«جوزفين» و«فريدا» و«جوليا» و«بياتريس» وغيرها. أما مكوّناته فعادة ما تتألف من الجبن المبشور والفطر، يرافقها أحيانًا لحم ديك الحبش المقدد. وتشير أسماء أخرى مثل «مون بلان» و«آرغو» و«كارناك» و«كوكو» و«أماندا» للأطباق الحلوة من «الكريب». أما أشهر أسماء النوع الأخير فهي «سوزيت» و«دانتيل».
وتتراوح تسمية الأولى إلى قصة جرت مع إدوارد السابع، أمير ويلز، الذي يروى أنه كان يتناول وجبة العشاء في أحد مطاعم باريس (مقهى مونتي كارلو) عندما طلب من الشيف هناك (هنري شاربانتييه) أن يعدّ له طبق حلوى مميزًا. وعندما جاءه بطبق الكريب المغطّس بصلصة الكاراميل وعصير البرتقال المخبوز مع الزبد، سأله عن اسمه (أي الطبق)، فأجابه الشيف بعفوية: «كريب الأميرة». إلا أن أمير ويلز نظر إلى إحدى المدعوات على الطاولة، وقال له: «بل ستحمل اسم (سوزيت) تيمنًا بالسيدة الصغيرة المدعوة معنا». فيما تقول قصة أخرى إنه تمّ إطلاق هذا الاسم تيمنًا بالممثلة الفرنسية سوزان ريكربيرغ المشهورة بـ«سوزيت»، من خلال دور نجحت في تأديته ضمن كوميديا فرنسية، مجسّدة فيه شخصية الخادمة التي تعدّ طبق «كريب» حلو الطعم لسيد المنزل الذي تعمل فيه، فارتبط باسمها بشكل غير مباشر.
أما طبق «كريب دانتيل» فله قصّة مختلفة ترتبط بالشيف كاتيل كورنيك، الذي ابتكره، عندما وضع عدة طبقات رفيعة ومطوية على بعضها من هذه العجينة المحمّصة، وقد زيّنها بصلصة الشوكولا.
لا يعدّ طبق «الكريب» ابتكارًا حديثًا في عالم المطبخ، إذ يتردد أن تاريخه يعود إلى سبعة آلاف سنة خلت، عندما كان يحضّر بعجينة سميكة عكس المعروفة اليوم، مائلة بشكل أكبر إلى أصناف الكعك. ويخصّص الثاني من شهر فبراير (شباط) من كلّ عام للاحتفال بهذا الطبق تحت عنوان «عيد الشموع» (fete des chandelles)، لارتباطه بمناسبة دينية مسيحية. وكان هذا الطبق يعتمده أحد باباوات روما (جيلاز الأول) كطبق المكافأة للحجاج الذين يقصدون روما للصلاة في كنائسها، كونه يرمز إلى الشمس (نسبة لعجينته الذهبية المخبوزة)، وإلى مواسم الحصاد (كونه يصنع من الطحين). ويقوم المحتفلون بعيد هذا الطبق في إعداده وهم يمسكون بقطعة نقود معدنية، محاولين شقلبة الفطيرة بين المقلاة الخاصة بها والهواء، لأن ذلك يجلب لهم الحظ واليسر، كما هو مذكور في الكتب القديمة.
وتتنوع تسمية فطيرة «الكريب» حسب البلد الذي تنتمي إليه. ففي أميركا تسمّى «بان كيك»، وتكون أكثر سماكة مشبّعة بشراب القيقب (erable)، وفي روسيا تعرف بـ«بلينيس»، وتؤكل مع سمك السلمون المدخن وعصير الحامض، وفي المغرب يطلقون عليها اسم «بيجريرز» المغطّسة بالعسل وزيت الآرغان، وفي بريطانيا يسمونها «كرامبيتس» وترافق وجبة طعام الفطور لديهم بعد مرغها بالعسل وزبد الفستق أو البيض. وتأتي «منقوشة الزعتر» في لبنان من ضمن أنواع هذه الفطيرة، كما أوردها موقع «إل سي آي» الفرنسي في صفحته الخاصة بالمطبخ. أما في إثيوبيا فهي تعدّ لتناولها مع أي صنف طعام آخر بديلاً للخبز.
ولتحضير عجينة فطيرة الكريب لأربعة أشخاص، يجب وضع البيض (4 بيضات) والطحين (250 غرامًا) والحليب (نصف لتر) ورشة ملح وملعقة من الطعام سكّر وكمية من الزبد الذائب (50 غرامًا) لتخلط معًا وتؤلّف مزيجًا لبنيًا توضع كميات صغيرة منه في المقلاة بهدف خبزها، ومن ثم استعمالها في طبق حلو أو مالح.
وهي تأخذ شكل دوائر وعادة ما تكون متوسطة الحجم، تخبز على بلاطة حديدية خاصة أو في مقلاة غير لاصقة للطعام.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».